• الجمعة 19 ابريل 2024
  • السنة السابعة عشر
  • En
تنويه أمد
يوم 17 أبريل 2007، انطلق "أمد للإعلام"، كضوء جديد نحو رسالة جديدة، موقع حمل منذ الانطلاقة شعار "الاختلاف حق" و"العداء مرفوض"، كان له ثمن كبير..لن ينكسر فـ"أمد للإعلام" وجد ليبقى وينتصر برسالته .

فلسطين عين القضية

تابعنا على:   12:35 2014-12-19

الفضل شلق

قتل الإسرائيليون الوزير الفلسطيني زياد أبو عين. مرّ ذكر الحدث في وسائل الإعلام العربية والدولية وكأنه أمر عادي، أو أنه متوقع. المطلوب هو فقط تدوين الاسم وذكر مراسم الدفن. هو فلسطيني في دولة تسمي نفسها إسرائيل؛ مهمتها اليومية قتل الشعب الفلسطيني وإبادته. هو فلسطيني من شعب لا يستحق الوجود بنظر النظام الإمبراطوري الذي تنطق باسمه الفضائيات الدولية ومعظم المحلية. ما يستحق الذكر تحت عنوان Breaking News، أو «خبر عاجل»، هو القتل الذي يمارسه التطرف الإسلامي.
ليست هناك قضية عربية اسمها فلسطين، هناك فقط بربرية إسلامية منتشرة من أوستراليا إلى باكستان إلى المقلب الثاني من الكرة الأرضية. وتمضي إسرائيل في بناء المستوطنات في الضفة الغربية، وتشن الحرب تلو الأخرى، والغارة تلوى الأخرى، في غزة والبلدان المحيطة. لا همّ لدى النظام الإمبراطوري سوى استمرار أبدي للمفاوضات حول دولة فلسطينية لن توجد؛ وإذا وُجدت فستكون من دون سيادة، والأفضل أن تكون من دون شعب. أرض بلا شعب لشعب يهودي يبحث عن أرض منذ مئات السنين. ويهز مذيعو الفضائيات الدولية رؤوسهم تعجباً من تصرفات هؤلاء العرب والمسلمين.
أليست إبادة الشعب الفلسطيني عقوبة لإرهاب تمارسه هذه الشعوب الرافضة لأكل لحم الخنزير، والمصرة على اللحم الحلال، والمصرة على تصدير الإرهاب، ومعه المهاجرون الذين يمارسون في بلدان المهجر ثقافة غريبة بارتداء الحجاب في معازل خصصت لهم. يعيشون في عواصم الغرب ويقومون بالأعمال الدنيئة، إن وجدوا عملاً، أو هم يتاجرون بالممنوعات ويرتكبون شتى الأعمال المخالفة للقانون. شعوب مهاجرة متسكعة، باتت خارج المكان. أوطانهم التي خرجوا منها لم تعد مكاناً لهم، وأوطانهم التي لجأوا إليها لا مكان لهم فيها. أليست فلسطين خارج المكان؟ وهذا الوزير الفلسطيني، هو أيضاً خارج المكان. هو ليس في المكان الذي يجب أن يوجد فيه. إن بقي في فلسطين يقتل، وإن خرج منها لم يعد موجوداً؛ إذ لا وجود إلا في مكان ما.
الفلسطينيون المقيمون في أرضهم هم مهاجرون مقيمون. المهاجرون منهم ومن العرب في الغرب مقيمون في غير أرضهم، في غير وطنهم. وطنهم الوحيد هو الإرهاب. لا تتسع الكرة الأرضية لهم لأنهم خارج النظام. النظام هو فقط الأمن الكامل للغرب الأوروبي والأميركي والأوسترالي. فلسطين أيضاً خارج النظام العالمي. تحاول سلطتها الدخول في مؤسسات النظام العالمي وتمنع من ذلك. يطيّبون خاطرنا أحياناً بالتلويح بالاعتراف بدولة فلسطين، شرط أن تكون دولة لا كالدول، دولة من دون سيادة، دولة خاضعة لمكان آخر هو الدولة اليهودية في فلسطين. ستبقى فلسطين، كما هو واضح من سير المفاوضات، شبحاً لدولة. ليس في النظام الدولي مكان للأشباح. الأشباح إرهاب. الإرهاب يجب أن يستأصل. يخلقون الغول ليأكلوه؛ على عكس ما يقول المثل الدارج: تربي الغول فيأكلك.
لا يفهمون معنى فلسطين في وعينا نحن العرب. كلنا مهجرون. فلسطين تقرر وعينا. نحن لسنا في أرضنا ما دامت فلسطين خارج المكان. أنكروا على إدوارد سعيد سيرته الذاتية بعنوان «خارج المكان». الذين خارج المكان مختلون عقلياً، لا يفكرون مثل بقية البشر، سلوكهم إرهاب، لا يخضعون للقوانين أينما وجدوا على الكرة الأرضية؛ مصدرهم يسمى الشرق الأوسط.
الإرهاب في هذا العصر هو الزمان، هو الحدث الذي يجب ألا يحدث. يجهلون أن المكان جغرافيا، والجغرافيا لها تاريخ، وأن التاريخ الحديث في هذه المنطقة العربية هو العلاقة بين الجلاد والضحية. تتحول الضحية إلى جلاد بقيامها بفعل الإرهاب، بخروجها على القوانين المفروضة. يضعونها خارج النظام العالمي، ثم يحاكمونها بقوانين هذا النظام. ليس في الأمر مماحكة؛ هي تناقض النظام العالمي مع نفسه. يستمر النظام بفضل هذا التناقض. وحش الإرهاب ضروري.
في كل مرحلة من التاريخ تحتاج المدينة إلى برابرة كي تبرر تفوقها الأخلاقي والحضاري. تفرز المدينة بربريتها كي تؤكد ذاتها. برابرة هذا العصر هم العرب. مصدر بربريتهم هو سوء الفهم المتبادل بينهم وبين الغرب. مركز سوء الفهم هو فلسطين التي لم يعد لها بنظرهم مكان. ما يدعو للسخرية هو أن البربرية الآن مصدرها منطقة كانت الأولى زمنياً في اختراع الحضارات والمدنيات. انقطع الزمان بوجود إسرائيل، كدولة يهودية وسط شعوب تخوض حروباً أهلية بربرية. قبائل لا تستحق إلا أن يرعى الغير شؤونها. يعود الاستعمار احتلالاً واستيطاناً. استيطان الضفة الغربية ضرورة إنسانية. كذلك إبادة غزة وأهلها. تحول صراع الحضارات إلى حرب ضد البربرية. ألا يرتكب البرابرة الجدد مختلف أنواع الإرهاب؟
لن يسمعوا الدعوة إلى كلمة سواء: من دون فهم قضية فلسطين، وعروبة القضية وإنسانيتها لن يفهموا شيئاً آخر. يمكن أن تخترق مركباتهم الفضائية السماء إلى نهاياتها، ويمكن أن يكتشفوا أصغر الذريرات وصولاً إلى أقصى النهايات الصغرى، ويمكن أن يستنسخوا كائنات بشرية وصولاً إلى المقام مع الذات الإلهية، لكن شبح فلسطين سوف يلاحقهم إلى آخر الزمان.
سيطرتهم على المكان لن تتحول إلى سيطرة على الزمان. زماننا شيء آخر. هو الذي سوف يقرر مصير المكان. تاريخ يقرر الجغرافيا؟

عن السفير اللبنانية

اخر الأخبار