الطفل والحاكم !

تابعنا على:   20:25 2013-11-18

د.ناجى صادق شراب

لقد إستوقفنى هذا المشهد السياسى في عمقه والإنسانى في تعبيره بين الطفل الذي قدم عيدية لسمو الشيخ محمد بن زايد، وهو موقف له دلالات سياسية عميقة ، ويكشف عن أهم مبادئ الحكم الرشيد ، والحكم الناجح. وقد نتساءل ما طبيعة العلاقة بين هذا المشهد والحكم الرشيد؟ الدائرة او الحلقة المشتركة هى دائرة البراءة التي تجمع بين حياة الطفولة ، وبين براءة الحكم . وفى يقينى أن أحد أهم مبادئ الحكم الرشيد هو براءة الحكم ، ويقصد بذلك الحكم الذي يحمى نفسه من مفاسد السلطةومساوئها ، تماما مثل الطفولة التي تولد صفحة ناصعة بيضاء لا تتلوث إلا بفعل عوامل خارجية ،وعليه إذا حافظنا على هذه الطفولة وأعددناها إعدادا جيدا من خلال التربية السليمة ، وتنشئتها تنشئة سياسية بعيده عن التشدد والكراهية والتطرف، طفولة واعية ، فهذا أحد أهم شروط الحكم الرشيد في المستقبل ، لأنه سيكون لدينا جيلا متعلما واعيا ملما بمسؤولياته ، محبا لوطنه ، ومتسلحا بمنظومة من القيم التي تحقق التوازن ، وتقوم علي البناء والإبداع ، وهذا لن يتحقق إلا من خلال الإهتمام بهذه المرحلة ألأهم في حياة ألإنسان ، الإهتمام بالطفولة من كل جوانبها ، وليس فقط التركيز على الفئات العمرية ألأكبر. وهذا فعلا ما تقوم به دولة الإمارات التي تولى هذه الطفولة كل الرعاية والإهتمام، ولذا عندما سئل الطفل ما الذي دفعك لما قمت به ، وكيف ترى سمو الشيخ محمد بن زايد ؟ أجاب بكلمة تعكس نجاح الحكم وهى الحب الذي يحمله المواطن للحاكم، فقال أنه طويل، وهذه الصفة لها دلالة المكانة والهيبة ، والحكم يستمد هيبته ومكانته من حب الناس ، ومن تقرب الحاكم إلى مواطنيه ، والوقوف على حاجياتهم ومطالبهم ، ومشاركتهم له في إدارة شؤونهم اليومية ، وإشعارهم أن الحاكم هو منهم وإليهم ، هذا احد هذه المعانى ، وأضاف انه يحب العالم كله ، وهذه دلالة أخرى في مفهوم الحكم الرشيد وهى البعد الإنسانى ، وبعد الخيرلدى الحاكم ، فالحب الذي يراه هذا الطفل حبا كبيرا ، وهو قد لا يقصد العالم كله ، بل يقصد حجم الحب والخير الذي يقدمه الحاكم ، وهو مفهوم جديد للثروة بمعنى إن إدراك الحاكم إنه حارس على ثروة بلاده ، لا يبددها ، بل يقدمها لمواطنيه في صورة مشاريع ، وأعمال إنسانية ، وهذا ما يشعر به هذا الطفل الذى يدرس في مدرسة متقدمة ، ويتلقى العلاج في مستشفى متقدم ، ويتنزه في آماكن للتنزه آمنه وجميلة ، وأضاف انه كالأب ، وهذا المفهوم متأصل في آدبياتنا ، وثقافتنا ، وهى إن الحاكم الرشيد والصالح هو في النهاية نموذجا للأب الصالح ، والذى يخاف على أبنائه ، ولذا علينا أن ننمى هذا الفهم ، بعيدا عن الفهم السلبى للثقافة ألأبوية ، التي قد تعنى الخضوع والتبعية والطاعة العمياء، هذه الدلالات ينبغى الوقوف عليها في ترسيخ الحكم الرشيد ، والذى قد يزيد الموضوع إكتمالا الإبتسامة التي قد إرتسمت على وجه سمو الشيخ محمد بن زايد ، وهى إبتسامة الرضا والسرور ، وهو ركنا مهما من أركان الحكم الرشيد ، رضا المحكوم والمواطن ، يقابله رضا الحاكم ، أى شعوره أن سياساته وحكمه يرى ثمارها لدى مواطنيه ، وهذا سر نجاح أى حكم . هذا المشهد يحتاج إلى ترجمة أكبر في سياسات وبرامج ، ومشاريع لا تقتصر على الطفولة وهى قاعدة أى حكم رشيد ، ولكن أيضا على مستوى العلاقة بين الحاكم والمحكوم. فالطفل إذا ما حمل معه صورة الحاكم الإنسان والحاكم الأب ، والحاكم الذي يأتى بالخير ، وحملها معه في مراحل حياته المختلفة ، وبقابلها فعلا الصورة الحقيقية للحاكم الذي يجسد هذه المفاهيم بصدق لدى الطفل خاصة هى التي ترسخ لحكم رشيد ناجح. وهذا ما لمسه الطفل في شخصية الشيخ محمد بن زايد. فشخصة الحاكم لا تفرص على عقل الطفل وتتشكل بوسائل قسرية ، ولكن من خلال سلسلة متكاملة من الصور والممارسات التي يقوم بها الحاكم ،حتى مرحلة الطفولة التي عاشها الحاكم تلعب دورا محوريا في رشادة الحكم ، وهذا ما نجح فيه سمو الشيخ زايد وحكام الإمارات المؤسسين في تربية وبناء طفولة إندماجية ، وليست إستعلائية ، ولقد عاصرت بعضا من أفراد ألأسرة الحاكمة ، وعلمت البعض منهم ولمست كيف كان ألواحد منهم يمارس حياته كطفل مثل بقية ألأطفال في المدرسة ، وكيف كان الإلتزام والإنضباط ، والصورة اليوم تتكرر ، هذا اسأ س لبناء حكم سليم ورشيد ، حكم تلتقى فيه كل الأجيال في شخص الحاكم ، وهنا يكمن أحد مصادر قوة حكم الشيخ زايد ، ومن بعده ، وهذه القاعدة تنطبق على كل حكام المنطقة . هذا التواصل الجيلى في شخص الحاكم هو الذي يرتسم في ذهن الطفل. وهذا لا يتم بمعزل عن المنظومة الكلية التي تحكم الحاكم ، فالطفل قد يرى الحاكم في صورة ألأب والمعلم والمدير ، ونجاح الحكم هو التكامل بين كل هذه الصور التي تجسد الحاكم ، فالحاكم الظالم سينتج أبا ظالما ، ومعلما ومديرا متسلطا مستبدا ، والعكس الحاكم الصالح الرشيد سينتج نماذج ممتده له في المجتمع ، وهذا ما يقدمه نموذج الحكم في الإمارات . وعليه قاعدة الحكم المهمة التي يمكن إستخلاصها من هذا المشهد بين الطفل وسمو الشيخ محمد بن زايد إن طفلا صالحا يعنى حاكما صالحا ، وحاكما صالحا يعنى تربية طفل صالح ، وبذلك ينصلح الحكم لدينا ، وهذه سمة أخرى من سمات الحكم في دولة الإمارات ، التي ستكون موضوعا لمقالة قادمة .

اخر الأخبار