ضبابية المشهد العربي

تابعنا على:   21:57 2014-12-09

عمر حلمي الغول

منذ إنطلق قطار الثورات العربية نهاية 2010 ومطلع 2011 والمشهد يميل إلى الضبابية والالتباس في الساحات المحتلفة، التي شهدت ثورات او لجمت طموحات شعوبها، وحالت دون التحولات السياسية والاجتماعية فيها. فلا الثورات المنتصرة حققت اهدافها بالتغيير المرجو. ولا الانظمة المحافظة على بقائها نجحت في تأمين الاستقرار المنشود، كونها لم تتمكن من إحداث الاصلاح الطلوب.

الحالة العربية تغطيها غيوم كثيفة غالبا ما تفقد المراقب القدرة على التحليل العلمي . وتحول دون محاكاتها موضوعيا، لان الغموض مازال سيد الموقف بسبب اختلاط المعايير، وتعاظم التدخلات الخارجية والقوى المحلية المنخرطة في المشهد، وبسبب غياب قوى التغيير الحقيقية، وفي نفس الوقت، ازدياد نفوذ، وإتساع دور قوى الاسلام السياسي التكفيرية وعلى رأسهم جماعة الاخوان المسلمين.

الانجازات الوطنية والقومية، التي تحققت في مصر وتونس، على اهميتها الاستراتيجية، إلآ انها مازالت مع دول الربيع العربي خاصة وعموم دول الوطن العربي تتعرض لحملة إرهاب شرسة، اضف إلى تعثر مواجهة التحديات مع القوى الخارجية، التي تقودها الولايات المتحدة الاميركية وربيبتها إسرائيل، ومع القوى المحلية والفاعلة في الساحات العربية والاقليمية وعلى رأسها التنظيم الدولي للاخوان المسلمين ومشتقاته من الجماعات التكفيرية "داعش" و"النصرة" وغيرها من الاسماء. وبسبب إفتقاد القيادات الجديدة لرؤية برنامجية شاملة، الامر الذي فرض لجوءها للخيار الامني باستثناء تونس، التي تمثل بخصائص تجربتها الوطنية مفتاحا للتغيير الايجابي، رغم أنها تعاني من النواقص على اكثر من مستوى وصعيد.

لا يكفي النظر للمشهد العربي في دول الربيع العربي من زاوية نجاح الثورة في تغيير نظام الحكم هنا او هناك، ولا بمقدار إزاحة جماعة الاخوان المسلمين او التصدي لتجربتهم، بل بمقدار ما إستطاع هذا النظام او ذاك من تمثل مصالح الجماهير العربية، وبمقدار ما تمكن من تكريس الخيار الديمقراطي في اوساط المجتمع. وايضا بمدى ما إستطاع من حماية مرتكزات البعد القومي في الساحة القطرية والقومية.

كما لا يجوز حصر القراءة للمشهد العربي العام من خلال تمكن الدول، التي حمت أنظمتها وبناءها الفوقي هنا او هناك، بل من خلال القراءة الموضوعية والدقيقة اولا للثمن الذي دفعته تلك الانظمة لحماية  انظمتها، ومواصلتها البقاء على قيد الحياة؛ ثانيا وللتحالفات، التي رهنت نفسها لها، وهي تحالفات تتناقض مع خيار الوطنية والقومية؛ ثالثا عدم تمكنها من التجاوب مع اية إصلاحات حقيقية لصالح الجماهير في هذا البلد او ذاك؛ رابعا إستمرار خضوعها لإملاءات الغرب الرأسمالي وخاصة الولايات المتحدة؛ خامسا مشاركة بعضها في نشوء ودعم التنظيمات التكفيرية، والتواطؤ على الدول الشقيقة باسم "دعم" الثورات، وهي احوج ما يكون للثورات والتغيير.

اللحظة السياسية العربية أعقد مما ورد اعلاه. لانها تتجاوز في تشبيكاتها الشبكة العنكبوتية. لا بل ان الشبكة العنكبوتية، باتت ملك المواطن البسيط، لان لها انظمة وقوانين واليات عمل محددة. لكن شبكة التعقيدات العربية، لا قوانين ولا معايير لها. نعم في السياسة تحالفات اليوم قد تكون جبهات خصوم وعداء في الغد. وبالتالي المعادلات السياسية في المشهد العربي على بساطتها، على ما هي أكثر تعقيدا، ويجري ضخ  هواء فاسد في عموم ساحاتها وللاسف برضى وقبول من حكامها وصناع القرار فيها.

باختصار المشهد العربي بحاجة إلى روافع وطنية وقومية وديمقراطية جديدة لتخطي مرحلة الضبابية، ولإخراج كل دولة من ازمة الهوية، وحماية الدولة الوطنية والنهوض بالتنمية المستدامة، وتعميق خيار الديمقراطية، ولجم النزعات الظلامية الاخوانية، وحماية الاستقلال السياسي والاقتصادي بالمعايير النسبية. 

[email protected]

[email protected]         

اخر الأخبار