كلام الساسة لَعظيم!!!

تابعنا على:   17:21 2014-12-03

فراس ياغي

العظمة ليست في الكلام والمعنى فحسب، إنما هي في الأفعال والنتائج...بالتأكيد الكلمة مهمة، كما أن المعنى يجب أن يعبر عن جوهر الفعل المصاحب لتلك الكلمة...وحين لا يصاحب الكلمة والمعنى فِعل عظيم تصبح العظمة مبتورة بعض الشيء ولا تحقق المعنى الحقيقي لقولها أو لكتابتها...كثير مما يكتب في عصرنا عظيم، بل إن جمال الكلمة أحيانا يفوق عظمتها، بل وحتى يفوق قائلها...أعمال القائلين لا تعكس روحية ما يقولون، وأفعال وتاريخ أصحاب بعض المقولات العظيمة تنفي عنهم تلك الصفة...احيانا تسمع سياسي يقول كلمات عظيمة، لكنه ليس سوى قشرة تعبر عن جوهر يدّعيه ولا يحوزه، بل لم تكن يوما من صفاته، وكلامه أو مقترحاته العظيمة ليست سوى تعبير عن إنتهازيته أو كما يقولون "يصطاد في الماء العكر"، لماذا يفعل ذلك الآن؟ الحواب بسيط: هو يرى في نفسه شخصية تاريخية ومؤسسة لكنها لم يعد لها دور في الحياة السياسية وصنع القرار، فيبدأ بإستغلال مهاراته الفكرية ليعيد نفسه لدائرة الفعل...مع ذلك حين يكون الكلام عظيما حتى لو جاء من شخصية إنتهازية، فلا بدّ من صناع القرار أخذ الكلام وتجاوز الشخصية.
رسول الله صلوات الله عليه وسلم قال عن الشاعر العربي الموّحد الذي عاصره وسمعه وإلتقاه، الشاعر الثقفي "من الطائف" أمية بن أبي الصلت، قال: " آمن شعره وكفر قلبه" وهو الذي نزلت فيه في سورة الأعراف الآية 175 "فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ"...ف "أمية بن أبي الصلت" وصف العرش الإلهي قائلا: زحلٌ وثور تحت يمنى رِجله...والنسر لليسرى وليث مرصدُ، وكانت ردة فعل نبي الله صلوات الله عليه وسلم " صدق- أمية- هكذا صفة العرش"...بل هو صاحب البيت الشهير: إن تغفرُ اللّهم تغفرُ جمّا...وأيّ عبدٍ لك لا ألمّا...ورغم كلِّ ذلك مات أمية دون أن يعلن إسلامه...الشخصية الثانية التاريخية التي يشهد لها بالحلم والحكمة والفصاحة والصدق هي "عتبة بن أبي ربيعه" والذي قتل في موقعة بدر وهو كافر، فعتبة إلتقى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مكة في فناء الكعبة وعرض عليه المال والشرف والملك على مكه، بل قال له: إن كان هذا الذي يأتيك رئيّا تراه ولا تستطيع أن ترده عن نفسك طلبنا لك الطب"، الرسول عليه السلام رد عليه وقرأ سورة "فصلت" بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ. "حم (1) تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (2) كِتَابٌ فُصِّلَتْ آيَاتُهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ (3) بَشِيرًا وَنَذِيرًا فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ" وحين فرغ من قرائتها وعتبة يسمع ويده خلف ظهره وجد نفسه في السجده فسجد، وحين خرج قال: " هذه ليست بلاغة شعر يعرفه العرب، ولا هي بلاغة سجع الكهان وسحرهم"، ومع ذلك بقي على كفره وقُتل في "بدر".
التاريخ العربي مليء بالقصص حول عظمة الكلام دون فعل يؤكدها...وواقعنا الفلسطيني والعربي الحالي يكاد يمتاز بالكلمة لا بالقولِ إلاّ قليلا...كلام من هذا القائد وذاك الفصيل أجمل من قصائد فخر وغرور المتنبي بنفسه، وأروع من قصائد "قيس بن الملوح"، إمرؤ القيس ب "ليلى العامرية"، لكن فعل العظمة الحقيقي يسطره طفلٌ في القدس، وصبيةٌ في الشام تواجه لوحدها فكر "داعش" التكفيري الإرهابي...يبدو أن السياسة في بلدانا هي مجرد كلمات يُقصد بها عمل "لايك" في أل "فيس بوك" لا أكثر.
هذا الكلام ليس لي، إنما هو منّي، لأن بين الكلام والفعل مسافة من شجاعة وصبر، وحينما تنتفي الشجاعة نفتقد للصبر فنستعيض عنها بزخرفة الكلام وعرض مقترحات كلامية لنفي الإتهام بالجبن والخوف الشخصي...أليس الأجدر بمن يقدم إقتراحاً جيدا أن يقوم بالعمل على وضع آليات فعلية لتطبيقه، فيبدأ فوراً بعملية الضغط لتطبيقه وحشد الجماهير حوله من خلال منصبه وموقعه كشخصية تاريخية مؤسسة، لماذا دائما نقول الشيء وننساه بعد فتره؟!!! أهو من باب التبرير؟!!! أم من باب تسجيل المواقف الكلامية لا أكثر!!!!!
قال الشاعر المسلم الصحابي حسان بن ثابت:
عَليكَ بتقوى الله في كل حالة ولا تَتْرك التقوى إتكالاً على النسبِ
فقد رفعَ الإسلام سلمان فارس وقد وضع الكفر الشريف أبا لهب

اخر الأخبار