غزة: "نزوة" داعش

تابعنا على:   09:49 2014-12-03

د.أحمد جميل عزم

قلل إياد البزم الناطق باسم وزارة الداخلية في قطاع غزة من شأن البيان الذي وزّع أول من أمس باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، ويهدد عددا من الأشخاص من المشتغلين في العمل العام، باعتبارهم "شعراء وكُتّاب" وبذريعة "التطاول على الدين الإسلامي والمَس بالذّات الإلهية والعقيدة الإسلامية"، وإمهالهم ثلاثة أيام لمراجعة مواقفهم قبل تطبيق "حد الردة"، واصفا إياه بأنه "لا يعدو كونه نزوات شبابية ومغامرة من بعض الشباب قد تحمل فكرا معينا". وقد يكون البيان بالفعل مغامرة ونزوة ولكن هذا لا يقلل من خطورة الموقف، لأنّ الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية في غزة مهيأة لظهور "الدواعش".
ومما قد يعزز مقولة أنّ البيان مبادرة محلية فيه درجة من النزوة، هو أنّ من كتبوه لم ينتبهوا أصلاً إلى أنّ "داعش" ومنذ نحو ستة أشهر غيرت اسمها من "الدولة الإسلامية في العراق والشام"، إلى الدولة الإسلامية، ربما لأنّ طموحهم يزيد عن هذه "الرقاع" الجغرافية أو لأنّ اسم "داعش" يزعجهم، فأرادوا تغيير الاسم بما لا يجعل اختصاره على هذا النحو ممكناً، ولكن كاتبي بيان التكفير والتخوين وقذف الناس استخدموا اسما منتهي الصلاحية.
في إطار الصراعات البعيدة عن العقل والحلول الوسط فيها، في غزة بين الفصائل وداخل الفصائل، وبوجود العدو الإسرائيلي، من غير المستبعد أيضاً أن يكون هناك تحليل أنّ أحد الأطراف أراد توجيه رسالة ما موجودة "في عقله" لتحذير أو تخويف جهة أخرى باستخدام اسم داعش.
لكن الأهم من هذه كلّه وبغض النظر عن حقيقة الجهة التي أصدرت البيان الذي خرق خطوطاً حمراء لا تقل خطورة عن عمليات التفجير الأخيرة التي استهدفت بيوت قادة في حركة "فتح" قبل نحو الشهر، إذ تمت تسمية أشخاص بأسمائهم واتهموا في معتقداتهم، وحياتهم الشخصية، وشرفهم، أي تمت محاولة اغتيال أشخاصهم، فإنّ البيئة اللازمة لظهور "داعش" تكاد تتوافر.
إنّ تنظيم القاعدة بفروعه وتطوراته، لا يكون له وجود حقيقي ومستمر ويتطور لتشكيلات مسلّحة تحاول ادّعاء امتلاك السلطة والشرعية إلا في ظروف الفلتان الأمني، والفراغ السياسي. هذا ما حدث في العراق، ثم سورية، وقبل هذا في الصومال. وأحد أسباب تحصين الشارع الفلسطيني من الفكر القاعدي والداعشي حتى الآن أنّه لا يوجد فراغ سياسي كبير، فرغم كل شيء كانت  الفصائل تملأ الفراغ وتستقطب الشبان، أضف إلى ذلك انغلاق الحدود وصعوبة قدوم السلفية الجهادية إلى فلسطين من معاقلها التي أسس لها أول ما أسس الأمريكان بمساعدة أجهزة مخابرات عربية في أفغانستان وباكستان، قبل أن تنتقل إلى الدول "الفاشلة": الصومال والعراق وسورية، وتصبح تمرداً أيضاً ضد حلفائهم السابقين (الأميركيين والعرب)؟ ويضاف أيضاً أنّ "القاعديّين" لديهم هوس في استهداف "العدو" القريب بدءاً من محيط عائلة وشارع كل واحد فيهم، وصولاً للمجتمع المحلي الأوسع إن استطاعوا إليه سبيلا، أو الذهاب لأقاصي الدنيا لضرب أهداف مدنية، بينما يظل الإسرائيليون أقل الأهداف أهمية، وفي أحسن الأحوال يقال إنّهم هدف مؤجل.
لقد حدثت نحو 15 عملية تفجير ضد مسؤولين في "فتح"، قبل شهر، ولم تكشف "حماس" التي تتغنى بقدرتها على إنهاء الفلتان الأمني، والتي ما تزال الأجهزة التي أسستها، وبموجب اتفاقيات تأسيس حكومة الوفاق الوطني، هي المسؤولة عن الأمن في غزة، فضلا عن أذرعها الأمنية المهمة في حفظ المقاومة والقطاع من الاختراق الأمني الصهيوني وغير الصهيوني، شيئاً مما حصل. كما أنّ "فتح" التي كانت تتغنى في الماضي (قبل السلطة) بأجهزتها الأمنية وأجهزة الرصد الثوري فيها لم تفعل شيئاً لكشف ما حدث. أضف لهذا الفلتان الأمني هُناك فراغ سياسي، فلا يوجد أي جهة لديها برنامج مقاومة أو عمل شعبيين مقنعين للجمهور، واتضح أنّ حصيلة الحرب الأخيرة رغم التضحيات الهائلة والصمود الأسطوري هي بالنسبة لحياة الناس، حتى الآن، "صفر"، وفي جهة الحكومة لا يوجد آفاق لانتخابات أو تجديد الحياة السياسية، كما أنّ آفاق إعادة البناء محدودة.
إذن الفلتان موجود، والتنمية معاقة، والفراغ السياسي قائم، والأمل محدود، وهذه كلّها البيئة الحاضنة لداعش ونزواتها ومغامراتها المميتة.

عن الغد الاردنية

اخر الأخبار