خيارات المفاوض في ظل انسداد الأفق

تابعنا على:   00:03 2013-11-18

د. جميل مجدي

عندما بدأت مسيرة التفاوض في مدريد عام 1991 وبعدها في أوسلو عام 1993، لم يكن أكثر المتشائمين يتوقع أن تستمر العملية ما يزيد عن عشرين عاماً دون أن يتحقق الهدف منها، وهو تحقيق سلام عادل ودائم وشامل في منطقة الشرق الأوسط، لكن كل المعطيات تشير إلى أن إسرائيل ليست معنية بهذه المفاوضات إلا بقدر ما يهمها حضورها في المحافل الدولية وسرعة إنجازها على مختلف المستويات وضمان حصولها على ما ترغب من معونة أمريكية وأوروبية دون أن يترتب على ذلك دفع أثمان جدية، والأهم أن المجتمع الدولي لا يعنيه كثيراً موضوع المفاوضات إلا في حدود ما يتفق مع مصالحه وما يتوافق مع تدفق الطاقة إلى مصانعه بغض النظر عما تعانيه الشعوب من ويلات، وأخيراً فإن أهل المنطقة أنفسهم مشغولين بترتيبات ما بعد حراكهم وربيعهم وثوراتهم التي يحاولون فيها التحرر من أنظمة القهر والقمع التي لازمتهم طيلة سنوات ما بعد حقبة الاستعمار التقليدي، وهنا بات المفاوض الفلسطيني على وجه التحديد في مواجهة مع وحش الاحتلال دون غطاء أو حصانة أو مناعة في ظل انسداد أفق يحول دون تحقيق الحد الأدنى مما يمكن التوافق عليه وطنياً في مشروع التفاوض برمته.

المؤكد هنا أن منظمة التحرير الفلسطينية عندما شرعت في المفاوضات كانت على يقين أنها بذلك تخدم المشروع الوطني، وتجتهد بأدوات الضغط من أجل تحقيق الحقوق العادلة للشعب الفلسطيني، وأنها لم تكن تنتوي التنازل عن ما اتفق الفلسطينيون على تسميته بالثوابت الوطنية، وأن المرونة الحاصلة في الأداء هي من باب عدم تحميلها مسؤولية فشل العملية، وهذا ما برهن عليه الرئيس الشهيد ياسر عرفات ومن استلم الدفة من بعده، بغض النظر عما أحدثه الانقسام الفلسطيني من اتهامات وشقوق في الجدار الوطني جعلت موضوع التفاوض جزءاً من البروبوغاندا الحزبية في ظل عدم التوافق على استراتيجية وطنية للكفاح ولا على آلية تسمح بتمثيل الكل الوطني في البيت المعنوي للفلسطينيين والمقصود هنا منظمة التحرير الفلسطينية.

من المعروف أن الحركة الصهيونية هي بالأساس حركة استيطان، وأن التفكير بوقفه يعني انهيار الفكرة الأساسية التي قامت عليها هذه الحركة، وبالتالي فإنه من العبث التفكير بأن أي نوع من الضغوطات سيسفر عن وقف النشاط الاستيطاني الصهيوني في الضفة الغربية والقدس، وعليه فلا مجال هنا لإحداث تقدم في مسيرة التفاوض التي يسعى الفلسطينيون إلى استرداد أراضيهم بموجبها في حين تعتبر إسرائيل أنها صاحبة حق في استمرار الاستيطان وتنميته على أراضي الفلسطينيين، وبالعكس فإن الثابت الوحيد في منظومة العلاقة الفلسطينية الإسرائيلية منذ أوسلو وحتى يومنا هذا هي تواصل الاستيطان وبوتيرة متصاعدة في ظل الحديث عن حل بات من المستحيل على الأرض تطبيقه، المسمى بحل الدولتين، وهو أمر يرتب على القيادة الفلسطينية التحضير لما بعد هذا الحل أو بمعنى أدق الاستعداد لحقبة يختفي فيها هذا المطلب الفلسطيني إلى الأبد.

مطلوب سرعة التوجه إلى الأمم المتحدة، حتى لو اقتضى الأمر أن يسبق ذلك قرار حل السلطة الفلسطينية، ومن ثم التقدم بطلب عضوية لمحكمة الجزاء الدولي حتى نضع العالم برمته أمام مسؤولياته الأخلاقية والقانونية تجاه جرائم الاحتلال، وأن نذهب إلى مصالحة وطنية شاملة على أسس كفاحية، وإعادة بناء منظمة التحرير الفلسطينية وفق منهج ديمقراطي يتيح للكل الوطني أن يشارك في العملية التحررية، وأن ننجز استراتيجية وطنية للكفاح تقوم على كل أشكال النضال الشعبي بكل مفرداته، وأخيراً نذهب إلى عمقنا العربي والإسلامي ونخاطب العالم الحر بمفردات يعرفها تتعلق بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها والانتظام والاصطفاف في مواجهة شاملة مع المحتل تفضي إلى الحرية والاستقلال الوطني بغير منّة من المحتل أو تنتهي إلى تحميل المجتمع الدولي نكبة جديدة للفلسطينيين في زمن العولمة والحريات وحقوق الإنسان والتغني بالشعارات التي ستصبح في مواجهة مع صانع القرار ومن يتحالف معه.

اخر الأخبار