السكافي حافي وباب النجّار مخلّع

تابعنا على:   08:48 2023-10-04

السفير منجد صالح

أمد/ انه مثل شعبي فلسطيني عريق عميق بديع ذو دلالات، من لبّ عصارة تجارب شعبنا وثقافته وحضارته.  

"السكافي أو "الكندرجي" حافي، والكندرجي ربما بالدارجة او العاميّة هو مصلح الاحذية (الكنادر)، في بلدان شمال افريقيا : تونس والجزائر والمغرب يسمّون دكان الكندرجي "مصحّة الاحذية"!!! وكأن الكندرة تمرض ويأخذونها إلى المصحّة الخاصة بها ليُطبّبها ويصلحها "طبيب الكنادر"، أي السكافي.

ويطلق هذا المثل على من يفتقد ما يتوجّب ان يكون لديه ويملكه بصورة طبيعيّة وسهلة، مثل الكندرجي الذي يمشي حافيا ولا يملك كندرة!!،

ونفس الشيء ينطبق ويندرج على الشق الثاني من المثل "باب النجار مخلّع"، فكيف بالنجار الذي يصنع ويصلح ابواب الناس جميعا ان يكون بابه مخلّعا أي محطّما.

وهذا يُذكّرني بمثل اسباني شهير تقول ترجمته الحرفية: "في بيت الحدّاد سكّينٌ من خشب"، وهو يوازي تماما المثلين باللغة العربية،

في سنوات الستينيات عندما كنا اولادا صغارا، على زمن الاردن أو زمن السنوات الاولى للاحتلال الاسرائيلي، كانت الحياة متواضعة، وكانت صنعة الكندرجي او مصلح الاحذية رائجة لان الناس كانوا يصلحون احذيتهم دوريا بدل شراء احذية جديدة مكلفة.

كان يأتي إلى بلدنا من وقت لآخر كندرجي "غريب" عن البلدة، وكان "يبسّط" بعدّته على الارض تحت شجرة السدرة الضخمة، ينصب سنديانه ويفرد ادواته على اليمين وعلى اليسار ويملأ فمه بالمسامير ويبدأ باصلاح الكنادر "المهلهل بعضها".

كنّا نجلس إلى جانبه ونحن في غاية الدهشة كيف يستطيع أن يملأ فمه بالمسامير ويبدأ باخراجها واحدا تلو الآخر ويدقّها في نعل الحذاء الذي قام لتوّه بتغييره وتجديده لتصبح الكندرة مرّة اخرى صالحة للاستعمال والمشي فيها واختراق وذرع طرقات القرية في معظمها حينذاك ترابية ووعرة.

الطريف والجميل في الامر بالنسبة لنا كاطفال صغار كيف كان رجال قريتنا، الذين لا يعرفون الرجل، يتسابقون لدعوته على الغداء او العشاء وحتى للمبت في بيوتهم كونه غريب ويسكن بعيدا عن القرية، وكانت "غزوته" لاصلاح كنادر البلدة تستغرق عدة ايام متواصلة.

ربما هي اخلاق الناس في الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي كانت تمتاز بالشهامة والكرم والبساطة والبعد عن الماديّات التي تصبغ ايّامنا الحاليّة هذه.

اجمل نكتة سمعتها عن الكنادر والصنادل كانت قبل سنوات، من فم وتأليف صديقي سالم، كانت ليلة دخلته في طولكرم وهو من عنبتا وكان طالبا في جامعة بير زيت. كان حمّام العريس سالم في بيت خاله، عادة عريقة جميلة، واتى الحلّاق خصّيصا لبيت خاله كي يحلق له ولاصحابه حسب العادات والتقاليد.

حاول سالم واصرّ عليّ أن احلق قبله، لكنني رفضت وتمنّعت، فحاول اقناعي بشتى الطرق، حتى قال لي:

-" يا رجل ارجوك ان تحلق فهذا الحلاق فريد من نوعه، انه حاصل على "جائزة الصندل الذهبي للحلاقة"!!!

فانفجرت بالضحك لكنني لم احلق،
 صديقي سالم هذا الذي كان طالبا حينذاك في جامعة بير زيت هو الآن بروفيسور محاضر في الجامعة نفسها، ولديه ابنة صبيّة من زواجه عرّفني عليها قبل فترة في محلٍ التقينا فيه مصادفة في مدينة بير زيت.

كاتب ودبلوماسي فلسطيني        

اخر الأخبار