زلزال بن سلمان ..ووهم تصفية القضية الفلسطينية

تابعنا على:   19:10 2023-09-26

سليم يونس الزريعي

أمد/ ما من شك في أن قرار محمد لن سلمان ولي العهد السعودي إقامة علاقات علنية رسمية واعتراف متبادل مع مشروع الحركة الصهيونية في فلسطين، هو زلزال بالمعنى الفكري والسياسي والأخلاقي، نتائجه ستتعدى اختراق الرئيس المصري محمد أنور السادات لجدار الوعي العربي الذي كان يرفض الوجود الصهيوني في فلسطين، كمشروع كولنيالي غربي على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية.


وفي المقارنة .. مع أن بعض دول النظام الرسمي العربي حينها كانت أدوات في دائرة النفوذ الأمريكي، إلا أنها مع ذلك ردت على تلك الخطوة بتعليق عضوية مصر في الجامعة العربية، لنجد أنفسنا بعد ستة وأربعين عاما أمام نظام عربي آخر لم يكن في أي يوم في عداء عملي مع الكيان الصهيوني يصطف إلى جانب الكيان الصهيوني ويتبنى مشروعه التوراتي المزعوم على حساب الحقوق الفلسطينية والعربية الثابتة في فلسطين والجولان السوري ومزارع شبعا وكفار شوبا اللبنانية.


ومع أن اختراق السادات الاستراتيجي شكل أول حجارة الدومينو التي تسقط في الحالة الرسمية العربية فيما يتعلق بمفهوم الصراع مع كيان الاحتلال، وهو السقوط الذي نحصد نتائجه الآن. إلا أن خطوة السعودية هي بمثابة زلزال سياسي وفكري ، للنتائج التي ستترتب على انحياز الرياض للعدو الصهيوني في معادلة الصراع مع الشعب الفلسطيني ، وهذه النتائج الكارثية لها علاقة بثقل السعودية الموضوعي كونها تحتضن الحرمين الشريفين، وكونه زلزالا، فذلك يعود إلى أن السعودية تمثل قوة ناعمة هائلة التأثير على العالم الإسلامي لمكانتها الدينية. من شأنها أن تلعب دورا في كي وعي العرب والمسلمين من خلال إضفاء التبرير الديني على سلوكها المعادي لحقوق الشعب الفلسطيني عبر تبنيها رسميا رواية الحركة الصهيونية والمسيحية الصهيونية والغرب الإمبريالي حول حق شتات أتباع الديانة اليهودية في فلسطين القدس والأقصى، أولى القبلتين وثالث الحرمين، وتصديق خرافات التوراة، عن عودة اليهود إلى فلسطين التي دحضها علماء آثار ومؤرخون يهود إسرائيليين، وهو التبني المعادي الذي ينفي حق الفلسطينيين في وطنهم.


وربما يثور سؤال لماذا التركيز على السعودية في حين أن دولا عربية وإسلامية قد أقامت علاقات مع كيان الاحتلال، ومنطق النفي للحقوق الفلسطينية يسري عليها كذلك؟ ومع أن أي علاقة مع كيان الاحتلال مرفوضة جملة وتفصيلا. إلا أننا نعيد توجيه السؤال بالشكل التالي: هل كانت مثلا الإمارات والبحرين والمغرب لتجرؤ على الإقدام على خطوة الاعتراف لو كانت السعودية لا تريد ذلك؟! وفي هذا تقول صحيفة معاريف الصهيونية إن محمد بن سلمان، لعب دورًا كبيرًا في تمهيد تطبيع العلاقات بين الإمارات و”إسرائيل”.


وسلوك محمد بن سلمان لا يمكن التعامل كتصرف معلق في الهواء، وإنما هو فعل واع ضمن سيرورة مواقف السعودية من الكيان التي بدأت معه علاقات سرية ، ثم علنية لاحقا بين مسؤولين سعوديين وآخرين صهاينة، وخاصة أولئك الذين شغلوا سابقًا مناصب رسمية، مثل رئيس الاستخبارات السابق الأمير تركي الفيصل، والمستشار السابق لرئيس الاستخبارات السعودية، أنور عشقي، في مؤتمر لمجلس العلاقات الخارجية (CFR) في واشنطن لمناقشة التهديد الإيراني. بالإضافة إلى تدخل ودعم بعض كبار الضباط السعوديين لمفاوضات السلام بين البحرين والسودان مع “إسرائيل”.


وأيضا إجراء موقع إيلاف السعودي مقابلة رئيس الأركان الإسرائيلي غادي ايزنكوت، وهي المرة الأولى التي تجرى فيها مقابلة ضابط إسرائيلي كبير من قبل وسائل الإعلام في المملكة، التي لا تربطها علاقات دبلوماسية مع “إسرائيل”. كما وافقت السعودية على السماح للطائرات التجارية الإسرائيلية بعبور أجوائها في طريقها إلى الإمارات.


لكن بالمعني الفكري والسياسي بدأت مؤشرات التحول في الموقف السعودي من القضية الفلسطينية مع مبادرة ولي العهد السعودي فهد بن عبد العزيز في العام 1981. التي شكلت الأساس في اتساع مساحة التبني التدريجي العلني للرواية الصهيونية حول فلسطين على حساب الرواية العربية الفلسطينية، الذي أصبح رسميا عند إطلاق الملك عبد الله بن عبد العزيز مبادرته للسلام، التي أقرها مؤتمر القمة العربية في بيروت في العام 2002، لتصبح المبادرة العربية للسلام.


وبسبب كل ذلك فإن الكيان الصهيوني يتعامل مع السعودية على أنها الجائزة الكبرى التي ستوفر له الأمن والسلام والرخاء فيما يسمى الشرق الأوسط الجديد، كونها تحتضن المقدسات الإسلامية وبثقلها المالي والمعنوي كأكبر دول الخليج الثرية ، والكيان من ثم يعول على حدوث صدمة إيجابية تفتح أمامه أبواب باقي الدول العربية، ودول العالم الإسلامي.


بل يكاد وزير خارجية كيان الاحتلال إيلي كوهين يبدأ في الاحتفال مبكرا بهذا الإنجاز فهو يثق أنه بعد هذا الاتفاق، ستحذو الدول الإسلامية الأخرى حذوها، مما سيعزز علاقات العالم العربي والإسلامي مع "إسرائيل".


فيما قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة إننا على أعتاب اتفاق سلام تاريخي بين "إسرائيل" والمملكة العربية السعودية ينهي الصراع الإسرائيلي العربي، وسيشجع المزيد من الدول العربية على تطبيع العلاقات مع "إسرائيل" ومثل هذا الاتفاق سيحقق المصالحة بين المسلمين واليهود" حسب زعمه.


بل إن هذا التطبيع مع السعودية حسب نتنياهو يفتح الطريق أمام "إسرائيل"، لمن تبقى في العالم العربي والإسلامي، ويشكل ضربة موجعة للقضية الفلسطينية، كما ويفتح الأبواب أمام استثمارات إسرائيلية هائلة في السعودية وفي المنطقة.


ويمكن القول أخيرا إن خطوة السعودية هي بالمعنى الجيوسياسي بمثابة زلزال ستكون له تبعاته السلبية جدا، خاصة في المشهد الفلسطيني الذي هو صاحب الكلمة الأخيرة في هذا الصراع مع المشروع الصهيوني منذ أكثر من قرن من الزمان، سواء كانت السعودية أو غيرها ، ذلك أن من سيقرر إن كان الصراع سينتهي أم لا، ليست سلطة رام صاحبة مشروع أوسلو ولكن القوى الفلسطينية الأخرى التي تملك من الإرادة والعزم ووضوح الرؤية وبحاضنتها الشعبية ما يجعل من وهم صفقة بن سلمان ونتنياهو تصفية القضية الفلسطينية أمرا بعيد المنال؟، بل وربما يشكل الرد الفلسطيني المقاوم عامل أساس في استعادة الشعوب المغلوبة على أمرها وعيها ومواجهة معسكر أعدائها في الداخل والخارج.


ويخطئ بن سلمان إذا توهم أن بإمكانه ونتنياهو وبايدن تصفية القضية الفلسطينية عبر رشى أو تقديم مكافآت إنسانية، لا تستجيب لحقه في التحرير والعودة كاملا غير منقوص.. على طريق التحرير الكامل.. والأيام بيننا ..

كلمات دلالية

اخر الأخبار