
قراءه في كتاب (الوطنية والمواطنة) تأليف أيمن عودة

ساجي خليل
أمد/ في السنوات القليلة الماضية تنامت على نحو متسارع في أوساط المجتمع اليهودي في إسرائيل النزعة العنصرية الفاشية والتي من أبرز تجلياتها صدور قانون كامينيتس الذي يكرس على أوسع نطاق سياسة هدم البيوت العربية في اسرائيل، وقانون القومية الذي يكرس سياسة الفصل العنصري والفاشية التي تهدف الى تهميش الهوية الوطنية للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل وإن أمكن محوها،والاستيلاء على أراضيه والتضييق عليه وإعاقة تطوره ونموه.
وهذا الأمر يضع المجتمع الفلسطيني في اسرائيل أمام تحد وجودي ينعكس على كافة مظاهر حياته ويتمثل في تلك الحالة المزدوجة التي يعيشها؛ فبالقدر الذي يسعى فيه هذا المجتمع الى الحفاظ على هويته الوطنية الفلسطينية وحماية مصالحه الجماعية وسماته الثقافية، وتظهير خصوصيته الإثنية كونه أقلية قومية داخل إسرائيل، فإنه يسعي بذات القدر للاندماج على أوسع نطاق في الحياة المدنية الاقتصادية والاجتماعية في اسرائيل. وتحقيق المساواة التامةلأفراده في الحقوق التي يتمتع بها المواطنون اليهود.
ان هذا التحدي المزدوج بين السعي للاندماج في الحياة المدنية وفي نفس الوقت الحرص على حماية الخصوصية القومية وعدم الذوبان فيما يسمى حالة الأسرلة. هو ما يحاول هذا الكتاب معالجته.
ولعل من الضروري الإشارة الى أهمية التوقيت الذي صدر فيه هذا الكتاب حيث تشتد محاولات القوى اليمينية الفاشية في إسرائيل حسم الصراع مع الحركة الوطنية الفلسطينية وإلحاق الهزيمة بها ،وهذا يشمل بالطبع محاولة إضعاف وتفكيك المجتمع الفلسطيني في إسرائيل من جهه وفرض الاستسلام على المجتمع الفلسطيني وعلى الحركة الوطنية الفلسطينية ومنظمة التحرير في المناطق المحتلة والشتات من جهة أخرى . هذا في الوقت الذي يواصل فيه الشعب الفلسطيني كفاحه البطولي مبدياً أروع مظاهر الصمود والبسالةفي الدفاع عن حقه في الحرية وفي تقرير المصير والتخلص من الاحتلال واقامة دولته الوطنية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية.
قراءة في الكتاب
الكتاب، الذي وُضع له عنوان فرعي (رؤيا لتجديد المشروع السياسي للفلسطينيين في إسرائيل) يتضمن إضاءات مميزة حول التحديات التي تجابه المجتمع الفلسطيني في إسرائيل من الناحيتين الوطنيةوالمدنية. وعلى امتداد صفحاته يقدم الكتاب العديد من المقترحات الجوهرية للنهوض بالحالة التي يعيشها هذا المجتمع والمهمات المركزية المطلوبة التي تكفل تحقيق هذا النهوض.
ومن الصفحات الأولى نكتشف ان الكتاب لا يخاطب فقط طبقة المثقفين والسياسيين المخضرمين في المجتمع الفلسطيني في إسرائيل ولكن أيضاً الجيل الجديد من الشباب والشابات والكوادر الذين يتلمسون طريقهم نحو المساهمة في تحمل مسؤوليتهم الوطنية والاجتماعية تجاه شعبهم ومجتمعهم الفلسطيني داخل إسرائيل.
في كافة فصول الكتاب يلتزم المؤلف بأسلوب مخاطبة القارئبصورة مباشرة وبلغة بسيطة لا تعقيد فيها ولا تكلف. مخاطبة تخلو من التنظير المصطنع ومن الإطالة التي لا داعي لها.وكأن المؤلف يتحدث للقارئ ويحكي له وليس مجرد يكتب له. ومن الطبيعي والحال كذلك ان يصبح التلقي من قبل القارىءفيه إنصات وتفهم، وفيه أيضاً حضور حي ومباشر وقدر وفير من المشاركة المتبادلة.
وبالإضافة الى الإجابات المحكمة التي يقدمها الكتاب على التساؤلات العديدة التي يثيرها الوضع المعقد والمركب للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل باحتمالاته المختلفة، فإنه يطرح أيضاً العديد من التساؤلات الجوهرية المفتوحة للنقاش والتي تحث القارئ على التفكير المعمق بالآفاق الرحبة التي يمكن للمجتمع الفلسطيني أن يصل اليها في المستقبل، ما يستدعي أوسع حوار جماهيري.
وابتعد الكتاب عن الغرق في التحليل النظري الذي يكتفي بوصف واقع المجتمع الفلسطيني في إسرائيل وما يعانيه من سلبيات، ونجح في تقديم مرتكزات رئيسية لبرنامج عملي مباشر للكفاح الوطني والديمقراطي لجمهور المواطنين الفلسطينيين وبالأخص للكوادر الشابة من الجيل الجديد.
ومن أهم ما ميز الكتاب هو خوضه بشكل مباشر في صلب الجدال الذي يجري داخل المجتمع الفلسطيني في إسرائيل حول قضايا جوهرية مثل: أين تقع الأولوية في نضال المجتمع الفلسطيني لحماية مصالحه وهويته الوطنية كأقلية قومية: هل في البناء الذاتي للمجتمع الفلسطيني وتحصين هياكله ومؤسساته الوطنية الجامعة أم في بناء وتوسيع الشراكة مع المجتمع اليهودي والانفتاح على أوسع شرائحه وفئاته الديمقراطية والليبرالية. وخلص الى نتيجة واضحة تفيد ان الأولوية هي لكلا الأمرين: البناء الذاتي والشراكة العربية اليهودية.
وناقش الكتاب بوضوح وموضوعية فكرة انتخاب هيئة وطنية عامة (أو مجلس منتخب) كقيادة شاملة جديدة للمجتمع الفلسطيني في الداخل، دون إغفال المحاذير والمعيقات الواقعية التي تجابه إقامة مثل تلك الهيئة. ثم قدم استخلاصاً مباشراً حسم فيه الجدل حول هذا المسألة من خلال دعوته للحفاظ على (لجنة المتابعة العربية) والتي دعا للعمل على تطويرها باعتبارها هي الهيئة المتاحة والموجودة والتي نجحت عملياً وواقعياً في تكريس نفسها كقيادة معترف بها تمثل وتقود الجماهير العربية في إسرائيل.
ما يجنب المجتمع الفلسطيني الغرق في إشكاليات وتعقيدات إضافية لا داعي لها. كما قدم إستخلاصات عملية أخرى، من أبرزها دعوته لبناء المؤسسات والاتحادات المهنية والقطاعية المختلفة مثل اتحادات المعلمين والطلاب والمحامين والاطباء والفنانين.. الخ.
وفيما يتعلق بالشراكة العربية اليهودية كان الاستنتاج الذي قدمه الكتاب محقاً للغاية عندما اعتبر تلك الشراكة هي الممر الحصري لتحقيق مصالح الأقلية العربية في إسرائيل، وذلك على قاعدة مبدئي المساواة والسلام بين الشعبين. مؤكداً على أن بناء تلك الشراكة على اسس سليمة يتطلب الاجابة على عدد من التساؤلات الجوهرية مثل: (ما هو برنامج تلك الشراكة؟ما مدى جاهزية شرائح يهودية للانضمام لها؟ ما هو الوعاء التنظيمي لتلك الشراكة؟ … الخ).
وهذه التساؤلات تصلح بحق كقاعدة لجدول أعمال الحوار العربي اليهودي المنشود، والذي يمكن أن تبنى على اساسه تلك الشراكة، بما في ذلك تحديد الأسس والشروط لبرنامجها وتوجهاتها الرئيسية.
واستناداً للنهج العملي الواقعي الذي اعتمده المؤلف، تضمن الكتاب مقترحات ملموسة لبناء البرنامج السياسي والاجتماعي المدني لتلك الشراكة. برنامج يقوم على الدعوة إلى: (إنهاءالاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة؛ وتحقيق المساواة الفردية والجماعية للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل وتثبيت أسس الديموقراطية والعدالة الاجتماعية).
واستكمالاً للجانب البرنامجي الخاص بتلك الشراكة قدم الكتاب مقترحاً للإطار التنظيمي المناسب لبناء تلك الشراكة وذلك على قاعدة صيغة تحالفية قوامها بناء جبهة جديدة عربية يهودية واسعة ، كإطار شعبي غير برلماني ، وذلك كبديل أفضل من خيار السعي لتوسيع الاطار الراهن: (الجبهة الديموقراطية للسلام والمساواة).
ملاحظات نقدية
1- أكّد الكاتب في أكثر من موقع على حقيقة تبلور الهوية الوطنية العامة للشعب الفلسطيني، وعلى العلاقة العضوية التي توحد الشعب الفلسطيني في مختلف تجمعاته وأماكن تواجده (فيإسرائيل وفي المناطق المحتلة والشتات). ولكن فيما يخص الإطار التنظيمي الذي يسعى لتنسيق وتفعيل تلك العلاقة، فقد دعا الكاتب لاستحداث (مظلة فلسطينية جديدة لكل الفلسطينيين لتعزيز الانتماء الموحد لعموم شرائح وتجمعات الفلسطينيين. ص 113).
وهذه الدعوة، من وجهة نظري، فيها قدرٌ من المغالاة وعدم الواقعية، حيث يواجه مثل هذا لاقتراح العديد من العقبات والإشكاليات، كما أنه مربك ويشوش على صيغة الشراكة اليهودية العربية وعلى برنامج بناء الجبهة العربية اليهودية. فالحفاظ على صلات حيوية بين مكونات الشعب الفلسطيني في مختلف الساحات لا تقتضي بالضرورة تشكيل أطر وهياكل تنظيمية مستحدثة من شأنها أن تثير حفيظة الشركاء المباشرين المفترضين من الشرائح الليبرالية والتقدمية في المجتمع اليهودي.
ومن جانب آخر،فإنها تثير حساسيات إضافية لا ضرورة لها فيما يتعلق بقانونية انتخاب وتمثيل تجمعات ومجتمعات فلسطينية مثلاً في الأردن وفي إسرائيل ضمن هذا المؤتمر الوطني المقترح.
فصيغة وآلية التمثيل السياسي والمعنوي العام من خلال منظمة التحرير، رغم الحاجة لتطويرها وتصحيح الخلل الذي يكتنفها، لا تستدعي ضمن الظروف الراهنة إستحداثات تنظيمية اضافية أو بديلة. كما أن إقحام مثل هذا الموضوع على النقاش الداخلي وعلى الحوار الوطني الفلسطيني العام مسألة لا جدوى سياسية من ورائها؛ ناهيك عن السعي لأخذ موافقة منظمة التحرير على مشروع كهذا.
فمنظمة التحرير، كإطار سياسي ومعنوي يوحد عموم الشعب الفلسطيني ويمثّله، تكفي للتعبير عن الوحدة العامة للفلسطينيين.
أما الاشارة الى استحقاق وطني لإقامة مظلة فلسطينية جامعة أسماها الكتاب ( المؤتمر الوطني الفلسطيني) لتأكيد التكامل الوطني الوظيفي ، فمن الواضح أن الأوضاع الفلسطينية في عموم الساحات غير جاهزة له. ومن الأفضل والعملي في الوضع الراهن الاكتفاء بتعزيز التكامل في التوجهات والأهداف العامة لتجمعات الشعب الفلسطيني في الساحات الرئيسية مع الحفاظ على الحدود الدنيا من التنسيق فيما بينها.
2- وفيما يتعلق بالجانب الثقافي الوطني، رصد الكتاب وعالج عدداً من الظواهر والمفاهيم ذات الأبعاد الثقافية مثل: مفهوم الأسرلة/ مصطلح الأسير / الموقف من التراث /أزمة الثقة بالذات الجمعية/ النجاحات الفردية الشخصية مقابل القصور المجتمعي / ظاهرة التماهي مع القاهر / تنامي النزعة الاستهلاكية للمجتمع الفلسطيني في الداخل …. الخ.
ومن خلال مناقشة تلك المفاهيم والظواهر أبرز الكاتب الحاجة لبناء مشروع ثقافي وطني لتعزيز بنية المجتمع الفلسطيني في إسرائيل. وتطرق لبعض المكونات التي تصلح لبناء أسس ذلك المشروع الثقافي.
وأكّد على العديد من العناصر التي ُتعلي من شأن المبادئ الاساسية للثقافة الوطنية الجامعة وتستوعب العديد من القيم والتوجهات الثقافية الوطنية والإنسانية وتبرز المشترك والموحد فيها؛ على ان الكاتب لم يحدد على نحو واضح الهيكل والإطار العام لذلك المشروع الثقافي الوطني، رغم أنه أشار الى أنه سيقترح (المشروع الثقافي المرادف للسياسي والذي يشكل أفقاً للانتصار على السياسات المعادية، كما ورد في ص 144).
وقد نجح الكتاب في إبراز أهمية بناء الاطر التنظيمية للقطاعات ذات الصلة بالثقافة والتعليم والفن وغيرها (اتحادات الطلاب، الادباء والكتاب، الفنانين، المعلمين …. الخ).
3- والملاحظة الأخيرة التي لا بد من التوقف عندها هو إشارة الكاتب الى عدم وجود ثقافة واحدة تعبر عن المجتمع ككل. يقول الكتاب ص 143 "ليس هناك ثقافة واحدة تعبر عن المجتمع ككل.
وانما هناك ثقافة تعبر عن مصالح السلطة أو الفئات الحاكمة المتسلطة، وثقافة أخرى تعبر عن جماهير الشعب. بتعبير آخر فان الثقافة مبنىً ثقافياً وسياقاً سياسياً واجتماعياً بارزاً دون ان يتنافى هذا مع وجود ما يبدو كطابع ثقافي عام “.
ومن وجهة نظري فإن هذه مسألة تستدعي إعادة النظر والمراجعة: فهناك بالتأكيد ثقافة وطنية جامعة؛ وليس فقط ثقافة (تبدو كطابع عام).
وفي حالتنا الفلسطينية العامة وبشكل خاص في المجتمع الفلسطيني داخل إسرائيل، يوجد مشترك ثقافي موحد، مع الإقرار بوجود حاجة ماسة لتعزيز وتطوير ذلك المشترك. آخذين بالاعتبار طبعاً وجود التنوع والتعدد والتفرد داخل هذا المشترك. ومن المفهوم أن المشترك الثقافي الموحد ليس منتجاً نهائياً معلباً وجاهزاً بل هو مكون فكري وقيمي يتطور ويتغير باستمرار وهو بحاجة الى صياغة وبلورة دائمة. وهذا يتطلب بالتأكيد حواراً وجهداً وطنياً شاملاً.
على ان العناصر التي أوردها الكتاب بخصوص المشروع الثقافي الوطني تقدم قاعدة مناسبة لحوار غني ومعمق ينخرط فيه رواد الثقافة والتربية والفن والأدب والسياسة… الخ، بهدف بلورة المشروع الثقافي الوطني المنشود.
وأخيراً وبالإجمال، فإن هذا الكتاب يقدم إضافات غنية نوعية ومتميزة للتفكير السياسي والثقافي الفلسطيني، ويفتح آفاقاً واسعة لحوار بناء يستهدف بلورة المشروع السياسي الوطني والمدني للمجتمع الفلسطيني في إسرائيل، ويعزز الصلة العضوية بين كافة التجمعات الفلسطينية (في الداخل وفي المناطق الفلسطينية المحتلة وفي الشتات) في إطار وحدة الشعب الفلسطيني الراسخة.
كلمات دلالية
أخبار محلية

الديمقراطية تدعو «عقلاء» إسرائيل إلى إعادة قراءة مشروعهم الصهيوني ومستقبله
-
مجدلاني يرحب بموقف الصين لتسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي ويدعو للعمل المشترك لعقد مؤتمر دولي متعدد الأطراف لعملية السلام
-
الديمقراطية تدعو للتسريع في إدخال المساعدات لقطاع غزة
-
الألكسو: يجب التحرك العاجل لحماية الشعب الفلسطيني من آلة الاحتلال الغاشمة
-
"شمس": ما زالت الأمم المتحدة مستمرة في انتهاك ميثاقها