الإعلام أمانة وطنية وأخلاقية لذوي الاختصاص

تابعنا على:   14:22 2014-11-24

عباس الجمعه

اصبح الحديث عن أخلاقيات الإعلام وأساليب الضبط الذاتى للإعلاميين المعادل الموضوعى للحديث عن أهمية الإعلام ذاته وأدواره ومهامه فى المجتمع، وفى الوقت الذى يندفع فيه الكثيرون لإطلاق الآراء فى هذا الموضوع الهام فإن الإعلاميين أنفسهم مازالوا بعيدين عن الاهتمام بالموضوع الذى يمس ليس فقط حرية واستقلالية الإعلام ، وإنما يتعلق بمستقبل وحاضر مهنة الإعلامى ومؤسساتها التى ربما تتعرض لإشكاليات ومخاطر عديدة إذا لم يجتهد الإعلاميون فى صياغة علاقة صحية وصحيحة وابتداع آليات عمل متجددة تحقق الأهداف ،وتجسد مضامين المسؤولية الاجتماعية لوسائل الإعلام.

ان تأثير حرية الرأى والتعبير والإبداع والحق فى المشاركة السياسية والاجتماعية وحق الحصول على المعلومات تؤكد ، إن الإعلام قد حول العالم إلى قرية صغيرة، حيث وفرت وسائل الإتصال والإعلام الإليكترونية تواصلا إنسانيا عابرا للحدود السياسية والفواصل الجغرافية لتصل الرسالة الإعلامية إلى كل أرجاء المعمورة، وأصبح البشر اليوم بفعل وسائل الإعلام أشبه بمن يعيشون فى بيت واحد حث يتواصل أفراد البشرية وكأنهم فى اتصال مباشر ولم يعد تواصلهم يقف عند حد معرفة الأخبار أو تبادل الآراء أو عبر الاعتماد على وسيلة اتصال واحدة بل تحول إلى ممارسة السلوك الواحد .

ومن هنا نرى ان التطور النوعى فى أدوار الإعلام وتأثيره على الفرد والمجتمع مرتبطا بتحقق العديد من مرتكزات نظرية الاعتماد على وسائل الإعلام فقد شهدت الأعوام الثلاثون الماضية نجاح الصحفيين والإعلاميين عبر وسائل الاتصال السريعة والمتنوعة فى تلبية الاحتياجات الأساسية للجمهور ، حيث يزداد قوة يوما بعد يوم ارتباطا بمصداقية الوسيلة الإعلامية ودقتها وسرعتها ومهارة العاملين فيها من الإعلاميين على إبداع أساليب متنوعة والتأثير فى جمهورهم، وقد كان احترام وثقة الجمهور يقابله دائما المزيد من أعباء المسؤولية على الإعلاميين حتى يحتفظوا بارتباط الجمهور .

ان التنظيم الذاتى للإعلاميين هو الوسيلة الأفضل فى ظل تزايد احتياجات المجتمع لإعلام فاعل ومسؤول يجسد تطلعات الشعوب لحياة أفضل ،و للنهوض بالمجتمع ، حتى تشكل المقاربة قيمة مضافة، من خلال تطوير العمل في كل منابر عملنا ، وأن نسعى باستمرار من خلال قراءة نقدية لمساحة العمل، خاصة وأننا في أزمة، ونحن في سباق مع الزمن لنتجاوزها، وبالتالي، بهذا العقل التنويري نستطيع تجديد الصورة الصحيحة في ذهن الناس .

الاعلام له الدور الاكبر في تشكيل الرأي العام فمن الناحية الاجتماعية بالامكان محاربة الكثير من القيم والمفاهيم الخاطئة عن طريق بث مفاهيم جديدة، طبعا المسألة ليست سهلة بل تحتاج اعلاما واعيا ومتخصصا في ايصال رسالة الى المجتمع ووضع خريطة برامجية متكاملة خاصة بالشباب والثقافة والتنوير، كما يجب التركيز على الطبقات المهمشة التى يتم استغلالها أسوأ استغلال فى العمليات الإرهابية وغيرها، و تكون صيدا سهلا ، وعلى الإعلام عامة تشجيع روح الانتماء بالمساهمة فى عرض الإيجابيات التى تعطى بارقة أمل للشعب ،صحيح ان لكل وسيلة إعلام طريقتها في كيفية صياغة ونقل الحدث أو الخبر وفقاً لسياستها إن كانت تتبع جهة أو سلطة معينة أو فصيل او حزب سياسي ومن هذه الوسائل الإعلامية من تتبع الاستقلالية والحياد في منهجها الإعلامي وتقوم بنقل الخبر بشكل مستقل دون تحريفه أو إعادة صياغته دون الانحياز بالفكر أو لأي جهة مسؤولة.

لذلك نرى بعض الوسائل الإعلامية ومنها الفضائيات ووكالات الأنباء الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي تصيغ الخبر وتقوم بإجراء عملية تجميلية له وفقا لسياساتها حتى لو لزم الأمر أن تدس فيه السم الفكري, لذلك نقول الاعلام ليس كلمة .

ان الإعلام الفلسطيني أصبح اليوم اصبح اليوم بحاجة الى تطوير  في ظل الأحداث التي يمر بها الشعب الفلسطيني وقضيته الوطنية في ظل هذه المرحلة الصعبة والمتغيرات الإقليمية ، وخاصة أنه لا يخلو من زخم التراشق الإعلامي ، وقد شكل الانقسام الفلسطيني تربة خصبة له فأصبح الإعلام الحزبي هو المسيطر مما أدى إلى تكريس حالة الانقسام وتأزم الوضع ، حيث أصبح الإعلام هدف رئيسي للأطراف المتنازعة لخدمة مصالح كل طرف ، وهذا بمثابة خدمة مجانية غير مباشرة للاحتلال الإسرائيلي ،مما لا شك فيه ان الإعلام الفلسطيني تناسى دوره في القضية الكبرى وهي مواجهة الاحتلال الإسرائيلي, وهنا لن نبرئ الإعلام العربي الرسمي فهو أيضا منقسم على ذاته فهو يشكل الغطاء للخطاب السياسي الرسمي الذي تتبناه بعض الدول وفقاً لعلاقاتها مع كيان العدو على اختلاف العلاقات من دولة عربية لأخرى.

أعتقد أن الإعلام العربي أمانة وطنية وأخلاقية لذوي الاختصاص لما له من تأثير قوي وكبير في إبراز قضية الشعب الفلسطيني الذي يعاني من ويلات الاحتلال الإسرائيلي الغاشم وما تتعرض له مدينة القدس من ممارسات تهويدية عنصرية لتغيير معالمها العربية والإسلامية, فواجب الإعلام العربي هو فضح تلك الممارسات العدوانية أمام الرأي العام العالمي ومواجهة الإعلام الاحتلالي الصهيوني الذي يقوم بتصوير وتقديم الصراع العربي الصهيوني على أنه صراع في وجهات النظر وليس صراع وجود .

إن الإعلام الفلسطيني مازال يعاني من التبعيه، والإثارة وغياب السياسة الإعلامية، والعشوائية الارتجالية، والتلاعب بالألفاظ وعدم ترتيب الأولويات، والإنشائية فعلى سبيل المثال لم يطرح أي مشكلة تمس حياة الشعب ويتم حلها بحس وطني أو أدنى مسؤولية وإنما يتم إلقاء اللوم والمسؤولية ما بين الأطراف ذوي الهوية الواحدة.

إن الإعلام العربي بشكل عام والفلسطيني على وجه التحديد بحاجة إلى أن يعود إلى استقلاليته ومهمته المهنية وحصر مهمته الرئيسية والرسمية لتصب في خدمة شعبه وقضيته الوطنية وإعطاء ملف الأسرى في المعتقلات الصهيونية أولوية كبيرة وبشكل يومي ورئيسي في صفحاتهم وفضح ممارسات الاحتلال ضدهم , كما أن هناك تقصير إعلامي تجاه مقدساتنا العربية والإسلامية في القدس التي تتعرض للانتهاكات الإسرائيلية المتكررة والمنتظمة.

وامام كل ذلك نرى ما تقوم به بعض القنوات الفضائية ومواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي من نشر وقائع وترويج أفكار وخلق تصورات، ليس النموذج الأوحد لما يجب أن تقوم به وسائل الإعلام فى مواجهة الأزمات، لأن دور الإعلام يختلف وفقا لطبيعة المعركة، وأطرافها، كما يجب أن يكون التحرك سريعا فى مخاطبة الرأى العام، بضرورة الوقوف خلف المصلحة الوطنية ، لأننا فى ظروف استثنائية لاتحتمل التردد والانتظار ، وهنا أطالب ونحن فى ظروف صعبة  بأن يكون الإعلام على قلب رجل واحد فى محاربة الإرهاب بطرق ممنهجة ومدروسة، تستمر دون انقطاع وليس بالتغطية الوقتية للحدث فقط، يعتمد رصيده على المضمون الرصين والمادة المؤثرة، على نحو يمكن اعلام  من استشراف المستقبل وترتيب الأولويات، وهي من سمات الإعلام الذكي. 

ان الوجه الحقيقي لبعض القنوات الاخبارية انكشف من خلال تآمرها على الشعوب العربية وترويجها لاخبار القوى الاستعمارية والامبريالية والارهابية والهدف هو إعادة تقسيم المنطقة وتجزئتها إلى دويلات طائفية وعرقية متناحرة حتى يبقى كيان الاحتلال يستمر بحربه وعدوانه على الشعب الفلسطيني وليتم نهب الثروات العربية والموارد بشكل ممنهج من خلال تغطية اعلامية  تلعب دورا مساعدا في الهجمة الاستعمارية الارهابية التي تتعرض لها المنطقة، مع اختفاء وغياب الدور الحقيقي وعدم التزامها بالمهنية الإعلامية، من مصداقية وموضوعية في نقل الحقائق.

في ظل هذه الظروف نقول هناك مسؤولية تقع على عاتق وسائل الاعلام الفضائية والمكتوبة والمقرؤه والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي  الذين يمتلكون الحس الوطني والقومي ليكرسوا وسائلهم في خدمة القضية الفلسطينية وما تتعرض له وكذلك لمواجهة القوى الامبريالية والصهيونية والارهابية وفضح مشاريعها ، ومن اجل الانتصارُ لفكرة المقاومة الني تشكل رافداً للشارع العربي حتى يسترجع قوته من جديد وتخطيه للعديد من العراقيل باتجاه المشروع الأسمى فلسطين، لان تحرير فلسطين لن يكون إلا بتحرير العقل العربي وانبثاق وعي عربي مدرك لامتلاك  إسرائيل  الكثير من المكائد, لذلك يجب تحصين الدماغ العربي بقلاع فكرية من خلال انتصار قوى المقاومة في المنطقة كاخطوة اولى من خطوات تحرير فلسطين.

ومن هنا لا بد ان نحيي قنوات الميادين والمنار وفلسطين اليوم وعودة و ان بي ان وكافة القنوات الفضائية ووسائل الاعلام  والمواقع الالكترونية وصفحات التواصل الاجتماعي  التي تلعب دورا مركزياً بالدفاع عن القضية الفلسطينية وفي معركة الدفاع عن المنطقة ، وفضح أكاذيب الاعلام الغربي والمعادي الذي سخر له إمكانات ضخمة جداً من أجل استهداف سوريا ومصر واليمن والعراق وليبيا ويستهدف اليوم فلسطين والقدس ، مما يستدعي من وسائل الاعلام العمل لنقل معركة الوعي لأنها الطريق لصناعة الارادة التي تترجم فيما بعد بالأفعال , ونحن على ثقة بدور الاعلام في بلورة الوعي ومواكبة الأحداث بصورة تعزز إيمان الشعوب وثقتهم بقيادتهم وتصميمهم على انتزاع النصر .

ختاما : لا بد من القول ان مواجهة الارهاب الاسرائيلي الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني  ومواجهة الإرهاب التكفيري التي تتعرض له المنطقة، وهذا  لن يتم بإلقاء الرياحين و الورود بل يستدعي من وسائل الاعلام نقل الحدث والخبر بمصداقية عالية وبحيادية , وأظهاره للرأئ العام بالصوت الحقيقي عما يجري على الساحة العربية والعالمية، ويجب ألا نغفل التضحيات و الشهداء الإعلاميين ، وحتى يبقى الإعلام قوي ومتين ضد العدوان.

كاتب سياسي

اخر الأخبار