
السباحة في مياه البحر والتجديف في بحور الانترنت

منجد صالح
أمد/ عندما كنت فتى في السبعينيّات من القرن الماضي تسنّى لي أن أسبح في مياه بحر عكّا.
وأنا اسبح وأنظر إلى الشاطئ الصخري العالي وأتأمّل المناظر المُتعدّدة، تذكّرت "عيسى العوّام"، أحد قوّأد جيش صلاح الدين الايوبي.
كما قفز إلى ذهني اندحار نابليون بونابرت وجيشه عن أسوار عكّا أحمد باشا الجزّار.
يا إلهي كم هو عظيمٌ تاريخنا يزخر بالبطولات والوقائع. نابليون بونابرت اندحر أمام أسوار عكّا ومقاومة عكّا وبطولة أهل عكّا.
وكانت الهزيمة الكبيرة لجيش نابليون في ثلوج روسيا أمام مقاومة الروس وشعوب الاتحاد السوفييتي.
سبحت فيما بعد، بعد سنوات، في نهر النيل وسط القاهرة. كنت في زيارة أولى للقاهرة في أواسط السبعينيّات من القرن الماضي، ومن حبّي للسباحة نزلت في مياه النيل من فوق الصخور التي تحفّه.
كانت تجربة فريدة من نوعها، لكن وأنا في وسط مياه النيل تذكّرت التماسيح، فاسرعت "الخطى"، اقصد السباحة عائدا نحو الضفّة الصخريّة وأنا أدعو الله سبحانه وتعالى أن لا يمسك بي تمساح من رجلي.
وصلت بسلامٍ إلى الضفة البعيدة المقابلة للعمارات والفنادق الشاهقة، وحمدت الله على السلامة.
في هذه الايام لا بحر عكّا مُتاح ولا النيل قريب المراح، لهذا اصبحنا نُجدّف في "بحور الانترنت"!!!! بلا مياه مالحة ولا مياه فُرات، صباحا مساء وفي كلّ الاوقات!!! دون الحاجة إلى "مايوه سباحة"، لكن ربما "عُراة"!!!!
قبل فترة ليست طويلة دُعيت لالقاء محاضرة حول الكتابة الابداعيّة في مخيّم صيفي تُنظّمه مكتبة بلدية بيتونيا لطالبات المدرسة الثانويّة.
وصلت على الموعد المُحدّد كعادتي. استقبلتني السيدة الديناميكية آلاء القاضي، مديرة المكتبة. رحّبت بي، لكن استأذنتني الانتظار فليلا لان الصالة محجوزة: "هناك محاضرة أخرى لم تنته بعد"!!!
سألتها: "ايّة محاضرة؟؟"
فاجابتني: "محاضرة حول الانترنت يُلقيها ضابط من الشرطة الفلسطينيّة".
اثار فضولي عنوان المحاضرة "الانترنت"، ولكن ما حفّزني اكثر "للموضوع" هو أن ضابطا في الشرطة يُلقيها.
استأذنت ودخلت من باب قاعة المحاضرة المفتوح المُفضي إلى ضابط شرطة ببزّته العسكريّة الزرقاي المُنمّقة وعشرات الطالبات الجالسات بانتظام امامه يصغين بصمت وانتباه إلى كُنه ما يقوله.
جلست على مقعدٍ جانبي محاذٍ للباب وانصتّ باهتمام.
المحاضرة كانت تندرج في اطار مكافحة ما يُسمّى بالجرائم الالكترونية وكافة اشكال المشاكل والاشكاليّات والابتزازات التي يمكن ان تتعرّض لها البنات من اناس يستخدمون "مهاراتهم" في التجديف في بحر الانترنت للايقاع بايّ "سمكةٍ" من اي نوعٍ أو أيّ حجم!!!
الحقيقة انني استفدت كثيرا من المعلومات والتجارب التي "ضخّها" ضابط الشرطة في المحاضرة.
وفي حديث لي معه عبّرت عن سعادتي بان الشرطة الفلسطينية تهتم بهذا الموضوع الهام والحسّاس وان هناك وحدة متخضضة في هذا المجال في الشرطة الفلسطينيّة.
قلت في نفسي: "ما دام هناك مختصون يسهرون على حماية مياه بحور الانترنت من التماسيح، فان السباحة فيها تصبح اكثر امنا".
كاتب ودبلوماسي فلسطيني