ماذا يطبخ لغزة.. وما هو رأي الصهاينة؟!!

تابعنا على:   20:48 2023-06-02

صالح عوض

أمد/ عبر رحلة طويلة زحزح الفلسطينيون بالقوة والعنف والحيلة والخذلان عن هدفهم المنطقي والطبيعي والموضوعي – وطنهم فلسطين- الى دوائر الحديث عن اهداف جزئية كبعض فلسطين وبعض شعبها او مكتسبات هنا او هناك وقد تقلصت فلسطين الواحدة الى اقل من الخمس في الوعي والممارسة كما تفرغت من محتواها الحضاري كان واضحا ان العطب يتمدد داخل البنية الفكرية للطبقة السياسية التي تتصدى لمهمة قيادة كفاح الشعب الفلسطيني.. عطب يجد فرصته في التهام ما تبقى من خطاب سياسي وكأن الامر أصبح الان دعوة لحياة كيفما اتفق.. وهكذا يتضح ان العطب بلغ اقصى مدى ليختم مرحلة انهيار اخلاقي وسياسي بالغ القسوة.. في هذه الظروف الفلسطينية الصعبة يتم صياغة رؤية لتطويع الشعب الفلسطيني وتسكينه عبر اغراءات مادية ومعيشية المهم هنا رأي الصهاينة ماهي خطتهم لتحقيق اخراج الشعب الفلسطيني من المسرح؟
عناوين الطبخة المقترحة:
رغم ان التجارب اثبتت عدم صدقية الاحزاب الفلسطينية في انفاذ ما اتفقت عليه واشهدت على ذلك عواصم العرب بل ومكة المكرمة والكعبة المشرفة.. رغم ان التجارب تكشف لنا عن النوايا المبيتة تجاه المصالحات وتوحيد الصف الفلسطيني الا اننا كل مرة يتم تحريك الملف فيها يسرع البعض تفاؤلا وتتعدد الروايات والقصص الرغبائية وتهرول الاحلام و الاماني العريضة حول مطار وميناء ورفع حصار وتوظيف الاف المنتظرين وضخ مليارات الدولارات في صندوق التقاعد وامداد كهرباء غزة بما يوفر لها مستوى معقولا وتحسين أداء ضخ المياه المحلاة..
في هذه المرة انسحب السياسي وتقدم المعيشي والإداري وهذا هو الأهم بالنسبة لصناع الرأي العام وصناع الأمزجة والمواقف ان ينزاح الفلسطينيون من الحديث السياسي الى الحديث الإداري والمناصب والمواقع والإنفاق المالي.
لا يهمني هنا كثيرا التعرض لتفصيلات ما يتسرب من أفكار وبنود لاتفاقيات يبدو أنها اقتربت من الخروج الى حيز النور وذلك لأنه ليس مهما ذكر التفصيلات فهي قد سبق ان قيلت بشكل او اخر وهي كلها تدخل في إطار زحزحة الفلسطينيين عن طريقهم ومنطقهم ومهمتهم ليصبحوا كأنهم استعادوا الوطن ولم يتبق إلا تثبيت نظام سياسي بمواصفات معينة.. يبدو أن هناك تفاؤلات كبيرة بضخ مليارات دولارات الخليج وامريكا والاكثر ان امريكا تريد ان تغلق الملف وهي جاهزة للضغط على اسرائيل للوصول الى حل ما متفق عليه أما الدول العربية فهي مستعدة لتمويل العملية.. بمعنى ان هناك ظرف ممتاز لإنجاح هذه اللعبة الجديدة.. وهنا لابد من قراءة المواقف المحتملة التي تشكل في النهاية القرار الدولى ومن الجدير ذكره في البداية ان المواقف متحولة متغيرة ومن هنا لابد من تحديث المعلومات باستمرار والوقوف على آخر إنتاج العقل الآخر المعادي.
الضغط الأمريكي من اجل تسوية:
هنا نسأل بسرعة هل امريكا في وارد الضغط من اجل انفاذ خطة سلام؟ الاجابة تقول غير صحيح ان يكون الموقف في اتجاه المساواة والعدالة أو في عكسها اذ ان شيء اخر يتحكم في المواقف انه غير الاخلاق.. ومن هنا نجد انه من العبث أن نتحدث عن قضية فلسطين دون رؤية متأنية عميقة للوضع الدولي والإقليمي فهذا الكلام في هذا المجال ليس ترفا بل شرطا لفهم ما يجري في فلسطين وعليها وذلك لان إضاعة فلسطين وسلخها من الجغرافيا والتاريخ مهمة إستراتيجية للمشروع الاستعماري الذي رفع شعارا" ارض بلا شعب لشعب بلا ارض" وتحت بصر الحكومات الغربية وبتبريكات منها قامت العصابات الصهيونية بارتكاب اخطر مجزرة في حق الإنسان في القرن العشرين ولازالت بترحيل90 بالمائة من سكان القرى والمدن والبوادي الفلسطينية تلقي بهم على وقع المجازر الى مخيمات اللجوء..
لم تكن العملية الاستعمارية لفلسطين إلا حلقة إستراتيجية أساسية لتحقيق أهداف المشروع الاستعماري في الوطن العربي لإحباط مشروعه الحضاري وإمكانات نهضته ومقاومته لعمليات الاستحواذ.. ولان المشروع الاستعماري هو الذراع الطولى للإمبراطورية الاستعمارية فان انجازه هدف وغاية لا يمكن ان يتنازل عنه الاستعماريون.
لهذا ولسواه لابد ان نستحضر الموقف الأمريكي والغربي من قضية فلسطين كلما حاولنا فهم ما يجري في يوميات فلسطين والصراع فيها وعليها.. وكل من حاول فهم ما نعيشه دون استحضار ما يجري في العالم بين القوى الدولية وفيها إنما هو كمن يسير في ظلام دامس لا يعرف من أين ستأتيه الضربات.
من هنا لا نتردد في القول ان امريكا في حالة انشغال بقضية وجودية لا تؤهلها للقيام بادوار الضغط على الدول العربية ولا فرض تسوية في القضية الفلسطينية فان الازمة الاوكرانية تشهد جولات عديدة من الاستنزاف للموقف الامريكي الذي عاد الان حالة منخرطة في مهمة كبرى انها منع الروس من تقاسم القرار الدولي معهم ومن هنا فان اوكرانيا اصبحت اهم استراتيجيا على الاقل في المدى المنظور من أي موقع استراتيجي اخر ..
الدور الامريكي في هذه الفترة محدود جدا بخصوص القضية الفلسطينية وهي ليست في وارد بذل الجهد للوصول الى صيغة تسوية هذا ما اكده بايدن في اول ايام استلامه للسلطة.
الموقف العربي:
واضح ان هناك محاولة من قبل النظام العربي لالتقاط الانفاس والتحرك في هامش ما يمكن ان يسمح له في ظل انشغال السيد الامريكي.. وتظهر هذه الاشارات في المصالحات في الاقليم بين المملكة السعودية وايران وكذلك جهود المملكة في اعادة النظام السوري الى جامعة الدول العربية .. ومحاولة السعودية لبيع نفطها بالعملة الصينية ورفضها زيادة الضخ كما ارادت الادارة الامريكية
كما انه يتكرر الكلام عن محاولة كثير من الدول العربية على التعاون الوثيق مع روسيا في قضايا التسليح الاستراتيجي الامر الذي يعني ان هناك محاولة للخروج من الحصار الامريكي في ملف التسلح.
لكن هل تملك الدول العربية أي رؤية للموضوع الفلسطيني؟ يبدو ان هذا السؤال المتكرر لا يجد اجابة عملية مبرمجة.. فبعد ان تقدم النظام العربي بمبادرته للسلام لم يبد أي خطوة عملية ولم يقدم بديلا ضمن مبادرته فيما لو رفضت اسرائيل وظلت المبادرة العربية كما قال شارون لا تساوي ثمن الحبر الذي كتبت بها.
لقد كانت المبادرة العربية هدية مجانية لاسرائيل حيث اعترفت الدول العربية بالجملة بل والاسلامية جميعا بلا استثناء باسرائيل والتنازل عن 80 بالمائة من ارض فلسطين وطالبوها ان تسلم اراض احتلتها في 1976 ليكون مقابل ذلك تطبيع شامل من قبل الدول العربية والاسلامية.. ولم يحاول احد الاجابة عن سؤال ماذا لو رفضت اسرائيل؟
لهذا فان أي كلام من قبل الرسمية العربية عن جهود من اجل الضغط على الامريكان والاسرائيليين ليس واردا وكل ما يمكن تناوله الان على افضل احتمالاته يسير في سبيل تحسين ظروف المعيشة كما تفعل دولة قطر في المنحة القطرية.
الموقف الفلسطيني:
لايوجد موقف فلسطيني موحد فهو ينقسم الى ثلاثة اقسام موقف السلطة المتماهية في انتظار تحريك سياسي من قبل الامريكان لبدء مفاوضات وهي مشغولة الان بملفات عديدة ليس اقلها ملف التوريث لسلطة تعاني في كل المجالات، وموقف حركة الجهاد التي ترفض التسوية وتداعياتها وتصر على ثابت موقفها من فلسطين الواحدة ولكنها وجدت نفسها في المعركة الاخيرة وحدها وقد دفعت اثمانا باهضة لا تستطيع ان تعيد الاشتباك وحدها، موقف حماس المثقلة باعباء حكم ذاتي محاصر وبتلويح بانقطاع بعض المصادر المالية كالمنحة القطرية وهي تبحث عن صياغات لفك الحصار وفرض الهدنة في شروط مقبولة .. وهكذا لا نجد في الموقف الفلسطيني أي اشارة لعمل ايجابي في اتجاه فلسطين أي لا يوجد جهد يخدم رؤية سياسية تجاه القضية الفلسطينية فضلا عن تكرس الانقسام وتركز فئات ذات مصلحة مادية منفعية في استمرار الانقسام.
الموقف الاسرائيلي:
اعتقد انه هو الموقف صاحب الاثر الفاعل في المشهد وان كل ما سيقال دون التوافق معه لن يكون سوى حبر على ورق.. فماهو حقيقة الموقف الاسرائيلي؟
تعاني اسرائيل من جملة تحديات داخلية تتجه نحو اعادة صياغة طبيعة الدولة حيث تتقلص قوى اليسار والعلمانية لصالح قوى اليمين والتطرف الصهيوني.. وتراقب اسرائيل الوضع الدولي بدقة وهي تدرك ان الاهتمام الامريكي والاوربي نشط وفتي في الملف الاوكراني وتدرك اسرائيل ايضا ان الملف الاوكراني اهم بكثير من الملف الاسرائيلي لدى الامريكان والاوربيين.. فالمعركة هنا هي من باب الحفاظ على الوظيفة الاستراتيجية في قلب العرب ولكن المعركة هناك من باب الحفاظ على الوجود الاستراتيجي في موقع التفرد بقيادة العالم.. وفي ظل هذين المعاملين ترى اسرائيل اهمية التوسع في القوة وتصاب بسعار الاستيطان وابتلاع الضفة الغربية وعزل مدنها وجعل الطرق الالتفافية امرا واقعا موسعا ليشكل شبكة تواصل طبيعي بين المستوطنات التي تجد نشاطا في التوسع والتمدد والاضافة ولا يستثنى من هذه الخطة القدس الشريف حيث يكون التهويد وصل تحت المسجد الاقصى والاقتحامات بلغت ذروتها للمسجد الاقصى في محاولة لفرض التقاسم الزماني والمكاني.
اسرائيل تريد الانتهاء من وجود خنجر غزة الذي يؤذيها من حين الى اخر وهي تسعى الان من خلال المناورات الاستثنائية في تاريخها ان تهيء المناخ لضربات عنيفة لغزة لكي تستطيع أي خطة لتحسين المعيشة ان تنجح، فلا يمكن لاسرائيل ان تقبل أي خطة لتحسين شروط المعيشة لغزة فيما تكون حماس تمتلك سلاحها وقوتها التي يمكن ان تمثل في لحظة ما تهديدا للامن الاسرائيلي..
اسرائيل مع أي خطة لتحسين المعيشة وذلك ليس لتعزيز قوة الصمود والمقاومة لدى الشعب الفلسطيني انما لصرفه عن ميدان النضال والكفاح ولقد جربت اسرائيل ذلك كثيرا..
لهذا فان أي حديث عن تحسين المعيشة اليوم انما هو يفتقر الى الجملة الاهم وهي ان ذلك لن يتم الا بعد اجتياح غزة وتدمير قوى الفصائل الفلسطينية بتوجيه ضربات عنيفة لها وعلى ارضية التهشيم المخطط لها يتم اجتياح غزة من قبل عدة اجهزة امنية عربية لتهيء غزة لمرحلة جديدة.. مرحلة اجتماعية امنية دون أي عنوان سياسي في ظل سلطة لاتملك من امرها شيئا.
أي صيغة لتحسين المعيشة تحمل في داخلها الاخطر والاكثر عملية وهو تكسير العظم في قطاع غزة.. ولن تقبل اسرائيل دون ذلك وليس مستحسن لدى النظام العربي الا ذلك.

كلمات دلالية

اخر الأخبار