مفهوم الردع والقوة المتوازنة للمقاومة الفلسطينية

تابعنا على:   13:33 2023-05-10

د. سامي محمد الأخرس

أمد/ مارست المقاومة الفلسطينية عبر عصر الثورة المعاصرة سياسة العمل الخارجي المشفوعة بالعمل المقاتل الداخلي في الساحة الفلسطينية، فحققت اختراقات كبيرة في موازين القوة الصهيونية، وفرضت العديد من التوازنات، أهمها تهيئة الشعب الفلسطيني للانتفاض والانقضاض على المحتل في كل الجبهات، فما كان من الثورة الفلسطينية إلا أن أحكمت قبضتها على مسارات السيطرة في العديد من الجبهات والساحات المتوفرة.

فرض وديع حداد وأحمد سلامة وعمر القاسم والعشرات من قيادة العمل الفدائي الخارجي معادلة المظلومية التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، واستطاعت أن تفرض على المحتل والعالم قوانين حادة وقوية لكيفية التعامل مع الفلسطيني عامة والمقاتل الفلسطيني خاصة، فقد استطاع وديع حداد أن يحرر ليلى خالد من سجون أوروبا، وأن يفرض قوانين المعادلة الفلسطينية القوية الشرسة التي تؤمن أن المقاومة هي حق مشروع للشعب الفلسطيني في ملاحقة العدو في كل مكان. كما فرضت معادلة الساحات الأخرى فروض طوعت كل الأنظمة في المنطقة لخدمة المقاتل الفلسطيني وليس العكس الذي نراه اليوم التطبيع والتقارب مع دولة الكيان على حساب القضية الفلسطينية، والشعب الفلسطيني، ولم يعد للقرار الفلسطيني أي استقلالية في العمل النضالي بل أصبح أكثر احتضان وتوجيه من قوى عربية واقليمية تتحكم في مؤشر الفعل الفلسطيني عندما تحولت البوصلة المقاتلة، لبوصلة كلاسيكية تقليدية تخضع لتوازنات المصالح الحزبية، ومفاهيم التنافس في سوق الاستقطاب الحزبي المسيس الذي يجيش كل قدراته وامكانياته من أجل مصلحة الحزب أولًا، ومصلحة الحاضن او المحتوي ثانيًا، وهذه المعادلة المستحدثة في الواقع الفلسطيني فرضتها عدة متغيرات منها:

أولًا: اعلان المبادئ أوسلو الذي غير من الفهم الصراعي لمفهوم الصراع مع المحتل، وأحدث تغيير جوهري في الوعي النضالي الفلسطيني لصالح العدو الصهيوني، وقوى التهادن العربية (التطبيعية).

ثانيًا: تجسيد وترسيخ مفهوم الصراع على السلطة بين فصائل الفعل الفلسطيني، وتحول الأهداف والإستراتيجيات والتكتيك الفصائلي من مفهوم تضحوي من أجل القضية لمفهوم جني الثمار لأجل البعض المتنفذ والحزب في صراعه على السلطة، ومكتسبات السلطة والنموذج الحالي ترجمة فاعل وناجزة لذلك.

ثالثًا: التغيير المفاهيمي في وعي الأحزاب المقاتلة الفلسطينية في ممارسة النضال واستحداث الأساليب النضالية التي اقتصرت في هذه الحقبة على ثقافة من تسلقوا المناصب الحزبية والقيادية، إلى أساليب الخلايا الإلكترونية، والبيانات الصحفية، وأساليب الشجب والإدانة، والتهديد والوعيد، دون فعل حقيقي أو محاولة تفعيل منظومة قتالية مؤثرة.

رابعًا: التحول الجوهري في مفهوم الردع الفلسطيني الذي كان يستند في الماضي على العمل الفدائي المتاح والممكن من عمليات خارجية، عمليات استشهادية، عمليات في قلب الكيان مؤثرة، نضال شعبي شبه عسكري إلى مفهوم تقليدي كلاسيكي اقتصر فقط على حدود ومفهوم جغرافيا حزيران 1967 بعمليات فردية غير مؤثرة في منظومة الأمن المجتمعي الصهيوني، وصواريخ تطلق من غزة تنفض غبار المعارك، وتحافظ على صوت جهوري حزبي.

بناء على هذه المتغيرات والبعض الأخر من المتحولات وجد العدو مساحات شاسعة لممارسة عمليات القتل اليومية ضد كل ما هو فلسطيني، واستباحة المحظورات الفلسطينية، والتغول في الدم الفلسطيني وهو يدرك الرد وطبيعة الرد التي لن تخرج عن السياق التقليدي، وتأمين جبهته المجتمعية بحد أدنى من الخسائر البشرية والاقتصادية والسياسية.

من هنا فإن منظومة الفهم والوعي الفلسطيني المقاتل قد اصابها عطب كبير اخترق حدود مراكز التحكم في توجيه الفعل الفلسطيني المقاتل إلى فعل يخترق منظومة المجتمع الصهيوني، والمؤسسة الأمنية الصهيونية والسياسية ويعيد فرض معادلات أخرى على ممارسات العدو الصهيوني، الذي أصبح يرتكب جرائمه بكل وقاحة وحرية.

فما المطلوب فلسطينيًا؟!

المطلوب فلسطينيًا إعادة التفكير الفاعل في بممارسة المقاومة والفعل النضالي بشكل جوهري على كافة الصعد الفصائلية والمجتمعية والشعبية، ومحاولة ابتكار أساليب جديدة في الفعل المؤلم للعدو الصهيوني، ومن ثم إعادة الاعتبار للهوية الفلسطينية الممزقة بفعل وطأة الصراع على السلطة والمكتسبات السلطوية، ومن ثم إعادة الاعتبار للقوى والفصائل القتالية ونفض غبار السكون والصمت المُلفح بالصراخ في فضاء فارغ، وإعادة تفعيل الصوت الجهوري القتالي الذي أحيل للتقاعد تحت وطأة أكذوبة المتغيرات في المراحل، وأساليب المراحل وأدواتها.

كلمات دلالية

اخر الأخبار