سياسة "عيش يا كديش.." الجديدة!

تابعنا على:   09:16 2014-11-09

كتب حسن عصفور/ عندما حاول وزير الخارجية الأميركية الشهر هنري كيسنجر تمرير أول عملية اختراق في وحدة الموقف العربي تجاه دولة الكيان، لجأ لاختراع سياسي جديد اسماه سياسة "الخطوة خطوة"، وتمكن من تحقيق ما أراد وكسر "جدار النصر العربي" الأبرز ضد دولة الكيان بعد حرب أكتوبر عام 1973، وذهب الرئيس المصري الراحل أنور السادات للتفاوض منفردا مع تل أبيب، نتيجة الكمين الأميركي تحت مبدأ كيسنجر "الخطوة خطوة"، وبعيدا عن اعادة مصر لأرضها كاملة التي احتلت بعد الحرب العدوانية عام 1967، لكنها وقعت في أول عزلة سياسية مع محيطها العربي، وشيد حولها ما يمكن وصفه بـ"جدار العزل السياسي"، في سابقة تاريخية في الوطن العربي..

المبدأ الكيسنجري، عمليا اصبح سمة للتعامل السياسي، واقعيا، مع غالبية الدول المحيطة بدولة الكيان، ولكن كل بطريقته الخاصة، رغم التوافق الدولي على مؤتمر مدريد "الجماعي" شكلا، الا انه ذهب لاحقا لتنفيذ سياسية كيسنجر "الخطوة خطوة"..

وبعد سنوات من الاعتقاد أن تلك السياسة ذهبت ادراجها، ولم تعد جزءا من المشهد السياسي العام، تخرج علينا "القيادة الفلسطينية" مجددا وتعلن عودتها لتلك السياسة الحمقاء، سياسة الخطوة خطوة الكيسنجرية، عندما أعلن الرئيس محمود عباس يوم السبت 8 نوفمبر عام 2014، وفي افتتاح اجتماع القيادة أنه سيقوم بتنفيذ الرد الفلسطيني بعد الانتهاء من مجلس الأمن، والذي يعلم كل العلم أنه فاشل بامتياز، وأن المسألة من ألفها الى يائها ليس سوى مضيعة لوقت فلسطين وهبة زمنية للإدارة الأميركية، أعلن أنه  بعد الفشل المحتم سيبدأ رحلة  تنفيذ الرد الفلسطيني "خطوة خطوة"، دون زمن أو برنامج وقتي محدد ومعلوم..!

والحقيقة،  أن ذلك ليس سوى اعادة انتاج لرحلة من "التيه السياسي" الذي لا يمكن أن يكون "ردا حقيقيا وكفاحيا"، في لحظة أن دولة الاحتلال تسارع الزمن لتمرير مشروعها الاستيطاني – التهويدي، من جهة ، وكسر حائط الصد الفلسطيني الكفاحي من جهة أخرى، وتعمل بكل السبل على رفع "جدار الفصل - الانفصال  بين الضفة والقطاع، وبين الضفة والقدس ، وبين الضفة والضفة"، وبين "الوطن" و"بقايا الوطن"..

سياسة الفعل الشامل الاحتلالية، هي الأخطر على الوجودية الفلسطينية، خاصة في القدس المحتلة، حيث تتسارع حركة "التهويد" بشكل مجنون، وكأنها قطار فائق السرعة، رغم أنها واجهت بعض من مطبات صغيرة جدا، لكنها لم تكن كافية لفرملة "قطار التهويد" ثم "التدنيس" للحرم القدسي الشريف، وصلت أحذيتهم منبر صلاح الدين، وكان لخطوة كهذه فقط أن تحرق الأخضر واليابس في زمن غير الزمن، وليت البعض "الحكيم" يتذكر كيف انطلقت شرارة المواجهة عام 2000 بعدما حاول الفاشي الراحل شارون أن يذهب لساحة المسجد وليس لداخله..

سياسة "الخطوة خطوة"  التي ستلجأ لها القيادة الفلسطينية تعني عمليا منح كل الزمن لدولة الكيان لتمرير مشروعها، وأن تلك السياسة ليست سوى هروبا مكشوفا من رحلة "المواجهة المطلوبة"، وتفضح أن "الرد الشامل" وانفجار الأوضاع لو فعلت حكومة نتنياهو كذا وكذا، ليس سوى حربا لغوية وهروبا من المواجهة..

الأخطر السياسي الذي لم تلحظه القيادة الفلسطينية وهي تعيد "عظام مبدأ كيسنجر بعد أن باتت رميما"، أنها ترسل رسالة الى قادة الطغمة الفاشية الحاكمة في دولة الكيان، ان رسائل التهديد والوعيد ضد الرئيس عباس والسلطة وصلت، وتم الأخذ بها ب"حكمة وتعقل"، اي ان التهديد حصد فعلا ما زرع..

وقبل كل ذلك، ماذا يعني ذلك المنهج الاتكالي الجديد – القديم، وكيف سيتم تنفيذه ومتى يمكن أن ينتهي، وفي أي زمن، وبالأصل هل ستكون هناك فرصة له فعلا في ظل نهج استجدائي، وفي غياب فعل المقاومة – المواجهة..

سيحاول البعض تبرير ذلك المنهج الانهزامي تحت يافطات عدة، من خلال استخدام بعض هجوم اليمين الارهابي على الرئيس عباس، وكان المعيار للفعل الوطني بات ميزانه الفاشية والارهابيين في دولة الكيان، وليس ميزان الرضا الشعبي الفلسطيني، ويتجاهل بعض "الحكماء الجدد" لتبرير الانهزامية، أن دولة الكيان لا تبحث عن "شريك فلسطيني" منذ أن اغتالت رئيس وزراءها اسحق رابين لأنه بحث عن "شريك فلسطيني" ووجده في ياسر عرفات، فتم تصفية "الشريكين" في زمنين بذات الاتهام "الشراكة من أجل السلام"..

ولا زالت صرخة يهود براك بعد دقائق من انتهاء قمة كمب ديفيد في يوليو 2000، بأن "عرفات لم يعد شريكا في السلام" المبدأ السائد، مهما فعل اي فلسطيني يعتقد انه "حكيم زمانه"..وليتذكر البعض منا ما يتناساه الناس من خطوات تم تقديمها وكلها تحمل سمات تنازلية عما كان..منذ مؤتمر انابوليس 2007 ومفاوضات اولمرت – ليفني مع عباس وقريع، ولاحقا عباس – نتنياهو ، وفريقيهما، ودائما النتيجة صفر للفلسطيني وارقام بلا حدود للاحتلالي..

والغريب في الأمر، انه تم أعلان العودة لسياسية "الخطوة خطوة مع دولة الكيان"، دون أن يعلن بالتوازي "سياسة الخطوة خطوة" تصعيدية ضد المحتل في أرض "بقايا الوطن"، أي رفد الحركة السياسية الكيسنجرية الجديدة، بحركة مواجهة شعبية تتوازى مع ما سيكون من حراك الخطوة خطوة دوليا، ربما لو تقدمت القيادة الحالية للشعب بذلك التزامن بين "الخطوة خطوة" و"الخطوة خطوة" لقلنا أن "الحكمة هبطت فعلا"، وبات لدى الشعب الفلسطيني مشروعا سياسية وآلية كفاحية يدا بيدا، وليس "مشروعا أكتعا" لا حول له ولا قوة..

مطلوب اعادة النظر فيما تم بحثه والعمل على تنفيذ المشروع الفلسطيني جملة وليس مفرقا، لو اريد خيرا للشعب والقضية، ودونها تأكدوا أنكم تشترون زمنا لادامة الاحتلال وتسارع مشروعه التهويدي..مهما حاول البعض البحث عن كلمات لتغطية "عوراتهم"!

ونظن أن لسان حال الشعب بعد سماع ذلك النبأ "التاريخي" سيكون اعادة ترديد المثل الشعبي "عيش يا كديش.."!

ملاحظة: وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي موغيريني تعهدت لاهل غزة أن لاحرب جديدة عليهم..مش مهم مدى قدرتها هي واتحادها على ذلك، لكن الأهم يا حاجه فديريكا أن تجدي مأوى لمن تم تشريدهم قبل الغرق احياء!

تنويه خاص: حسنا قررت قيادة فتح بغزة، ان تمضي في احياء ذكرى الزعيم رغم النذالة..لكن الخطر لا زال قائما لأن الفاعل النذل لا زال حيا وطليقا وقويا أيضا..راقبوا صفحات التواصل الاجتماعي تعرفون بعضا مما سيكون!

اخر الأخبار