الوطن العربي والدخول في دائرة المألوف

تابعنا على:   23:35 2014-11-05

د. إياد محمد جمال أبو الهنود

يواجه الوطن العربي تحديات وتهديدات كثيرة تستهدف غالبية أقطاره، وتعرضها لخطر التفكك والتقسيم، فمشاهد الصراعات الحادة على السلطة في سوريا، واليمن، والعراق، وليبيا، والسودان، والصومال، ولبنان، وفلسطين، والحديث العلني عن مؤامرات تحاك ضد دول بعينها مثل: مصر، والسعودية تهدف إلى تقسيمها إلى دويلات متنازعة ومتناحرة على ثرواتها، أصبح أمر مألوف لدى المواطن العربي.

وأصبح مألوفاً أيضاً، تنامي أدوار الجماعات المسلحة التي تهدد سيادة الدول، وتستدعي مواجهتها الدخول في تحالفات دولية تستنزف مقدرات الدول العربية، وتدخلها في أتون التبعية والاستعمار بأشكاله وصوره المختلفة، وفق نظريات صراع البقاء ــ يمكن للعدو أن يقاتل عدوه، ولكنه لا يقضي تماماً عليه، ولو فعل ذلك فأنه يفقد سبب وجوده ــ حيث مازالت القوى الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية تعمل وفق منطلقات تلك النظريات منذ أن قادت التحالف الدولي من أجل أنهاء الاحتلال العراقي للكويت.

والسياق الأخطر دخول القضية الفلسطينية في دائرة المألوف، بعدما كانت تمثل القضية المركزية للأمة العربية، وأحد المنطلقات الأولى التي توحدت من أجلها الأقطار العربية بهدف نصرتها، حيث يستغل الكيان العنصري الإسرائيلي المحتل للأراضي العربية والفلسطينية هذه المرحلة بكل تطوراتها وانشغالات الدول والشعوب العربية بما يتعرضون له من تحديات داخلية وخارجية، والقيام بممارسة أبشع صور الانتهاكات، والجرائم ضد الإنسانية، إلى حد إدخال دائرة المألوف مشاهد القتل اليومي، والتدمير، والتهجير، وتهويد القدس والمقدسات الإسلامية والمسيحية، وانتهاك حرية العبادة فيها بأفظع صورها في إغلاق المسجد الأقصى، ومنع المصلين من أداء فروضهم الدينية بداخله.

الدخول في دائرة المألوف إلى هذا الحد يدق ناقوس الخطر فوق رؤوسنا جميعاً دولاً وشعوب، والتسليم بهِ ينقلنا من دائرة المألوف إلى الدخول في دائرة الهلاك والفناء، فلا مستقبل لنا ولأوطاننا ولشعوبنا إن أستفحل فينا (مرض التسليم والاستحالة)، وسلمنا بهذا الواقع، ورأينا باستحالة قدراتنا على تغيره، وكذلك إذا استفحل فينا (مرض السهولة والتبسيط)، فبسطنا الأمور وسهلناها، وهي صعبة تحتاج إلى جهد، وتفكير، وتخطيط.

إن تلك التحديات الهائلة تقتضي ألا تنطوي الدول العربية على نفسها، وأن لا يستمر الحديث عن الاستقلالية والإعلاء من الهوية الوطنية القطرية على حساب الهوية العربية القومية، مع أن إعلاء الهوية الوطنية والقطرية أمر جيد، ويجب مراعاته وفق منطلقات واقعية نؤمن بها، فلكل بلد عربي خصوصيته الخاصة، ولكن يجب علينا أن لا نفرط بواقعيتنا إلى هذا الحد من الانطواء والانعزال على قضايانا الداخلية، ومعالجتها بعيداً عن التفكير الجماعي القومي التعاوني على أساس التكامل وتبادل التأثر والتأثير.

إن مفاهيم العمل الجماعي والتعاون في مواجهة التحديات أكثر نضجاً وتقدماً من الاستقلالية، وهو خيار لا يقدر عليه إلا الدول والشعوب المستقلة إن أردت أن تثبت استقلاليتها الوطنية، أما الذي تعود على التبعية فهو من النماذج التي تتكيف مع المحيط الذي هو فيه، ومع ما أصبح مألوف، يتأثر دون أن يؤثر، ولا يستطيع أن يختار ليصبح أكثر تعاون مع الأشقاء العرب في مواجهة التحديات، فالماء إذا صادف أمامه صخوراً ألتف حولها ولم يصدمها، فهو يتكيف مع البيئة، أما الإنسان الحر، والدول الحرة المستقلة هي التي تؤثر، ولا تتكيف مع التهديدات التي تهدد بقائها.

اخر الأخبار