مونديال قطر بعيون إسرائيلية

تابعنا على:   11:49 2022-12-19

فازع صوافطة

أمد/ تسعى إسرائيل منذ سنوات عديدة لتحسين صورتها وعلاقاتها مع الدول العربية بشكل عام، وزادت من اهتمامها في السنوات الأخيرة لتحسين علاقاتها مع دول الخليج بشكل خاص، وأثمرت الجهود التي بذلتها في هذا الإطار عن ما يسمى اتفاقية أبراهام التي كانت اختراقاً كبيراً في عملية التطبيع مع الدول العربية وهي (الإمارات، البحرين، والمغرب) حيث شهدت مصر توقيع هذه الاتفاقية التاريخية التي أصبحت تحولاً في الموقف العربي لهذه الدول من إسرائيل حيث أصبحت المصالح الخاصة بها فوق المصالح القومية التي كانت مسلمات في التعامل مع إسرائيل وأهمها حل القضية الفلسطينية.
لكن رياح التطبيع لا تسير وفق ما تشتهيه إسرائيل حيث أثبتت الوقائع على الأرض أن الأنظمة الحاكمة في الدول العربية بعيدةً عن نبض شعوبها وأن هذه الاتفاقيات ليست سوى بروتوكولات رسمية لتحقيق مصالح سياسية واقتصادية مشتركة في إطار محدد بعيداً عن نبض الشعوب وقناعاتها.
قد يكون مونديال قطر هو المقياس الأوضح للحكم على فاعلية التطبيع بين الشعوب من عدمه وقد برز نبض الشارع العربي رافض لإسرائيل بشكل واضح في سلوك الجماهير العربية التي كانت في احتكاك مباشر مع بعض الوفود الإسرائيلية التي حضرت إلى قطر للاستمتاع بهذا الحدث التاريخي لكنها وجدت نفسها منبوذة ومحاطةً بسور كبير من الكراهية والعداء فيما كانت فلسطين وقضيتها حاضرة وبقوة خلال فعاليات هذا المونديال الرياضي الذي عكس تضامناً واسعاً مع فلسطين وقضيتها.
الإعلام الإسرائيلي والمونديال
أسدل الستار مساء 18كانون الأول/ديسمبر2022، عن أفضل نسخة في بطولات كاس العالم بشهادة الكثير من الخبراء والمحللين الرياضيين والتي توج فيها منتخب الأرجنتين كبطل لمونديال قطر والذي برر التداخل فيه بين السياسة والرياضة بشكل واضح من خلال مونديال قطر وليس أدل على ذلك من الحملات الإعلامية التحريضية على قطر بإعلام بعض الدول الغربية وكذلك الإعلام الإسرائيلي ومحاولة التأثير سلباً على نجاح هذا الحدث الرياضي العالمي الذي تحتضنه دولة عربية لأول مرة في التاريخ.
بدأت ملامح تحريض الإعلام الإسرائيلي منذ انطلاق فعاليات المونديال وتفاوت بشكل كبير مع تحريض بعض الدول الغربية التي استهدفت القيم والدين والعادات والتقاليد في سابقة لم تحدث من قبل ضد أي من الدول التي استقبلت فعاليات كأس العالم، هذا التحريض الذي تجاوز الحدود إلى حد التدخل وانتقاد اللباس والحجاب الذي ترتديه المرأة القطرية ووصفه للباس المظلم الذي لا يظهر من المرأة سوى عينيها، هذا التحريض الذي يتناقض بشكل واضح مع قيم حرية الإنسان باختيار الفكر والرأي والدين والسلوك الذي يناسبه في الوقت الذي يبَرر فيه للمسلمين والشواذ حقهم في ممارسة قناعاتهم ونشر أفكارهم، غير التحريض على قطر لمنعها من رفع الإعلام الخاصة به بتعارض ذلك مع قيم الدين الاسلامي وقوانينه في دولة قطر.
طالت حملة التحريض أيضاً رئيس الاتحاد الدولي لكرة القدم جياني إنفانتينو الذي اتهمه الإعلام الإسرائيلي تلميحاً للفساد وقبول الرشوة بسبب دفاعه عن قطر وعن حقها في استضافة هذه البطولة، والجديد بالذكر أن الرئيس نفانتينو وصف هذا المونديال بأنه النسخة الأفضل على الإطلاق.
ظهر من خلال المتابعة لفعاليات أخبار المونديال في الإعلام الإسرائيلي، كان التركيز في وسائل الإعلام المتاحة لنا داخل السجون وتحديداً صحيفة يديعوت أحرونوت والقناة 13 العربية على إبراز الجوانب السلبية من وجهة نظر الإسرائيليين التي ذكرنا منها؛ النظرة إلى المرأة القطرية ولباسها، كما اشتملت التحريض ايضاً على تقليل تناول وبيع المشروبات الكحولية، وأنه لا طعم للمونديال بمنع وتقليل تناول هذه المشروبات، كما تحدثت عن انتهاك قطر لحقوق العمال وعن أعداد كبيرة من الموتى الذين قضوا أثناء عملهم في بناء الملاعب فلم يتوقف التحريض عن الوضع الداخلي من القيم التي تتعامل فيها قطر بل أمتد ليشمل البعد السياسي الإقليمي، واتهام قطر بأنها محطة يتم استخدامها لتجاوز العقوبات المفروضة على إيران مقابل مليارات الدولارات وأكثر من ذلك فقد وصفها الصحفي الإسرائيلي سبار فلوتهكر بأنها دولة مقرفة وذلك في مقال له في 3تشرين الثاني/نوفمبر2022.
أيضًا الصحفي الإسرائيلي ميخائيل ميلشتاين، فذكر في مقال له في صحيفة يديعوت، وفي نفس التاريخ بن الصورة الرئيسية التي ستبقى عالقة في الذاكرة الجماعية للإسرائيليين في من المونديال في قطر هي صورة المضايقات المستمرة التي يتعرض لها الصحفيين الإسرائيليين من قبل المشجعين الذين يلوحون بالأعلام الفلسطينية سواء كانوا فلسطينيين أو عرب، يبدو أنا أن هذا التحريض ضد قطر في الإعلام الإسرائيلي لا ينسجم مع حالة التطبيع السائدة بين المستويات الرسمية فقطر من الدول العربية التي تربطها علاقات سياسية واقتصادية بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة علاقات سياسية واقتصادية جيدة مع إسرائيل وللأخيرة مكتب تمثيل يدير هذه العلاقات، كما تلعب قطر دور الوسيط بين إسرائيل وفصائل المقاومة في غزة ولها دور كبير في الترتيبات القائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، لكن ما يقوم به الإعلام الإسرائيلي يعكس حالة النفاق في هذه العلاقة ويؤكد أن العلاقة قائمة على أساس بعض المصالح وليست لها أبعاد حقيقية في إطار التطبيع وتعزيز العلاقات بين الدولتين.
ختاماً يمكن القول إن فرصة اللقاء بين الإسرائيليين والعرب في مونديال قطر، أثبتت أن حالة الجمود والعداء ما زالت قائمة، وأن الرهان على المونديال كأداة لكسر الجليد في العلاقات لم يكن في مكانه، وأن الواقع بعيد عما يرسمه السياسيين من الطرفين في خطاباتهم ولقاءاتهم الرسمية بل فجوة عميقة وهي تأكيد على الحالة القائمة منذ عقود بين الإسرائيليين وبين كل من مصر والأردن التي جرى بينهم تشجيع على اتفاقيات السلام مع إسرائيل لكن هذه الاتفاقات ليست أكثر من حبر على ورق بالنسبة للشعوب.
مونديال قطر أوضح للإسرائيليين بشكل جيد أن المسافة ما زالت طويلة أمام جهود إنشاء شرق أوسط جديد وأن الاتفاقيات والتي كان آخرها اتفاق أبراهام ليست سوى اتفاقيات بين السياسيين والطبقات العليا بين الجانبين العربي والإسرائيلي وما لم يكن هناك حلول تلبي حاجات للشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على أرضه فسيبقى العداء كامن ومستشري في صفوف الشعوب العربية.
ذلك وتعكس موجة التحريض ضد قطر خلال فترة المونديال المزاج الإسرائيلي الرافض لأي نجاح عربي ولأي حضور عربي على المستوى العالمي وهذا التحريض لا يمكن إلا أن يكون للمؤسسة الرسمية الإسرائيلية دور في صناعته ونشره من خلال الإعلام الإسرائيلي.
أسير فلسطيني في السجون الإسرائيلية، وباحث في دراسات الشرق الأوسط، الجامعة العربية الأمريكية فلسطين.

اخر الأخبار