قراءة نقدية في-تلك اللحظات-للشاعر/الكاتب التونسي القدير د-طاهر مشي

تابعنا على:   21:23 2022-12-03

محمد المحسن

أمد/ إن أهم ما يلفت الانتباه،في قصة القاص ـد-طاهر مشي ـ المعنونة ب ـ تلك اللحظات ـ.أنها لا تشتمل على ذروة،وأنها مجرد عرض صور،ولا تربطها إلا فكرة عامة،وتتلخص في التعبير عن خواطر النفس .إ ضافة الى الاسراف في الذاتية.

والسؤال الذي يطرح نفسه: هل نجيز لأنفسنا إعتبار نصه القصصي بعيدا عن مواصفات القصة؟.

الجواب في كلتا الحالتين يحتاج الى تبرير؟. والى نقد مؤسس على ضوء التجارب المعمول بها في جنس القصة.لأنه من الظلم إصدار أحكام تفتقر الى أدلة في فن من فنون الأدب بدون سابق معرفة؟. وبعبارة أدق وأوضح.أن عملية النقد في القصة تحديدا تعتبر جد حساسة،بحكم تعدد مدارسها،وتنوع قواعدها الفنية.لذلك يتطلب منا دراسة عميقة لكل مدرسة من المدارس القصصية على حدة،حتى يتسنى لنا تصنيف النص أولا المراد قراءته لإ ستحضار مفاتيح القراءة.

لقد تطرقت الى ما تطرقت اليه للفت إ نتباه بعض الأقلام التي تحاول الخروج ببعض الانطباعات النقدية،في غير محلها عبر الملاحق الثقافية لكثير من الجرائد.وهذه بعض العينات: فبمجرد عدم احتواء النص على ذروة،أو إستعمال القاص لذاتيته في نصه،أو التعبير عن خواطره النفسية فإن ردود أفعالهم.اما رفض النص،او تصنيفه ضمن الخاطرة.وهذا غير مقبول في عرف جنس القصة؟.بل يعد تفتيت للبنية التحتية لحركيتنا الابداعية المشكلة من الأقلام الشابة.لذلك فان اختياري لنص ـ تلك اللحظات ـ كان عن قصد، ولسببين اثنين : لأنه عمل مميز،وظف به القاص تجربته الفنية الراقية.ولأثبت أن نص ــتلك اللحظات-به جميع مواصفات القصة الحديثة.

النص هو عبارة عن لوحة فنية أصبغها القاص بالمذهب السريالي،بحيث كل لفظ منها يحوي إشارات على شكل مستقيم وكل سطر منها يرغّب القارئ على تلذذ متعته،بتعطش ليثير فيه لاحقا حيرة التساؤل عن واقعه بدهشة لا نظير لها؟.

لنستمتع معا بهذه اللوحة الإبداعية الراقية :

تلك اللحظات

ضعي كل الورود التي أهديتها لك بين طيات الكتب،لعل عطرها يحيى الرفوف،ويَذْكُرُني الزمن،ذَات يَوم،ستجدينني هناك يا سيدتي،حيث تضعين حزمة الذكريات،فبين حين وحين أبصر ذاتي طائفة كالسراب،تتجول بين الأمس واليوم،لكنها ما تزال تعشق الترحال،فبين ذاك الزمن البعيد وهذا أشقاني الخيال،اندثرت تلك الرسوم التي نحتناها معا،في تلك الربوع حيث مرح بطفولتنا القدر،لكنني ما أزال بين اليوم والأمس أسير ونبضي أسير،ضعي ما بيديك وصافحي تلك الورود،فإن شذاها بفوح في كل ركن،

إنني أستمد وجودي من تلك اللحظات التي مضت....

طاهر مشي

يتبيَّن مدى حركيَّة وحيوية هاته القصة القصيرة جدا التي لا تخلو من ديناميَّة الأحداث.

تتميَّزُ القصة ببعض الخصائص الدلاليَّة،التي يمكن إجمالُها في خصائص الوَجد والعشق في ابهى تجلياته،وأيضا البعد السريالي كلها ميزاتٌ تُفصِحُ عن هذا التكامل الذي يثري القصة ويجعلها غنيَّة في دلالتها.

وكذا توجد خصائص شكلية؛كالقصر الشديد،والتكثيف،ووَحْدة الموضوع،والمشهدية،وأيضًا المفارقة،كلُّ هاته العوامل ساهمَتْ في جعل القصة زاخرةً بمؤهلات قَمِينَةٍ بأن تمثِّل هذا الجنس الأدبي بامتياز.

وبعدَ هذه القراءة في قصة قصيرة غنية على جميع مستوياتها،المنسوبةِ إلى القاصِّ الكبير/الشاعرد-طاهر مشي،لا يمكننا إلا أن نسلِّم له بالريادة في هذا المجال،وأن نتوقَّع مستقبلًا زاهرًا لهذا الجنس الأدبي على أيدي مبْدِعينَ من طينة "د-طاهر مشي".

اخر الأخبار