تغيّرت مستعجلاً أيها الفرح الضجري.. وأصبح سطح قلبي معبراً للمواجع..!

تابعنا على:   09:10 2022-11-03

محمد المحسن

أمد/ مشتاق إلى ذوات كثيرة وأشياء شتى..بي حنين عاصف إلى إبني،ذاك البرعم الباسق الذي انتهى قبرا واجما،زاده البياض حيادا.. أين منّي وجه –غسان- في مثل ليل كهذا..بسمته العذبة..بسمته الأصفى من الصفاء..عناقها لي حين يعتصرني الأسى..

أين منّي حضنه الدافئ وهو يهدهدني حين يصهل الخراب في داخلي..؟

لم أعرف اليتم يوم غاص أبي الرحيم إلى التراب..واليوم تشهد كائناتي وأشيائي بعد وفاة إبني أنّي اليتيم..شيخ تجاوز الستين بخمس عجاف..ولكنّي أحتاج إبني بكل ما في النّفس من شجن وحيرة وغضب عاصف..

أحتاجه لألعن في حضرة عينيه المفعمتين بالبهجة غلمانا أكلوا من جرابي وشربوا من كأسي واستظلّوا بظلّي عند لفح الهجير..لم أبخل عليهم بشيء وعلّمتهم الرماية والغواية والشدو البهي..

واليوم تحلّقوا في كل بؤرة وحضيض لينهشوا لحمي وحروف إسمي ..

آه يا-غسان-كيف سمحت لنفسي بتسليمك إلى التراب..؟

حنيني شائك ومتشعّب مثل حزني تماما،وكياني مكتظّ بالوجوه والذوات..

لكَم أتوق إلى عناق جارتي الفتاة تلك التي تركتني نورسا للعناق الوجيع..مازلت أذكر هودجها وقد مرّ بحذوي..أذكرها وهي تتهودج في غنج أمامي وقد عجز الشارع الفسيح على إحتضانها، أما عطرها فقد انتشر في خلايا جسدي،وأنا الكهل الموغل في الألم و الجالس أمام عتبات الرّوح في إنتظار الغروب العظيم..

أشتاق إليها الآن..أشتاق إلى عينيها السوداوين المفعمتين بالجمال..لقد ترنّحنا معا في حرائق الشتاء والصيف..

أين مني جسدان شرهان لشاب وفتاة..؟!

أين من رأسي المتصدّعة خلوّ الذهن من كل همّ و إزدحام القلب بوجه فاتنتي البريئة من كل دم..

أين منّي هودجها العظيم في شارع طارق بن زياد..

خساراتي فادحة أيّها الزمن اللعين..

خساراتي مؤلمة أيتها الدنيا اللئيمة..فقدت أبي ذات مساء قاتم..توارت أمّي خلف الغيوم..واختفت تلك التي آتتني من غربة الصحو،ألبستني وجعي ثم تلاشت في ازدحام الصباح..ثم خطف الموت اللئيم مهجة روحي غسان..

خساراتي فادحة أيتها الدنيا المزدحمة بالأحزان،أما أرباحي فسقط متاع،أضعت في الطريق رفاقا كثرا أسقطتهم القافلة سهوا عني..سهوا عنهم..ما أطول طابور خساراتي وما أحلك هذا الليل الذي صار جزءا منّي.هل أنا حي لأموت..؟وهل من فقدتهم -الأحياء والأموات-ليسوا جزءا منّي..؟!

ألم يقتطع منّي الموت أشجارا شاهقة ونفوسا عظيمة؟..فكيف لم يزرني هذا المتسربل بالعدمية إلى حد الآن..بل إلى حد هذا الحزن والألم والجنون..؟

ألا بد من إنقطاعي عن توريد السجائر إلى رئتيّ المذهولتين ليتمّ إعلان موتي..؟

ألا بد من تخريب جسدي عمدا بما أسكبه في جوفي من نبيذ..؟

وهل عليّ تغيير لحاف كوابيسي بكفن أكثر بياضا من العدم،لكي يصعق الأصدقاء ويرقص الأعداء ويوقنوا أنني جثّة تتدحرج على هضاب الحياة وتصطدم بالحواجز والأضداد..؟ !

ميّت أنا..ومشتاق إلى الحياة..يا أيّها الموتى بلا موت.. تعبت من الحياة بلا حياة..مشتاق إلى القصيدة..لم تزرني منذ ليال طويلة..هجرتني كما هجرتني تلك التي تهجع خلف الشغاف بعد أن أيقنت أنّي سقط متاع..حاولتْ-بجدائلها-رتق الفتق..فتغلّب الفتق على الرتق..تركتني أخيرا كائنا أسطوريا يسكن الرّيح،ويعوي مع ذئاب الفيافي..قمرا في بلاد ليس فيها ليال مقمرة ولا أصدقاء..

ومع ذلك مازلت أحبّها..مازلت أهذي من حنين وحمّى..

انتصف الليل ولم يأتني طيفها ولعلّ هذا نذير شؤم..أو مؤشّر موجع للفراق العظيم..

من تشتريني في مثل زمن مزخرف بالليل كهذا..فالقلب توقّف في الحزن كالحجر الأردوازي..والجسد غدا في غاية الإعتلال..أما الشوارع فقد أوحشتني مما بها من لحى..وبين الضلوع تأجّج ما تبقى من الشيب برق..وعبث فيما تبقى من القلب رعد..وكفّت الخمرة عن فعلها فيّ مما تداويت..

ولكني سأبقي المصابيح موقدة في فيض الصباح..مصالحة بين صحو الصباح وصحوي..وأبقي رياح الجنوب بوصلتي و دليلي..وأسأل عن إبن صاحب الرّوح في زمن الجدب..يوم كانت المحيطات تنام بحضني..وما زال ثوبي يخضرّ من مائها..ياله من زمان مضى بين ألف من السنوات الفتيّة..

تغيّرت مستعجلا أيها الفرح الضجري..وأصبح سطح قلبي معبرا للمواجع..ولكن متى كان الحزن يصغي..؟!

سلاما لروحك الطاهرة يا غسان

اخر الأخبار