بؤس الوطنية مطار ريمون

تابعنا على:   15:32 2022-09-10

سامي الأخرس

أمد/ قرأت عدة مقالات لأخوة محسوبين على التيارات الإسلامية يصيغوا من خلالها رؤيتهم حول السفر من مطار ريمون تسهيًلا على المواطن، ومنهم من دعا جهرًا حركة حماس لإجراء محادثات مع الاحتلال الصهيوني للتسهيل والاتفاق حول سفر المواطنين الغزيين عبّر مطار ريمون، ولا أعرف أو لا يتوفر لدي معلومة مؤكدة هل هذه القراءات المقالية تأتي في إطار قياس الرأي العام أو مجرد وجهات نظر خاصة بكاتبيها. وبغض النظر عن المحتوى أو الهدف من هذه المقالات، فإن المطلوب هو الوقوف أمام قراءات الوطنية من جهة، وقراءات التخطيط والتفكير الإستراتيجي من جهة أخرى.
لقد أدرك الشهيد ياسر عرفات أهمية المطار والمعابر الإستراتيجية منذ الوهلة الأولى لتوقيع اتفاق المبادئ أوسلو عام 1993، وكان شغله الشاغل أن يفتتح مطار غزة الدولي إدراكًا من ياسر عرفات أهمية المطار الوجودية والوطنية والسيادية بعيدًا أيضًا عن أهميته الاقتصادية والمجتمعية، لذلك حث الطاقم المسؤول بالسلطة الوطنية للإقتراض من البنوك العربية والمصرية على وجه التحديد لتمويل المطار وبناء المطار، لما له من أهمية في مفهوم السيادية الفلسطينية، واستطاع الفلسطينيون انجازه بسرعه قياسية وأصبح لغزة مطارها الخاص المستقل بها، والذي جاء بمثابة معبر فلسطيني خالصًا وتحت السيادة الفلسطينية السياسية والأمنية، بعيدًا عن مفهوم المعابر التي تعتبر خارج السيطرة الفلسطينية، أو خارج السيادة الفلسطينية، وأصبح المطار قوة سيادية اقتصادية دافعة للفلسطينيين، وتعبير عن الهوية السيادية الفلسطينية، وبدء العمل فعليًا بمؤسسات الدولة الفلسطينية المستقبلية. هذا الإدراك من ياسر عرفات كان مبني على رؤية شخصية وقائد وطني يدرك مفهوم الكيانية والوطنية، ويسعى لترسيخ هذا المفهوم على أرض الواقع في خطوة اعتبرت انجازًا عملاتيًا وعمليًا في بناء أركان الدولة الفلسطينية من جهة، وتأكيدًا على سيادة الفلسطينيين على معابرهم الخاصة بهم والتي تقع تحت سيادتهم الخالصة وطنيًا وسياسيًا، وحفاظًا على كرامة الفلسطيني الذي يريد مغادرة أرضه ووطنه أو العودة إليها.
اندلعت انتفاضة الأقصى عام 2000 وبدأت دولة الاحتلال تحطيم ومهاجمة وتدمير كل المؤسسات الفلسطينية السيادية، واستغلت قيام الإبداع المقاوم الفلسطيني الذي ترك كل مساحات الوطن الممتدة مع الاحتلال، واختار مساحة وجغرافيا المطار لضرب الصواريخ من حوله فكانت أكبر ذريعة للعدو الصهيوني لتدمير المطار، أضف إليها نهب ممتلكاته من قبل بعض لصوص الوطن، واطلاق يد الرعاع لسرقة وتدمير كل ما يمكن الوصول إليه حتى حصى وتراب المطار وأصبح أثرًا بعد عين، وخسر الشعب الفلسطيني من خلال تدمير المطار مظهرًا سياديًا أولًا، ومعبرًا مستقلًا ثانيًا، ومصدرًا اقتصاديًا ثالثًا، وإهدار لحقوق الأجيال الفلسطينية التي تحملت عبء القروض وفوائدها للبنوك الممولة رابعًا.
ما حدث في مطار غزة الدولي يؤكد محدودية رؤيتنا الفلسطينية، وجهالة قرائتنا المستقبلية الوطنية، واختصار كل قضيتنا بقرارات ورؤى عنترية من بعض الصبية الحزبيين الذين لا يريدوا إلا تسجيل انتصارات وهمية ضد الطرف الوطني المنافس أو المتناقض معها، مما يدفعنا لدفع أثمان كبيرة وخطيرة على صعيد قضيتنا الوطنية من جهة، ومستقبل الكيانية من جهة أخرى، والعودة بعد عقود للتفكير بحلول كانت يومًا متوفرة بأيدينا، وتحت سيطرتنا.
مسألة مطار ريمون سواء كانت خطوة قادمة أو لم تكن هي مسألة كاشفة ومعرية لكل مفاهيم تفكيرنا الوطني، واستراتيجيتنا الوطنية، وجهالة قراءة المستقبل وفق قواعد المصلحة الوطنية العليا، ولكن ماذا ستحقق خطوة ريمون إن تحققت؟
أولًا: سياسيًا: تفتح آفق لتجزئة مفهوم التفاوض مع العدو وإن كان بمبرر مفاهيم مجتمعية أو تسهيلات مجتمعية، وعليه أصبح للعدو اتجاهين للمفاوضات والتفاوض اتجاه غزة تحت وقع ومدخل المفاوضات المجتمعيةلا(غنمة جحا)، ومبدأ التفاوض السياسي مع السلطة الفلسطينية في رام الله، وعليه أصبح لنا وجهتين تمثيليتين تستفرد بهما دولة الكيان وتوجههما وفق مصالحها وخططها لحصر القضية الفلسطينية، والعبث بمصير قضية وشعب.
ثانيًا: اقتصاديًا: تكون دولة الاحتلال قد حققت مكاسب اقتصادية كبيرة جدًا من المسافر الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة وبذلك تكون أضعفت القوة الاقتصادية لمعبر الكرامة مع الأردن، ومعبر رفح مع مصر، وعليه تحقق مكتسبات اقتصادية وسياسية كبيرة جدًا.
ثالثًا: وطنيًا: تكون نجحت دولة الاحتلال بتجريد الفلسطينيين من المعابر السيادية وأعادت السيطرة الأمنية لها وعبرها، وكذلك إيجاد الحلول للكثير من المسائل المستقبلية وفق وجهات نظرها.
فإن نجحت دولة الاحتلال في توقيع تفاهمات مع حركة حماس في غزة تتعلق بمطار ريمون فإنها تكون قد حققت هدفًا أبعد من مفهوم الهدف المجتمعي وفق قواعد التفكير الصهيونية.
ويبقى السؤال في هذا الصدد ماذا لو وافقت حركة حماس على مفهوم التفاهم مع دولة الاحتلال على بعض القضايا المجتمعية (الستار القوي) سيكون موقف القوى والأحزاب المعارضة الفلسطينية؟ وما هي المآلات التي يمكن أن تتحرك من خلالها هذه القوى؟
ملاحظة: تمارس دولة الاحتلال الصهيوني جرائمها باستمرار وتمارس قانون الإعدام الميداني اليومي بحق أبناء الشعب الفلسطيني وأسراه ولا زلنا تحت وقع الصمت ننتظر انفراجه وطنية دافعة.

كلمات دلالية

اخر الأخبار