حرب الجيوش الفلسطينية تنتهي.. ليبدأ نوع آخر

تابعنا على:   07:49 2022-08-13

صالح عوض

أمد/ لن يكون إبراهيم النابلسي مجرد ثائر فلسطيني بطل أدى واجبه في الكفاح ومن ثم غادر الحياة، فذلك هو الشق الشكلي من الأحداث، إن الذي جرى على أرض نابلس ومن قبلها في أكثر من مدينة فلسطينية يشير بوضوح الى قناعات عميقة تولدت بمراقبة الواقع الفلسطيني المنهك بأجهزته وجيوشه حيث جرب الفلسطينيون شتى أنواع الكفاح في معاركهم لاستعادة حقهم وقد درسوا تجارب الشعوب وثوراتهم واستمدوا منها جميعا، ممن له علاقة بهويتهم الثقافية اومن تلك التجارب البعيدة عن حسهم وتاريخهم كالماركسية والماوية والشوفينية القومية، و نهجوا أساليب متنوعة من عمل المجموعات والحرب الشعبية والجيوش والعمل الفردي الفدائي، وذلك كله دون التركيز على نمط معين وعلى مدار قرن من الزمان لم يكتب لأيها الثبات أو تحقيق أهداف على خريطة الجغرافية، فمنذ ثورة القسام ومن ثم جيش الجهاد المقدس وفصائله انتهاء بجيوش الفصائل الإسلامية الحالية، لم يحقق احدها نواة تحرير حقيقية، من الملاحظ أن الفلسطينيين يبدؤون كفاحهم بعمل أشبه بالفدائية او العصابات ولكنهم سريعا ما يميلون الى التجييش وما يستتبعه من إدارة وتنظيم وتسليح وإعداد.. وبداية يجب القطع بأن لكل شعب ظروفه وشروط كفاحه المختلفة كما أن لكل فكرة أو أيديولوجية مناخها الذي لا يرافقها عند انتقالها الى واقع آخر، ومن هنا يمكن القول انه لم ينجح أي نموذج فكري او كفاحي تم استيراده في فلسطين في تحقيق وقائع معتبرة ماديا.
الواقع الصهيوني:
من هشاشة العقل ان يقال ان الكيان الصهيوني بيت عنكبوت كما يكرر كثير من القادة السياسيين المناضلين العرب والفلسطينيين، وهذا القول ليس فقط غير صحيح ولكنه أيضا يطمس الحديث عن أطراف التحدي الأكبر حجما والأكثر قدرة، فالواقع الصهيوني "كما لم يكن أي نظام عنصري في العالم" هو في حقيقته قاعدة للمشروع الاستعماري الرأسمالي كما انه يعيش بضمانات استراتيجية من المجتمع الدولي وعلى رأسه الولايات المتحدة وبريطانيا كما يعيش بضمانات حياة في الصيغة الروسية ولحليفة لها بل وفي العالم كله لاتكاد عن تسمع عن فلسطين التاريخية الا من كيانات او دول قليلة حدا..
ان الكيان الصهيوني قوي بما يكفي لفرض سيطرته على المنطقة، وهو متطور في قوته لدرجة انه يفرض حربه على جيرانه يقصف ويقتل دون تردد وبلا عقاب، كما يتم تزويده من الغرب باستمرار ليكون في حالة التفوق الاستراتيجي، في حين تستمر الحالة العربية والإسلامية والفلسطينية في ضعف متواصل وصل الى حد الانهيار المتمثل في الهرولة نحو إقامة علاقات تحالفية معه.
نعم الفكرة الصهيونية تهتز كثيرا والمشروع الصهيوني قد بدل جلده عدة مرات وصحيح ان الكيان الصهيوني يعج بالتناقضات والعنصريات كل هذا صحيح لكن يستطيع الكيان الصهيوني التعايش داخليا لاسيما وهو لا يعاني من الضغط الكافي الخارجي لتفجيره، وهو يتغلب على التحديات الخارجية ويصر ان لا يسجل أي تراجع جوهري وحتى ان ابدى بعض التراجعات التكتيكية فهو يسلك طرقا عديدة للالتفاف عليها وإعادة الامر الى يده كما فعل مع اتفاقية أوسلو..
هذا لا يعني ان الكيان الصهيوني قوة لا يمكن تفتتها او تلاشيها، ولكن هذا الكلام يعني ان الامر يحتاج الى موضوعية في الطرح وعلمية في التقييم تحررنا من الأوهام والاماني الكاذبة حيث سنصاب مما نخشاه بعد كل مواجهة سنكتشف اننا نقدم تضحيات باهضة وانه سجل علينا انتصارا تلو الانتصار.
انه ينهزم وكل نقاط الضعف الجوهرية تكمن في تكوينه وفي حقيقة المشروع الاستعماري حيث تحسب الأمور دوما بحجم الفوائد في مقابل الخسائر ولكن لن ينهزم هكذا انما بفعل حيوي وضاغط ويلحق به خسارات معنوية ومادية تستطيع ان تقيم الضغط المطلوب على اعصابه ليصل الى حالة الإرهاق التي لا يمكن تجاوزها وهذا يتطلب وقتا وعملا كافيين.
وهكذا نستطيع القول: ان التحديد العلمي لقوة الكيان الصهيوني ونقاط ضعفه يعني بداية الخروج من دائرة الوهم.
المقاومة الفلسطينية:
حديثنا ليس عن مشروعيتها فتلك مسألة محسومة بموجب كل القرارات الدولية والأعراف الإنسانية والشرائع السماوية فضلا عن ايماننا العميق بذلك، ولا يتطرق الحديث هنا عن المقاومة الفلسطينية الى تقييم الأداء الفردي في الميدان فلعل الفلسطينيون قد قدموا النماذج الأسطورية الملحمية في ساحة المعركة واظهروا من الفدائية وروح العطاء والقوة الروحية ما يجعلهم مفخرة الإنسانية اليوم.
لكن الحديث هنا على ضوء ما سبق يمس مسألة الأسلوب والوسيلة، بعد ان يكون الاقتناع راسخا بان الغرب والشرق لاسيما أمريكا وبريطانيا وحتى روسيا لن يسلمون بناء على قوانين الشرعية الدولية او ببواعث أخلاقية بعودتنا الى ارضنا ونقيم عليها وطننا، وبذلك يتلاشى الكيان الصهيوني، والقناعة الأخرى ان قوة الكيان تستمد من قوة المصالح الغربية في المنطقة ولذلك فهي خاضعة لميزان الربح والخسارة.
هنا نستعرض أنواع الجانب العملي في مواجهة الكيان حيث كان للعمل الفردي حيز معتبر من مساحة الكفاح ولكن أصيب العقل الفلسطيني لاسباب عديدة منها التاريخي ومنها الواقعي بالتفكير بضرورة بناء جيش.. ورغم هزيمة الجيوش العربية امام الجيش الصهيوني مرات عديدة وأثبتت تجربة الجيوش العربية في مواجهة الكيان الصهيوني انها فاشلة وجلابة للمآسي..
هناك سمة مشتركة بين فصائل الحركة الوطنية الفلسطينية بعناوينها المتعددة حيث تبدأ بالعمل الفردي وربما بالمجموعات ولكنها لا تلبث ان تتحول الى جيش ولقد دفعنا ثمن هذا التوجه تضحيات بالغة في الأردن ولبنان وغزة وكانت الخسارات مرهقة لنا عقب كل حرب او عدوان صهيوني، او اشتباك مع الاخوة العرب.
وهنا لعلنا نقترب من مناقشة عملية التجييش التي انتهى اليها كل فصيل فلسطيني.. فمن مسلمات الوعي الاستراتيجي ان لا تدخل حربا يمتلك فيها عدوك أسلحة لا تستطيع الوصول اليها ومن العبث ان تمنح العدو فرصة ان يحدد شروط المعركة.. وهذا يعني ان تجتهد على الثبات والصبر باقامتك في ساحات يضطر العدو فيها ان يتخفف من الياته المتطورة والمتنوعة لينازلك في معركة تكون انت حددت شروطها.
المسلمة الأخرى ان افراد الشعب ليسوا هكذا بلا أهمية، والحديث عن الشهادة رغم انه مشرق وجميل الا انه ينبغي التنبه ان ازدياد التضحيات دون إنجازات يولد في النفوس الضجر والتساؤلات، ويهز الجبهة الداخلية، ويصبح الحفاظ على الأرواح مسألة في غاية الأهمية لاسيما والمعارك ليست حاسمة باي شكل من الاشكال،
مسلمة أخرى ان العدو يحرص ان يخضع المقاومة لقوانينه في الحرب جيش مقابل جيش ومعدات مقابل معدات وهنا تظهر عناصر تفوقه وقدرته على الحاق الهزيمة المادية العنيفة رغم كل ما يرافقها من قبلنا بادعاء النصر.. بمعنى ان بروز جيش لنا في ظل استحالة تزويده بما يقترب من جيش العدو يعني اننا نحكم علينا بالفشل الذريع ولا اريد مناقشة نماذج بشرية ثورية عديدة في أماكن مختلفة حيث لكل منها ملابساته وخصوصياته التي لا تتفق مع فلسطين وقضيتها،
عناصر المفاجأة والعمل الفردي او العصابة "وبأدوات بسيطة واولية" وديمومة الاشتباك والتنوع المكاني وذلك كاستراتيجية طويلة الأمد.. كل هذا هو ما يمكنه تصحيح مسيرة الكفاح الى الالتزام بنهج يضع نصب عينيه ارهاق المستعمر حتى ييأس وايصاله الى قناعة ان لا فائدة من الاستمرار، كما ينبغي ان يقتنع الممولون انهم في تجارة فاسدة خاسرة، والعمل هذا هو ما سوف ينمي الفعل المساند على المستوى العربي والإنساني.
لا تعني المقاومة إزالة العدو من على وجه الأرض، ولا تعني كذلك تحقيق الرد عليه بكل ما نستطيع تملكه، لالا فقد نمتلك أدوات موجعة له لكن استخدامها يعني خسارة الساحة لان لديه ما هو اكثر نجاعة ومن هنا لابد من ان يشتغل الإعلامي ويبرز أهمية عدم التهييج لقوة المقاومة لأنه ينبغي ان لا يستطيع احد ان يسيطر على عناوينها.
إن أهم ما يمكن تحقيقه على المدي المنتظر ان يستمر الصمود والرباط والتوحد وتجفيف الاتصالات بالعدو والنظر لمسألة الانتصار أنها محض تراكم انتصارات صغيرة وكبيرة تبدأ من الحفاظ على الشعب برباطه والاشتباك بشتى الوسائل في اطار الممكن والبعيد عن استدراجات العدو وذلك لهدف محدد انه جعل إرهاق العدو مرافقا له في تفكيره وبقائه بحيث يصبح الاضطراب الوجودي قدره الذي لا فكاك منه..
لقد أوقعت المقاومة الفردية والمجموعات بالجيوش الامريكية في العراق مالم يستطعه الجيش العراقي بكل قوته وعتاده، وفي حين انهزم الجيش العراقي في أسابيع قليلة تمكنت المقاومة العراقية ان ترهق أعصاب المحتلين وعلى مدار سنوات حتى يتحقق نصر مذهل..
كما المقاومة الأفغانية التي واجهت الامريكان فان اعتمادها عمل المجموعات حقق لها نصرا كبيرا انتهى بالهروب الكبير الذي اصبح معضلات بايدن في المنطقة الصعبة والمتحركة,
ان أيام المواجهات الشعبية بالضفة الغربية اكثر جدوى من حرب صواريخ غزة التي يجعلها العدو مادة تبرير لحرق الأخضر واليابس، ان فلسطين قادرة ان تبقي قناديلها مضيئة دونما تضحيات تقسم الظهر، وبقدر الإمكان ينبغي تجنيب الشعب العريض نتائج صراع مع العدو..
كلمة لابد منها:
ان الجملة المهزوزة والعقائد المرتبكة والافهام المحدودة والمكابرة تولد مناخات من التيه والسير خلف الاماني الخادعة والاوهام المستبدة.. لابد من طرح الموضوع على مراكز تفكير وفعل الأحزاب والمؤسسات الفلسطينية والعربية.
في فلسطين لسنا معنيين ابدا بتكرار تجربة فيتنام التي وقفت خلفها قوة الصين ولسنا الهند وغاندي المسالم والداعية لطرد الانجليز من الهند فقوات بريطانيا لها اسطولها الذي ينتظرها.. رغم هذا سيجد الصهاينة ان الأرض ضاقت عليهم بما رحبت لانهم سيجدوا ان سلاحهم وتطوره لاقيمة له فيما سينطلق الفلسطينيون ببساطة الفطرة وببساطة السلاح لجعل المستقبل حاضرا.

اخر الأخبار