
"حدوتة" المفاوضات
محمد محمود دياب
لقد بات الحديث عن المفاوضات الشغل الشاغل للكتاب والساسة والهواة هذه الأيام على اختلاف مشاربهم وولاءاتهم ونواياهم ، ففي صبيحة كل يوم تترصع المواقع الاعلامية والقنوات الاخبارية بسيل من المقالات والتعليقات والمواقف التي في غالبيتها تتفق على تجريم التوجه للمفاوضات والحكم الجازم بفشلها بل وتتعدى ذلك الى اطلاق احكام مسبقة بتخون القائمين عليها واتهامهم بالتفريط والتنازل عن الحقوق الوطنية الفلسطينية.
فهذه الموضة التي تظهر مع بدء أي تحرك سياسي سوء كان باتجاه تحقيق مكسب قانوني كما حدث عند التوجه للأمم المتحدة لنيل مقعد دولة غير عضو او انطلاق جولة تفاوضية وقبل انتظار نتائجها أو حتى معرفة سلوك المفاوض الفلسطيني خلال المباحثات ، وهنا لابد ان نميز بين مواقف الفصائل لاسيما الاسلامية ومنها والتي ترفض المفاوضات التي تقودها منظمة التحرير جملةً وتفصيلاً حتى لو جاءت بدولة كاملة السيادة وترفضها حتى لو كان ثمن استئنافها خروج اسرى أمضوا في السجون سنين طويلة ، فموقف هذه الفصائل ناتج عن حالة الصراع والاشتباك السياسي بين طرفي المعادلة السياسية الفلسطينية فتح وحماس وهو صراع طويل يستند على فكرة التفرد والهيمنة وانكار الاخر وتغلب عليه القناعات والافكار الايدلوجية التي تبدأ وتنتهي عند مصلحة الحزب ومنظمة الارتباطات التي يدور في فلكها .
والطرف الاخر في معادلة الرفض للمفاوضات هي الفصائل اليسارية والتي لم يعد امامها سوى الوقوف في صف المعارض من اجل الحفاظ على ما تبقى من وجودها المتآكل ومن اجل لفت الانتباه لها في اطار لعبة الابتزاز السياسي الذي تمارسه هذه الفصائل ، فهي تعيش عقدة الغياب التام عن الفعل السياسي والجماهيري تعوضه من خلال تبني مواقف معارضة ربما تضمن لها حضوراً حتى لو على رصيف شارع جانبي في أحياء رام الله وغزة.
أما الطرف الثالث فهو يمثل طابور الانتهازية الحزبية المترسبة في قاع حركة فتح والتي لا تعرف حدودا ً ولا خطوطاً حمراء في سعيها لتحقيق مصالحها و تصفية حساباتها الشخصية في اطار هذه المصالح، حيث يُسخر هؤلاء كل امكانياتهم للانقضاض على القيادة الفلسطينية لتقزيم أي تحرك سياسي تقوم به والحاقه بسيل من الافتراءات والاكاذيب لتشويه صورة السلطة الوطنية ومؤسساتها مستغلين ما أتيح لهم من المال المسروق والمشبوه المقدم من قبل أنظمة معادية للشعب الفلسطيني وللقيادة الفلسطينية.
وهناك اطراف أخرى بالتأكيد ترفض المفاوضات انطلاقاً من غيرة وطنية واستناداً إلى تجارب التفاوض العقيمة في غالبيتها والتي لم تفض إلا مزيدٍ من التنصل والتهرب الاسرائيلي واتخاذها غطاءً زمنياً لتنفيذ مخططات توسعية استيطانية .
وأما حالات الرفض هذه يبقى أن نذكر بأن المفاوضات هي إحدى ادوات الصراع الدبلوماسية وتمثل معركة حقيقية لا تقل ضراوة عن المعارك الحربية وتتطلب جبهة داخلية متماسكة وموحدة ولديها ثقة بالنصر ، وما دام بان أي اتفاق سيعرض على الاستفتاء العام قبل التوقيع عليه فلا مبرر لهذه الحملات الاعلامية التي تجاوزت حدود الاخلاق ، ولنكن أكثر عقلانية ومنطقية في تصريحاتنا وخياراتنا حتى لا تصبح كالعناوين الحمراء في جرائد الاعلانات.