تآكل الرصيد رغم انحياز الظروف لصالح الفلسطينيين

تابعنا على:   14:54 2022-07-06

صالح عوض

أمد/ من أهم الاسلحة بيد المكافحين من أجل قضيتهم ان يولوا الظروف االدولية والمحلية والاقليمية اهمية قصوى ويتخيروا لخطوتهم المناسب منها لان ذلك ادعى للسير وفق السنن وتحقيق النواميس وفق السياق العام لحركة الحياة وتدافعها واذا لم تتحقق تلك الظروف فعليهم النضال بشتى الوسائل لانضاجها وتحقيقها.. وفي المقابل من أسوأ المناهج تلك التي تشيح بوجهها عن فهم الواقع الاقليمي والدولي، وتتحرك وكأن ليس في الوجود الا هي، ولكن الأسوأ من ذلك التحرك برداءة وضعف وتفريط في ظل تولد ظروف ايجابية وتحركات في الجدار المحيط بالقضية.. لعلنا بهذا الاستنتاج السياسي التاريخي لحركة الصراع على الأرض نستطيع التقدم من قراءة الحركة السياسية الفلسطينية على صعيد التنظيمات الرسمية والتي تتفق في طبيعة ادائها ونتائجه مع اختلافها الظاهر والذي مرده التطلع لنسبة التقاسم في حصص السلطة والمكاسب الحزبية.

التغيرات السياسية الدولية:
يعيش العالم ظروفا استثنائية بعد ان كسرت روسيا حدة صيغة التعامل الامريكي مع العالم واتخذت خطوة كبيرة بتحدي الغرب وحشر العالم في خيارات ليس من السهل التعامل معها بطرق تقليدية، ومن الواضح ان الروس قد أعدوا للأمر عدته قبل سنوات طويلة وجهزوا انفسهم لحرب طويلة يتم فيها استنزاف اقتصاد الغرب "امريكا واوربا" المتهالك ووقفت السياسة الامريكية في النقطة الحرجة اما ان تستسلم للموقف الروسي بطردها من محيط روسيا واخراج اوكرانيا من ساحة النفوذ الغربي او الانطلاق نحو ردع الروس من خلال وسائل عديدة دون الوصول الى مواجهات مسلحة قد تصل الى ذروة المواجهة التي لم يستبعدها الرئيس الروسي.. اطلقت الادارة الامريكية كل اذرعها الاعلامية والامنية والاقتصادي والدبلوماسية لمحاصرة الموقف الروسي وشيطنة بوتين وارغمت دولا اوربية على قطع علاقاتها الحساسة والضرورية مع روسيا كما حصل مع المانيا واشاعت الادارة الامريكية ان نتائج الخطوة الروسية سينتهي الى حصار مميت لروسيا قد يصل الى حد تمزق الاتحاد الروسي الفيدرالي وان الاقتصاد الروسي لن يصمد وان هناك مصادر اخرى للنفط والغاز في العالم ستعوض الغياب الروسي وبدات حركتها الدؤوبة لتنشيط اصدقائها لضخ كميات اضافية من الغاز والنفط وتحركت لنقل الغاز الامريكي مسيلا الى اوربا كلن كل هذه الحركات الدعائية لم تنتج شيئا على الارض لان انجازها يحتاج بنيى تحتية مرهقة تستنفذ سنوات مهما قلت فهي خطرة على الوضع الاوربي العام.. ودفعت الادارة الامريكية بحكومة اوكرانيا للمواجهة والمماطلة في المفاوضات من خلال تزويدهم باسلحة وحض الدول الاوربية للقيام بالامر نفسه وذلك في رسالة وضاحة للروس بانهم لايواجهون اوكرانيا وحدها ولا نفوذ الولايات المتحدة كلها بل يواجهون كل الغرب الذي يرى في تمدد الروس خطرا سياسيا وامنيا واستراتيجيا على الدول الاوربية..
ان استمرار المعارك وتقدم الروس البطيء لايعني ان روسيا غير قادرة على حسم المعركة بالقوة المسلحة سريعا انما هي تحرك في الممكن والاكثر هدوءا والاكثر ايقاعا للخسائر بالاقتصاد الاوربي والامريكي وبالفعل هاهي الارقام تتوالى عن ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة وارتفاع نسبة الفائدة والامر مرشح للزيادة في اقتصاد يعاني من عجز ومديونية عالية باهضة..

تكتشف امريكا ان عدوها ليس فقط الصين واصدقاءها ليسوا هم دول العالم بل انها تكتشف ان اقرب حلفائها في الخليح لم يخضع لتوجيهاتها في مسألة النفط والغاز وترى كذلك ان الهند الذي يعيش حالة تفاهمات استراتيجية مع الامريكان لم يدير ظهره للروس وان تركيا العضو في الناتو ليست صديقا مضمونا وانقلابها وارد في كل لحظة وخيوط تواصلها لم تنقطع مع الروس والصين وكذلك دول كثيرة بل وبلغ الاستغراب اشده لدى المعسكر الغربي ان تقوم الجزائر بمعاقبة اسبانيا على مواقفها السياسية المعادية بان تلغي ما بينهما من اتفاقيات اقتصادية الامرالذي سيلحق بالاقتصاد الاسباني خسائر فادحة تراكم العجز الاقتصادي الاسباني..

لقد بلغ الامر سوءا بالنسبة للامريكان ان يرغموا على الدعوة للقاء تفاهمي مع ايران بخصوص ضخ النفط والغاز الايراني في محاولة لسد العجز حيث بلغت الامور عقدتها في اوربا.. وتجد ايران انها ليست في عجلة من امرها فهي تبيع نفطها بالسوق السوداء بسعر مجزي قد لايتحقق في ظل انفراج الازمة.. ثم ان ايران تدرك الحاجة الامريكية فاشترطت ان يتم ذلك في اطار رفع العقوبات الاقتصادية والامنية والسياسية عن ايران..

من الواضح ان امريكا في حالة فقدان للتوازن على منصة قيادة العالم وان كثيرا بداوا التفلت من سطوتها واصبحت عديد من الدول تبحث عن مصالحها الوطنية وهنا يكون الروس قد حققوا مبدئيا الضربة الاستراتيجية التي يريدون ويعلنون دون مواربة ان مرحلة التسيد الامريكي قد انتهت.. ورغم صعوبة الاقتناع بان امريكا يمكن ان تفرط بموقعها الدولي الا انها وبالتأكيد ستتكبد خسارات كبيرة تلحق بسمعتها الضرر البالغ الذي سيشجع الدول النامية والمتوسطة على التملص من سطوتها.

الاداء الفلسطيني:
من الواضح ان الاداء السياسي الفلسطيني منذ رحيل ياسر عرفات قد مر بمرحلتين متميزتين الاولى وهي الاقصر مرحلة المراوحة في المكان ومحاولة التخلص من عنفوان مرحلة ياسر عرفات.. وتم في هذه المرحلة الاعتذار عن الخط السياسي الذي نهجه عرفات والذي جعل محدداته بوضوح انه في الخندق المضاد للسياسة الامريكية في المنطقة العربية وانه لايقبل اقل من دولة فلسطينية عاصمتها القدس وانه لن يقبل تمييع ملف اللاجئين وانه لايمكن الدخول في زمن مفتوح لمفاوضات من اجل تحقيق ذلك.. لقد كان هذا الخط السياسي الواضح الذي نهجه ياسر عرفات يمثل حالة نشاز في المشهد الدولي والعربي لاسيما بعد وصول اليمين المتطرف الامريكي واليمين المتطرف الصهيوني الى مواقع القيادة وقيامهما بتدمير العراق وقرارهما بشطب ياسر عرفات.. مرحلة مابعد عرفات اعادة الملف الفلسطيني الى المقرر الامريكي والتملص من كل ثوابت الموقف العرفاتي ت جاه المنطقة والسياسة الامريكية.. وفي هذه المرحلة تم الترويج بان حلولا كبيرة سياسية قادمة على يد بوش الذي ابلغ الفلسطينيين ان الرب قال له انه سيغزو العراق وافغانستان وان الرب قال له ان يوجد دولة للفلسطينيين.. تكيفت السياسة الفلسطينية مع ذلك وادخل الكل الفلسطيني في المخطط بقبول امريكي استقبل برضى دخول كل الفصائل الفلسطينية عملية الانتخابات التشريعية في مجلس تشريعي قام على اساس اتفاقيات اوسلو.. ومن هنا بدأت المرحلة التالية والتي تشرف على نهايتها هذه الايام.. انها مرحلة التأكل الوطني والتمزق الذاتي واستبدال المفاهيم ولاقيم وتحول الوجود الفلسطينية الى كم فاقد الهدف السياسي والقيادة السياسية.. وشيئا فشيئا تقدم خيار المفاوضات مع العدو على حساب الصراع.. وارتفعت على ضفتي الموقف الفلسطيني واقعية جديدة اصبحت هي الثابت الاسياسي للموقف على ضفتيه ففي رام الله اصبحت المفاوضات رغم ما امتعاض بعض المسؤولين منها هي الثابت الوحيد المتبنى وانها ولواحقها خط سياسي مقدس.. وعلى الضفة الاخرى الهدنة وضبط الامور والانهماك في حوارات ومفاوضات مباشرة او غير مباشرة من اجل ملفات جزئية رغم حساسيتها المباشرة كرفع الحصار وتبادل الاسرى وذلك في مقابل هدنة تطول او تقصر.


لايمكن التنبوء بان السلطة الفلسطينية قادرة على تعديل المسار والخروج من قيود واقع التنسيق والتواصل الآمن والسلمي مع الاحتلال وذلك لتشابك المصالح بشكل كبير وتشعر السلطة بان الاشتباك مع الاحتلال اشتباكا عنفيا قد يهدد وجودها ويفقد الفلسطينيين فرصة تمثيلهم الشرعية على الارض.. وهذا خيار صعب تصوره في ظل تراكم اوضاع في اطار التسوية والمفاوضات وما افرزته من قيادات ومصالح.

كما انه لايمكن القول ان حماس ستفرط بسلطتها في مغامرات تعرف هي ان الخسارة محققة لها .. ومهما لحق من اذى بالمنشآت الصهيونية من جراء اي مواجهة فان الخسارات التي تلحق بقطاع غزة مذهلة لم يعد الناس قادرين على تحملها.. وتدرك حماس ان قوتها العسكرية والامنية اليوم هي في الاساس لتمكين سلطتها على الارض وهي ستتصدى لكل من يحاول المساس بها.. وتدرك حماس ان رصيدها الشعبي في غزة يتعرض لتآكل ومن هنا لابد من فرض السلطة باجراءات صارمة تتساوق من انتشارها المتشعب في الضفة الغربية على حساب السلطة التي تتآكل سمعتها يوما بعد يوم في ملفات عديدة لعل بعضها ما له علاقة بحقوق الانسان

وعلى صعيد الشتات الفلسطيني فيبدو ان هناك عملية استلام وتسليم بين منظمة التحرير وحماس طبعا ليست عملية ودية ولكنها واقعية وان استخدم فيه السلاح كما حصل مؤخرا في احد مخيمات لبنان.. وبملاحظة عامة لنشاط قيادات حركة حماس في الدوحة !! والساحات الفلسطينية لاسيما في لبنان يمكن الاشارة الى استنتاج سريع ان حماس في عجلة من امرها لبسط نفوذها على التواجد الفلسطيني في المخيمات والتجمعات الفلسطينية في اكثر من بلد على مستوى العالم من خلال النقابات والجمعيات الخيرية وهي في هذا تمثل حضورا بارزا في ظل تراجع نفوذ السلطة التي يعاني اتباعها من ضعف التبرير السياسي لما عليه الواقع الفلسطيني وتبرير ما يصعب تبريره لمؤسسات السلطة على صعيد السفارات المنتشرة في العالم بلا جدوى توازي ما ينفق عليها من اموال طائلة.

من الواضح ان صراعا على المخيمات الجاليات والنقابات والمؤسسات يسير بمخطط منهجي تمارسه حركة حماس الان وفي ظل هذا التحرك يتم تجميد كثير من المواقف السياسية ويصار الى تهدئة واقعية مع الاحتلال.. وهنا نكون قد ابتعدنا كثيرا عن النية لامكانية تشارك سياسي ومحافظة على بناء منظمة التحرير الفلسطينية.. فالصراع في حقيقته اليوم يقوم على اساس التقاسم والتوسع في مجالات النفوذ الامر الذي يدخلنا عمليا في تآكل ذاتي للروح والقضية والامكانيات.

لايمكن باي شكل من طرق التحليل ان نغفل عن وجود قيادة حركة حماس في الدوحة التي تقوم بمهمات استراتيجية للسياسة الامريكية مرة في الملف الافغاني ومرة الايراني ومرات عدة السوري والعراقي والليبي والمساعدات المالية التي تمر عن اسرائيل لغزة.. لايمكن اخذ المسالة ببراءة ابدا بل لابد من التنبه تماما لكل حركة تقترب من عواصم التواصل مع الامريكان.. فالدوحة ليست هي المؤهل او القادر على استضافة مقاومة وخط مقاوم.. انما هي مكلفة تماما بتفاوضات وسياسات ورؤى سيكون من شانها تبديد القضية وتفتيت عرى المقاومة والدفع بالواقع الفلسطيني الى التمزق اكثر كما سبق للدوحة فعله عندما خدعت الاخوان المسلمين في سورية ومصر ودفعتهم الى المجهول وانفقت على المتهة مليارات الدولارات..

الانفصام في مرحلة أخيرة:

ان شعبا كالشعب الفلسطيني من الصعب القول انه سيمكث طويلا دون البحث عن طريق واضح من اجل استرداد حقوقه الوطنية.. ومن خلال تجاربه العديدة وثوراته وانكساراتها والتحديات المتنوعة اثبت الشعب الفلسطني حيويته ولياقته انه يخرج من كل فشل تجربة الى تجربة جديدة اكثر قربا ووضوحا من اجل فلسطين..

من الواضح ان تجربة السلطة الفلسطينية متعبة ومنهكة ولايمكن مطالبتها باكثر مما تقوم به ولن يكون عليها عناوين الكفاح الصلب والعنفي ابدا.. ومن الواضح كذلك ان حماس انصرفت الى مصالح حزبية على حساب الشعب والمقاومة وان جلب المنافع اصبح اولى من دفع المضار لديها.. وهكذا يقفل الشعب تجربة من شقيها لايمكنه الاطمئنان الى شقيها.. وامام الاحتمالات العديدة فلا نستبعد ان يقوم احد الشقين بتجديد نفسه والتحرر من واقعه والانحياز الى قضية شعبه والانحراط في فعل حقيقي يكسر الجمود لكن سنة التغيير والاستبدال التي نشهدها عبر حركة التاريخ انه لابد من جديد ينبعث بروح جديدة ومفاهيم اكثر عمقا ووضوحا وتجاوزا للتجربة التاريخية المنهكة..

لقد ودعنا تجارب كبيرة كالقسام والحاج امين الحسيني وعبدالقادر الحسيني واحمد الشقيري وحركة القوميين العرب وقوات التحرير الشعبية.. وكان لكل من هذه العناوين اهمية بالغة وكان لكل منها في زمانه سطوة وهيبة وحضور.. ودعناها جميعا وانتجنا سواها وذهبت الى اوراق التاريخ وان الشعب الذي انتجها وانتج غيرها قادر في لحظة حسم تاريخي ان ينتج الجديد.. وان الظروف الدولية والاقليمية والمحلية كلها تهيء لميلاد جديد لكفاح الشعب الفلسطيني متحررا من المحاور والهزيمة والتشتت.

كلمات دلالية

اخر الأخبار