صباحٌ مشرقٌ جميلٌ مفعمٌ بزهر الياسمين

تابعنا على:   12:13 2022-06-26

منجد صالح

أمد/ منذ مدّة طويلة لم "اتمشّى" صباحا في شارع الشجر الجميل ذو الأشجار الباسقة وارفة الظلال التي تُزيّن حيّنا في مدينة رام الله.

اليوم صباحا باكرا "شربت من حليب السباع"، وتوكّلت على ربّ العباد وخرجت للمشّي في الشارع الطويل الهادئ إلا من زقزقة العصافير وبرجمة الحمامة البرّية التي تلعب دور المايسترو مع العصافير.

خرجت من باب العمارة الواسع وانحرفت يمينا باتجاه الغرب حيث تهبّ نسمة الغرب القادمة من بحر يافا وحيفا وعكّا وتلسع المُحيّا وتُنعشه.

اصطدمت فور خروجي من باب العمارة اصطداما لطيفا عطرا بشجيرة الياسمين التي تربض في الحوض الكبير وتتباهى بنثر عبير زهراتها، زهرات الياسمين البيضاء المتورّدة الغضة الفتيّة المُتفتّحة. أخذت منها حفنة في راحة يدي اليسرى، قبضة يدي اليسرى وأكملت المسير المشي الهوينا نحو شجرة الكينا التي تشمخ في آخر الشارع أعلى التلّة المشرفة تماما على الغرب وبحر الغرب وشذى الغرب وهبوب نسيم الغرب. كنت أشمّ خلال "الرحلة" عبير الياسمين من قبضة يدي اليسرى. رائحة رائعة وروعة وتُدغدغ أرنبة الانف وتزكمها بعطر خفيف لطيف سرّي مُستتر.

وصلتُ شجرة الكينا ولامستُ بيدي اليمنى جذعها الكبير التخين العتيق المُعتّق وكأنني أحيّيها وألقي عليها تحية الصباح.

بدورها هي شجرة الكينا ردّت التحية بأحسن منها حين تحرّكت أوراقها بحفيف رتيب موسيقي أمام هبّات النسيم العليل.

شجيرة الزهر الصغير الاصفر، جارة شجرة الكينا تستلقي على ظهرها بتؤدة وحنان يعلوها القليل من الزهر الاصفر الفاقع الصغير اذ انها تركت المجال لجارتها الممدودة بجانبها والتي انتبهُ  لها لاول مرّة وخاصة لوردها المميز الرخو بلونين متلاصقين في وردة واحدة الابيض والباذنجاني (البنفسجي). ولله في خلقه شؤون. ويبقى "الورد جميل جميل الورد الورد جميل جميل الورد.....

رجعت أدراجي إلى الوراء تحت سمع وبصر العصافير وزقزقتها والحمامة البلدية وهديلها الصباحي.

دخلت شقتي وما زال الهدوء وبعض العتمة يّخيّم عليها. اقتربت من سرير ابنتي حبيبتي كارمن وهي تغطّ في نوم عميق، فهي في اجازتها الصيفية ويوم أمس قضته في السباحة في بركة في بلدة كوبر عرفنا عنها مؤخّرا. أخذتُ من قبضة يدي بعض زهرات الياسمين، التي تفطّ منها الرائحة الشذيّة العطريّة ووضعتها على مخدّتها أمام أنفها وهي ما زالت في سابع أحلامها. ما أن شعرت برائحة الياسمين تزكم أنفها حتّى تحرّكت قليلا وازاحت زهرات الياسمين بظهر كفّها وابعدتها مع همهمة:  "بابا بدّي أنام"!!!!

ثمّ ذهبت إلى سرير ابني حمّودة الصغير الذي يغطّ بنوم أعمق وأثقل من شقيقته، ووضعت بعض زهرات الياسمين على المخدّة أمام أنفه، لكنه لم يُحرّك ساكنا ولم تعني له زهرات الياسمين ورائحتها الشذيّة شيئا، وفقط عندما استيقظ بعد أكثر من ساعة سأل:

"من اين أتت زهرات الياسمين على مخدّتي؟؟؟!!!!

كاتب ودبلوماسي فلسطيني

اخر الأخبار