فدائي عتيق يترجّل

تابعنا على:   18:42 2022-06-20

منجد صالح

أمد/ استعرت العنوان "فدائي عتيق" من اسم رواية فدائي عتيق للكاتبة المبدعة الزميلة الصديقة اسماء أبو عيّاش، كتبتها هي اشبه ما تكون بسيرة ذاتية ادبية بديعة حول زوجها ورفيق دربها المرحوم عدنان أبو عيّاش، الفدائي العتيق.

محاسن الصدف اجتمعت بأن ارسلت لي أسماء أبو عيّاش بذاتها وحسن صفاتها نصّا على الواتس آب روّسته ب"نعي صديق عزيز".

وعندما دقّقت في النص وفي النعي وفي "الصديق العزيز" تبيّنت أن المعني بالنعي ما هو إلا "نشأت عمر ابراهيم بوزيّة". يا إلهي كيف تتطابق المصادفات وكيف يلتقي جبل مع جبل ويعود الحاضر إلى الماضي!!!

أرجعني النص الذي بعثته مشكورة لي الاديبة أسماء أبو عيّاش عشرات السنوات إلى الوراء، إلى أيّام دراستي الابتدائية وأنا بمدرسة بلدتي، بلدة المرحوم نشأت أيضا، وبلدة جدّي ووالدي وجدّه ووالده رحمهم الله جميعا. بلدة عائلتينا منذ زمن اجدادنا الكنعانيّين.

عندما كنت في مدرسة القرية الابتدائية "كفل الحارس" كما اسمتها أسماء، واحببت تسميتها هكذا، جاءت جيبات عسكريّة اسرائيلية ذات يوم وحاصرت بيت أبو نشأت الواقع في وسط البلدة، مقابل مقام يوشع بن نون. لم تكن الامور واضحة بالنسبة لولد صغير في مثل سنّي مع أنه كان يُزاملني شقيق نشأت الاصغر عاصم. كنت أنا وعاصم صغارا وكان نشأت شابا.

كلّ ما فهمته حينذاك أن نشأت الذي كان يعيش بعيدا عن القرية قد قام بعمل ما ضدّ اسرائيل. من اجل ذلك وصلت الجيبات العسكرية الاسرائيلية وأخذت أبو نشأت معهم.

لم أسمع شيئا آخر ولم أفهم حينها أكثر من ذلك، ثمّ طوى الموضوع النسيان بالنسبة لي كتلميذ وحتى بالنسبة لشقيقه زميلي عاصم.

أيقظ فيّ ذكريات الصبا النص النعي الذي بعثته لي اسماء أبو عيّاش صباح هذا اليوم.

تقول الأديبة المبدعة أسماء صاحبة رواية فدائي عتيق في نعيها للصديق: " أنعي واسرتي بمزيد من الحزن والاسى الصديق العزيز المغفور له باذن الله تعالى نشأت عمر ابراهيم بوزيّة، الذي انتقل إلى رحمته تعالى الاثنين في عمان عن عمر ناهز ال72 عاما.

ولد المرحوم نشأت في مدينة عكّا عام 1946 حيث كان والده يعمل هناك لأسرة من "كفل الحارس".

في عام 1966 التحق بكلّية الادارة والاقتصاد بجامعة بغداد. وحال احتلال باقي فلسطين "الضفة الغربية وقطاع غزة" عام 1967 من عودته إلى وطنه.

التحق حينها بالعمل الفدائي حيث اختار "الهيئة العاملة لتحرير فلسطين" التي كان يقودها د. عصام السرطاوي.

في عام 1970 قاد عمليّة فدائيّة جريئة في مطار ميونخ ضد "أهداف صهيونيّة".

تمّ اعتقاله، وبعد عدّة أشهر أُفرج عنه بصفقة تبادل، فعاد لاكمال دراسته الجامعيّة في بغداد.

يتمتّع الراحل نشأت عمر بوزيّة بأخلاق عالية ودماثة خلق ما جعله قريبا من قلوب أصدقائه. وبهذا تكون بلدة "كفل الحارس" قد فقدت واحدا من ابنائها البارزين.

رحمك الله يا أبا عمر واسكنك فسيح جنّاته، ولا نقول إلا ما يُرضي الله: انّا لله وانّا اليه راجعون".....

وهكذا ينضمّ المرحوم نشأت إلى كوكبة شهداء بلدة كفل حارس، بلدة الانبياء والزيتون والشهداء. ففيها يتربّع ضريح النبي ذو الكفل ومنه أخذت اسمها وضريح النبي ذو النون، ومغارة بنات يعقوب، ومقام يوشع بن نون، قائد النبي موسى العسكري الذي احتل مدينة أريحا، اقدم مدينة في التاريخ وأعمل فيها السكين فذبح سكّانها عن بكرة ابيهم شيوخا ورجالا ونساء وأطفالا ولم يسلم حتى الطفل الرضيع المقمّط بالسرير.

بلدة كفل حارس ولّادة للبطولة والشهداء على مدى تاريخها، تاريخ فلسطين، منذ استشهاد عميد شهدائها فايق صالح الحمادة، من ثوّار ال 36 وأعدمه الانتداب البريطاني في سجن صرفند على أثر معركة بطولية قُتل فيها ثلاثة جنود بريطانين وغنم الثوّار الثمانية ومنهم فايق وحافظ ومحفوظ الشقيقين من قرية بروقين وثائر من عائلة الزير من سلفيت وآخرين، غنموا "بواريد انجليزيّة جديدة" من الجنود البريطانيين القتلى، وقد قامت سلطات الانتداب باعدامهم جميعا بعد أسرهم.

وأن آخر شهداء كفل حارس (كفل الحارس حسب تسمية اسماء) كان الشاب ابراهيم أبو يعقوب الذي اغتاله جنود الاحتلال المجرمين القتلة قبل ما يناهز العام، وكتبت أنا عنه نصّا جميلا بعنوان: "ابراهيم أبو يعقوب شهيد بلدة الانبياء والزيتون".

رحم الله شهداءنا جميعا، والحريّة للأسرى والشفاء للجرحى والنصر لشعبنا البطل المقدام العظيم.

كلمات دلالية

اخر الأخبار