العرب والغرب علاقة مشوهة.. من المسؤول؟

تابعنا على:   07:18 2022-05-24

صالح عوض

أمد/ العلاقة بين العرب والغرب مشوهة تحتاج الى اعادة قراءة من الطرفين.. ولكن قبل ذلك من المفيد طرح أسئلة بين يدي الموضوع: هل الصراع صراع حضارات ونزاع بين اتباع ديانات؟ أم انه صراع مصالح اقتصادية وسياسية؟ أم انه جهل بالأخر وإساءة ظن تغذيه أيديولوجية تتحرك من حلف المشهد.؟ ولعله من الواضح أن الغرب لم يكرس منهجه ورؤيته على بلاد العرب رغم تفوقه الرهيب على عدة مستويات وهاهو يكتشف ان استعمار عدة قرون ينتهي الى استعادة بلاد العرب استقلالها وسيادتها، ويكتشف العرب ان التحرير الوطني ليس هو نهاية مطاف الصراع بل لعله بداية صراعات جديدة فالى متى تظل معادلة الصراع قائمة بين شمال المتوسط وجنوبه؟
مواقع التناقض:
في الغرب ضخت مكتبات المستشرقين وبعدهم وسائل الاعلاميين الموجهين من دوائر استعمارية حملات من التشويه والتنميط للإسلام وتاريخه ورموزه لصنع فوبيا اسلام.. ففي الغرب توجد قوى ليس من صالحها ايجاد علاقات طبيعية ودية بين شمال المتوسط وجنوبه فهي تتعيش على الحروب وتعمد الى المرابح السهلة في الاستحواذ على الخيرات والثروات في الجنوب.. ففي الغرب قاد المستشرقون عملية الاكتشاف لشخصية العرب بعد ان حقق الإسلام صدمة فجائية صاعقة في غضون قرن من تفوق العرب حضاريا وماديا وتمدد نفوذه ليشمل القارات الثلاث ووجه الغرب بعد ذلك صدمته العسكرية التي لم تحمل أي مضمون حضاري او تفوق ثقافي في اطار حروب الفرنجة على العرب.. كانت حروب عسكرية مشحونة بمقولات دينية متطرفة.. وبعد ذلك جاءت موجات الاستعمار الحديث بمنهجية جديدة حملت معها الثقافة مستعرضة التفوق العلمي والحضاري على العرب الامر الذي شكل صدمة فكرية وثقافية القت بثقلها على النخب الثقافية العربية فتشتت جمعها الى تيارات متناقضة متصارعة وكلها وليد الصدمة.. وتحرك المشروع الاستعماري لتحطيم الكيان السياسي الجامع للامة واستبدال منهجها بدساتير علمانية وتكريس مناهج تربوية تتفق مع رغبات المستعمرين
وفي بلاد العرب لم نتوازن في مواجهة الغرب فذهب بعضنا الى تعميم مخل واصدرنا احكاما سريعة على كل شيء لتشنيعها وتهوينها ورمينا القوم بكل رذيلة اخلاقية وقيمية و اصابنا الشك والريبة في كل تصرف من الغربيين فتكونت لدينا عقد حضارية نفسية وعلمية وسلوكية تجاه الغرب كمجتمعات وحكومات ومؤسسات بل وكأفراد.. كما ان في بلادنا تزايد فهم سطحي للدين يحول جماعة المسلمين حالة عنصرية تعتقد ان الله وجنته فقط لأبناء هذه الجماعة البشرية وان الاخرين نجس ولا قيمة لهم ويرافق هذه الفئة المتدينة فئة مثقفة اكثر بؤسا كونها تستخدم كلمات ومصطلحات ثقافية تشن حملة عنصرية لا مبرر لها وكثير من هؤلاء فقدوا التوازن امام الحضارة الغربية فوجدوا اسهل طريق هو التشنيع والتوجس من كل تصرف وقيمة.. وبدانا نجتر كلمات كالتغريب والاستشراق ونحن لا ندرك حدودهما.. والغريب ان كل من تكلم حول العلاقة بالغرب هم من أبناء الامة الذين عاشوا في الغرب وتمكنوا من وسائله في النقد والتعبير الا انهم في اطار عملية نفسية معقدة لجأوا الى واحد من اثنين اما الرفض الكامل او الانهيار الشنيع امام اللامع من ثقافة الغرب وسلوكه الفاضح ومقولات الديمقراطية والحريات ولم يلتفتوا الى كل منظومات الحياة الادارية والاجتماعية في الغرب وراء ظهورهم فامعنوا في تنفير مجتمعاتنا من الغرب بما قدموه من بشاعة التحلل من القيم ومرتكزات الثقافة الخاصة بمجتمعاتنا كما انهم اسهموا في تمزيق مجتمعاتنا والحيلولة دون فهم الغرب.
وهكذا برزت عناوين ك"الصدام الحضاري والثقافي" و"الخطر الإسلامي على الحضارة الغربية" أو "الخطر الغربي على الحضارة العربية" وإنتاج مفاهيم من نظير "الإرهاب" الأصولية العربي الاسلامية، الإسلام فوبيا، التخلف العربي.. إلخ، أو " الأصولية المسيحية، الحروب الصليبية الجديدة، المؤامرة على العرب والمسلمين ..إلخ"، ولقد اتسعت دائرة الخطر الإسلامي، من وجهة نظر الغرب، من دول عربية وإسلامية "إيران، العراق، أفغانستان".
أن منطق القبول التام أو الرفض المطلق للآخر كان قاعدة لمعظم الدراسات العربية حول الغرب، وهو بهذا يفقدنا القدرة على توليد معرفة دقيقة بالمشكلات القائمة داخل بلادنا وداخل الدول الغربية، وهكذا يتفرع الموقف الى دعوة إلى القطع المعرفي في الحالتين مع حب الغرب أو كرهه، لأننا في مثل هاتين الحالتين نفتقد اللياقة لمد جسور علمية للتعاطي الواقعي معه.. ويجب ان ننتبه ان الاخر ليس منفصلا عنا حتى لو اغلقنا علينا الأبواب والنوافذ فهو جزء تكويني من وجودنا الحضاري والإنساني كما انه ينبغي ادراك ان أي محاولة للحداثة ينبغي ان لا تتورط في جعل الحداثة لصيقة بالغرب لان هذا سيحرمنا نعمة التدبر والتأمل في مكوناتنا الثقافية باتزان.. ان الالتباس في علاقتنا بالغرب يثير فينا مشاعر متصارعة نحو انتاج الغرب الثقافي والمعرفي والمادي ماذا نقبل وماذا نرفض؟.. لكن الذي لا يمكننا تجاوزه ان العلاقة بين العرب والغرب أصبحت أبدية أخذا وعطاء، صراعا وسلما وهنا يصبح البحث العلمي عن قواعد واسس لحوار يحمي المصالح المشتركة أمرا لابد منه..
هنا ندرك حقيقة ان اهم اسباب تخبط البشرية هو إصرار المؤسسات الغربية على عدم فهمنا او على تنميطنا في شكل معين يثير الاشمئزاز لدى الانسان الغربي ويزرع بذور الشك والنفور تجاهنا، وكذلك نكوصنا وتخلفنا عن النهوض لنكون في مستوى رسالتنا رحمة للعالمين رحمة لكل الناس مؤمنهم وكافرهم عربهم وعجمهم.. رسالة تنظم العلاقات بين البشر على قاعدة المصالح المشتركة والحفاظ على الكرامة الادمية والعدل بين الناس بغض النظر عن دينهم وعرقهم..
عناوين "الصدام الحضاري والثقافي" و"الخطر الإسلامي على الحضارة الغربية" أو "الخطر الغربي على الحضارة العربية" وإنتاج مفاهيم من نظير "الإرهاب" الأصولية العربية، الإسلام فوبيا، التخلف العربي.. إلخ، أو "الغرب الملحد، الأصولية المسيحية، الحروب الصليبية الجديدة، المؤامرة على العرب والمسلمين ..إلخ"، كله يأتي في إطار نزعة تيارات في (الغرب والعرب) إلى إلغاء الآخر، اتسعت دائرة الخطر الإسلامي تجاه الآخر، من وجهة نظر الغرب، فأصبح الخطر يأتي أيضا من دول عربية وإسلامية (إيران، العراق، أفغانستان).
إن العلاقة المشوهة بين الغرب والعرب تجد حماة لها ومروجين ومؤججين و رغم ان هناك مفكرين في الغرب متقدمين عن نظرائهم في بلاد العرب من حيث النزعة الانسانية الا اننا لم نرتق على شاطئي المتوسط نحو التحرر من سطوة السياسي والمتخلف سواء..
تصحيح العلاقة المشوهة:
حاول العرب تقديم رؤيتهم لواقع العلاقة مع الغرب فكان ادوارد سعيد وهشام شرابي ومالك بن نبي وعلي شريعتي ووائل الحلاق واخرون وفي المقابل قدم فلاسفة الغرب ومفكروه رؤيتهم للعلاقة مع العرب من صموئيل هيمغتيون واوفوكامايا وكتاب فرنسيون وبريطانيون اهمهم برنارد لويس والمتتبع لمقالات وكتب هؤلاء المفكرين يخرج بنتيجة الصراع الحتمي بين الشمال والجنوب.. وكأن لا استمرار لنمط حضاري الا بتدمير النمط الاخر.. وهو يولد جوا من الترصد والشك بل والتخريب.
ان تصحيح العلاقة امر ضروري لشمال المتوسط وجنوبه فهي تفتح الباب لتوسعة مجالات الحياة السعيدة لسكان الشاطئين بما توفره من تبادل منافع بينهم قائم على روح التعاون والتبادل وليس على روح الجشع والغزو والهيمنة والسيطرة .. وان كان من الصعب اقناع السياسيين بهذا الامر فان المفكرين الغربيين كما علماء الدين المسلمين والمثقفين العرب مدعوون الى نقاش اكثر عمقا حول المصالح المشتركة المتوفرة في ظل سلام حقيقي بين الشمال والجنوب.. فان هذا من شأنه تخفيف حدة السلوك العنصري تجاه بعضهما ومن شأنه الضغط على السياسي للتنازل عن مشاريعه الصراعية..
قد تبدو هذه الفكرة صرخة في واد.. وقد يقول قائل انت تطالب بان نتفهم نحن والغرب بعضنا فيما نحن العرب غير متفاهمين؟ هذا صحيح لكن الاكثر منه صحة ان السبب في الحالتين واحد واننا في حين نتحرر من هبلنا وتخلفنا وجمودنا نحقق الهدف الذاتي ونكون مؤهلين للسير نحو الهدف الموضوعي ..لابأس هذا لا يحزنني بمقدار ما ارى انها شهادة تلقى على الضمير الانساني ليتقدم يفرض نفسه على العقل والسلوك..
اعرف ان علينا جهودا كبيرة في وطننا العربي على صعيد التربية والسلوك والقيم والاخلاق تؤهلنا الى مخاطبة الاخرين الذين يبدون في مجتمعاتهم اكثر انضباطا منا واكثر سلاما منا واكثر احتراما للآخر منا واكثر ايجابية نحو الاخر.. بالإضافة الى جملة قيم مهمة جدا على راسها احترام العمل والوقت والانتاج.
نحن في حاجة لإعادة القراءة ومد جسور موزونة لالتقاء وحوار وتبادل منافع وهكذا لعلنا نتمكن من كسر ناب الغرب الاستعماري ولعلنا نكون تحررنا من افهام متحجرة مغلوطة عن العلاقة بالآخر المخالف لعقيدتنا ولكنه الشريك لنا انسانيا.
أصبح "الإرهاب" صفة ملاصقة للعرب والمسلمين في نظر الاعلام الغربي الموجه، ويعتبر بعض الغربيين أن العرب هم مصدر العنف والإرهاب في "الشرق الأوسط،" حيث تم العمل على قلب الروايات فاصبح أصحاب الحق في خانة الإرهابيين واصبح الكيان الصهيوني واحة الديمقراطية في صحراء قاحلة وذلك رغم ما يصدر من دراسات في الغرب كالتي صدرت عن جامعة لويس فيل الأمريكية، عن العلاقة بين الأديان والجرائم البشرية خلال ألفي عام، كان الدين المسيحي هو الأول بنسبة (30.7%) من الجرائم البشرية الكبرى، فيما احتل الدين الإسلامي المرتبة قبل الأخيرة بنسبة (5%) فقط.
وبنظرة متفحصة، يتضح ان الغربيين نظروا إلى العرب والمسلمين "نظرة سطحية أحادية البعد" تبتعد عن النهج العلمي المتوازن الشفاف، وذلك بطريقة موجهة كما ذهب الى القول ادوارد سعيد في كتابه الاستشراق وذلك بحثا عن "عدو جديد، وفي الجهة المقابلة، فإن نظرة بعض المتشددين العرب، نظرة جامدة مغلقة، لم تكن سوية في نظرتها للغرب.
والامر المزعج أن غالبية العرب والمسلمين ألقوا بمسؤولية تخلفهم السياسي والمادي على الغرب، فوقعوا في ثنائية متناقضة ففي حين رفضوا الإنتاج الغربي الإنساني المعرفي في مجال الإدارة والمؤسسات و الحرية والديمقراطية والانتخاب وتجارب العمل الاجتماعي إلا ما ندر، كانوا أكبر سوق مستهلكة للمنتج الغربي، واكبر مزود له بالطاقة والمواد الاساسية في ذات الوقت!
واقع الحال يقول ان العلاقات العملية واسعة استيرادا وتصديرا وتفاعلا ثقافيا باي مستوى كان ومع هذا أيضا تأثر وتأثير متبادل حتمي تزيده طفرة المواصلات والاتصالات وجاهة وجدوى وقوة .. وهنا يتضح المقصود من المقال انه لا يتحدث عن تبادل تجاري ولابعثات تعليمية انما يتحدث عن منافع استراتيجية متكاملة وهو يؤكد كذلك على ضرورة ان يتحرك أصحاب المال على الشاطئين للضغط من احل اسناد فكرة الحوار وتحويل المتوسط بحرية مشتركة تفرض فيها تقاليد شراكة وتعاون مفيدة
ان الموضوع يطرح الان من باب الثقة بأن البديل عن الحوار والتفاهم الاستراتيجي انما هو حرب لاتضر ولا تكسب أصحابها وتزيد توترات المشهد العالمي وتعقيده ورغم ان مركز الصراع ينتقل الان على الخطوط الفاصلة بين شرق اوربا وغربها وقد يتوسع في اتجاه تايوان والصين الا ان العلاقة بيننا والغرب ضروري ان تفتح على أرضية الاحترام المتبادل والالتزام بقوانين تعارف عليها الناس وتجعل الحروب خلف ظهرها

كلمات دلالية

اخر الأخبار