مداخلة في حفل إطلاق ديوان "أنا سيد المعنى" للأسير ناصر الشاويبش"

هوية الزمن في زمن الهوية

تابعنا على:   08:43 2022-05-18

الأسير حسام شاهين

أمد/ أخواتي... أخوتي... أيها الحفل الكريم،
تحية فلسطين النابضة فينا روحاً وحياة وبعد،
منذ الوهلة الأولى التي طرح فيها علي أخي وصديقي ورفيقي حسن عبادي "حسن الجسر"، فكرة المشاركة بإطلاق ديوان شعري لأخي وصديقي العزيز، رفيق  القيد والمعاناة، الأسير الشاعر ناصر الشاويس، راقت لي الفكرة كثيراً، وألهبت مشاعري وخيالي، خاصة بأن عملية الإشهار ستتم على أرض قنير المهجرة، البلدة الجميلة والوادعة، التي ينتمي اليها ناصر أباً عن جد، فقلت لنفسي إنها فكرة جديدة وخلّاقة، ولا بد لي أن أشارككم ما أثارته في داخلي من تفاعل وتصورات، وما حرّكته من مشاعر.

فصوابية الفكرة تشدك كثيراً، لأنها مبنية على أهمية ووجوب التفكير بأصحاب المكان، لا بالمكان نفسه مع عدم التقليل من شأن ذلك، وإنها تحثنا على تخيل حياة الناس الجميلة والبسيطة قبل الاحتلال، لأنها محاولة أخلاقية لإحياء زمن ما قبل النكبة بكل ما فيه من حياه، ففي هذه الفعالية الفريدة يتم إعادة أبناء قنير إليها، وإعادتها إليهم، حتى وإن جاء ذلك عبر ديوان شعري.

لقد تخيلتها لحظة زمنية فارقة، يصارع فيها التاريخ الفلسطيني كل من سرقوه، وحاولوا تشويهه لصالح رواية مختلقة، فالاستعمار يستطيع أن يزور المكان، لكنه، مهما بلغ حجم قوته ودهاءه لن يستطيع أن يزور حياة الناس، بكل منغصاته، وليس بمقدوره سلب روح المكان الذي ينبض بذكرياتهم، وقد فشل في ذلك فشلاً ذريعاً على مدار أربعة وسبعين عاماً.  وهذا ما يفسر حملته المسعورة لشطب وجود الأنوروا كخطوة استراتيجية على طريق شطب قضية اللاجئين، الشاهد الحي على حريمته البشعة.

المكان بلا حياة، تنبض في سهوله وتلاله، أوديته وشعابه، بساتينه وحقوله، يتحول إلى زمن فارغ، الناس هم الذين يحيون الزمن ويملؤنه بحيويتهم، وأفراحهم وأتراحهم، بمشاجراتهم ومشاحناتهم، بحركتهم العفوية والمنظمة، هم الذين يحولون الزمن إلى إنتاج؛ إلى شجره وحديقة، بيت صغير وعمارة، شارع ودكانة، مسجد وكنيسة، مدرسة وعيادة صحية، جمعية خيرية ونادي رياضي، وكل ما يؤثث الزمن بعوامل الحياة، ويملؤها بصخبها ووداعتها!!

وهنا تهاجمنا الأسئلة الثقيلة: ما الهدف من النكبة؟ ماهو المخطط الخبيث والإجرامي من وراء إرتكابها؟ وكيف نفهمه اليوم؟

لقد سعى الاستعمار الصهيوني منذ البداية إلى قتل المكان بإقتلاع سكّانه منه على أمل إقتلاعه منهم بمرور الزمن، مراهناً على ذاكرة النسيان، فإفراغ المكان من سكانه الأصلانيين، وفق حساباته وأهواءه هو إفراغ للزمن-المكاني من الحياة، وإفراغ للمكان من زمنه الحي، أي من الناس، كل ذلك تمهيداً لملئ الفراغ الزماني والمكاني، بزمنه هو، الفراغ الذي أحدثه بالسطو المسلح والقوة العسكرية، ومن ثم دأب على إنشاء واقع إصطناعي جديد، يحل فيه القاتل مكان القتيل بكل برودة أعصاب وعنجهية مقززة ومقرفة، معتقداً أنه بذلك يستطيع تزوير التاريخ، وخلق حقائق جديدة، متجاهلاً أن أربعة وسبعين عاماً من الاحتلال لا يمكنها أن تمحو زمن خمسة آلاف عام من الوجود الفلسطيني، وبأن هوية القادم الجديد مهما بلغت دقة فبركتها، لا يمكن أن تنفي هوية اللاجئ والمهجر من وطنه وإن تراكم عليها الغبار، ناهيك عن البقية الباقية من الفلسطينيين الأصلانيين في الداخل المحتل، الحارس الأمين على التاريخ والمكان والزمان والذاكرة، الذين عجزت عن أسرلتهم كل مؤسسات الاحتلال وأدواته على مدار عمر النبكة وحتى اليوم.

اليوم استطاع صديقي حسن عبادي ومن معه من أحبة وأصدقاء، بكل حنكة وذكاء من إحالة  قنّير المهجّرة إلى حلبة مصارعة، يتصارع فيها التاريخ الحقيقي والطبيعي مع التاريخ المزوّر والإصطناعي، وهم يدركون تمام الإدراك بأن إمكانية إنتصار الآله على الطبيعة، إمكانية واردة جداً بحكم التقدم التقني والقوة، لكنهم في ذات الوقت يعون تماماً بأن طرح الحقيقة كما هي، وببساطة مجردة أمام الرأي العام الدولي والإقليمي، أبلغ من كل الفذلكات والخطابات الطنانة، وأعمق تأثيراً، فلا أحد حول العالم يمتلك ذرة إنسانية واحدة، يمكنه/ها أن يتعاطف مع الجرّافة ضد الشجرة، ولا مع البندقية ضد الحياة، ولا مع القاتل ضد الضحية، ولا مع اللص ضد المسروق، ولا مع المستعمر ضد المُستعمر والمشرد من وطنه، ولا مع الكراهية ضد الحب، هذه هي النكبة، وهذا ما ألحقته بشعبنا من ظلم ودمار، هذه هي هويتها القاسية والمؤلمة، الهوية التي يستحيل معها، مهما طال الزمن أن تحل مكانها هوية "الإستقلال" لكيان طارئ وغاصب مهما بلغت قوته؟!
 

كلمات دلالية

البوم الصور

اخر الأخبار