
ياسر عرفات..صاحب الجنازات الثلاث
أ.د.حسين أبو شنب
بعيداً عن الهرج والمرج، والتمرد وغير التمرد فإن ياسر عرفات ظاهرة أكبر من الكل، وفوق كل قول ومساحة الحب له أوسع كثيراً من تمّرد وإخوانه، ومن سرح في خيال التقليد والمحاكاة، ولأنه ياسر عرفات فقد علا الصوت تعبيراً عن الوفاء والعهد والقسم، وفجّر الكثير من دفقات الحب بالأشكال الوطنية المختلفة بعيداً عن المماحكات الفئوية والعصبية، فهو في القلوب والأفئدة، وملء العين والبصر، وشاهد حيّ يتجسّد وعياً في العقول والإدراك.
إنه ياسر عرفات، مفجّر الثورة، ومؤسس الوعي النضالي المقاتل، ورافع راية الحرية والإستقلال، وجامع القلوب وموحد الشعارات "كل البنادق إلى صدر العدو" "ديموقراطيتنا"، "ديموقراطية غابة البنادق" وحامل غصن الزيتون ونداؤه الرائع في الأمم المتحدة، لا تسقطوا الغصن الأخضر من يدي، من فلسطين يبدأ السلام ومن فلسطين تندلع الحرب، ولن يكتمل حلم القائد إلا بك ياقدس، عاصمة دولة فلسطين.
• ياسر عرفات علا فوق الخلافات وجعل البوصلة واضحة، جهاد حتى النصر، ننحني للشهداء ونشمخ في مواجهة الأعداء، ومرحى لفارس بني عودة، وأهلاً بالأحرار ومن كل مكان.
• هو ياسر عرفات الذي تحدى قمة الوفاق والإتفاق في نوفمبر عام 1987، ورفض كل اطروحات الإلتفاق والإحتواء والتجاوز، مصّراً على ما عاهد الله عليه، شهيداً شهيداً وليس طريداً أو شريداً، فكان الصمود منقطع النظير فكانت الإنتفاضة بعد شهر بالتمام والكمال من قمة "الوفاق والإتفاق" وكان الشموخ لشعب لا يقبل بغير الشموخ وبغير الحرية والإستقلال.
• ياسر عرفات يستعصي على الكسر ويتحدى صلباً عنيداً مؤمناً معاهداً يواجه الحصار والدمار الذي وصل حتى إلى حيث ينام، وحيث يتحرك، وخابت دبابات الصلف والإنكسار وظل ياسر عرفات مع رفاقه الصامدين يقاتل وينادي المقاتلين ويتطلع إلى لقاء ربّه راضياً.
• في الخامس والعشرين من أكتوبر عام 2004، اشتد به المرض، فانتقل إلى عمان حيث طبيبه الخاص والإمكانات الطبية الأردنية، وبالرغم من المعاناة فقد صعد إلى المروحيه وهو يودع شعبه وأحباءه بالقبلات، يبعث برقيات إلى الأمة العربية والإسلامية، القدس أمانة في أعناقكم.
• في التاسع والعشرين من أكتوبر عام 2004، تنقله الطائرة الفرنسية إلى باريس لعلاج أكثر دقة وأكبر في الإمكانيات، ويتحلق الأطباء حوله من كل مكان حباً وتحية ودون مقابل، لأنه ياسر عرفات الذي اعترف به العالم كله ممثلاُ لحركات التحرير في العالم.
• ويأتيه الرفاق والاصدقاء، وكان أمره للقيادة الفلسطينية، اصرفوا الرواتب، ويوقع وقلمه بين أصابعه مودعاً شعبه وأهله وأمته، هذه وصيتي، توحدوا، سيروا على الدرب، ولا تغمدوا سيوفكم..
• في الحادي عشر من شهر نوفمبر عام 2004، تصعد روحه الطاهرة إلى بارئها محفوفة بنداءات الحب وصرخات الألم ودفقات الوداع، وجميعها تبتهل إلى الله العظيم أن يشمله بنعمائه ورضوانه وأن يسكنه فسيح جناته.
• وتتجلى عظمة الله في الرعاية فيكون ياسر عرفات الأول في التاريخ صاحب الجنازات الثلاث، في باريس برعاية الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" وفي القاهرة برعاية الرئيس "حسني مبارك" وفي فلسطين محمولاًُ في القلوب وفوق الأعناق، سابحاً في أنهار من الدموع حباً ووفاء..
ذلك هو ياسر عرفات..
رحم الله ياسر عرفات