ملاحظات على خطاب السنوار

تابعنا على:   17:38 2022-05-02

عمر حلمي الغول

أمد/ بعد غياب طويل، اطل يحيى السنوار في خطاب نهاية الشهر الفضيل يوم السبت الموافق 30 نيسان / ابريل الماضي حمل في ثناياه بعض النفحات الإيجابية، بيد انه غطاها بدخان كثيف من الملاحظات السلبية. واعتقد ان الخطاب جاء بعد ان شعرت حركة حماس عموما وقيادة الانقلاب التنفيذية في غزة خصوصا باتساع الهوة بين الحركة والجماهير الفلسطينية لاعتبارين، الأول تنفيذ ابطال كتائب الأقصى الفتحاوية عددا من العمليات الفدائية الهامة، مما اعطى مصداقية عالية لحركة فتح في أوساط الشعب، بعكس حركة حماس؛ والثاني تركيز حماس على خطاب ومفاعيل التهدئة، والاكتفاء ببيانات دنكشوتية في الهواء، رغم التصعيد الكبير وفرض التقسيم الزماني والمكاني في المسجد الأقصى، الامر الذي سبب احراجا لحركة "المقاومة" الحمساوية.

وبودي ان اشكر قائد حماس في غزة، على تبنيه ملاحظاتي التي دونتها على موقعي في "تويتر" حول الرقم 1111، حبث تمنيت لو ان زعيم حماس يربط بينها وبين ذكرى رحيل الرمز أبو عمار، والتي حصرها سابقا في اجتماعات داخلية ومع القوى السياسية بعدد القذائف التي ستطلقها حركته في الرجمة الأولى في أي معركة قادمة.

واهم الإيجابيات في خطاب أبو إبراهيم هي كشف الغطاء كليا عن النائب في الكنيست الإسرائيلي، منصور عباس، عندما عراه كليا، واتهمه بشكل مباشر دون مواربة او تأويل بالخيانة. ومطالبته زعيم كتلة "القائمة العربية الموحدة" بالانسحاب فورا من الائتلاف الحكومي. وأيضا دعوته وتأكيده على أهمية العمليات الفدائية البطولية، وان خانته الفطنة او خان من اعد له الخطاب أهمية وضرورة ربط تلك العمليات بأكثر من عامل، الأداة القيادة الواحدة، الخطة والبرنامج الوطني الناظهم لاشكال الكفاح المختلفة، واليات العمل المنظمة للقيادة الوطنية الموحدة. ولفتته الإيجابية لدور ومكانة أبناء حركة فتح في امتشاق سلاح المبادرة في انطلاقة الثورة، وفي ديمومة العمل الكفاحي الفلسطيني.

لكن خطاب زعيم حماس شابه الكثير من الملاحظات السلبية، التي عكست نفسها على الرجل وفرع جماعة الاخوان المسلمين في فلسطين، منها أولا بدا السنوار متوترا ومنفعلا، وكأنه يقول للمستمع في رسالة ضمنية، لا تؤاخذوني، انا مضطر لهذا الخطاب، وارغمت عليه لعوامل داخلية حمساوية وشعبية فلسطينية، ولحفظ ماء الوجه امام الشارع الفلسطيني، وهذا ما عكسته وتيرة الخطاب المشدودة والمضغوطة، حتى انه تعلثم نتاج الانفعال مرتين، كما ان لغة الجسد أعطت المراقب الموضوعي هذا الانطباع؛ ثانيا لم يشر من قريب او بعيد للوحدة الوطنية، ولا للمصالحة، ولا للنظام السياسي الفلسطيني ولا لمنظمة التحرير، وهذا خلل كبير، ويعكس التجاهل المقصود لاهم عوامل الصمود والمواجهة مع الاستعمار الصهيوني؛ ثالثا ارتباطا بما تقدم، وبشكل غير مباشر أشار السنوار، الى ان حركة حماس في قطاع غزة، هي من يملك القرار السياسي والعسكري، وهذا منتهى الغباء والهبل والاستعلاء السياسي، الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، لانه ومن خلفه التنظيم الدولي والقوى المساندة له، يعلمون ان القرار السياسي والعسكري بيد قيادة منظمة التحرير شاء من شاء وابى من ابى؛ رابعا الاندفاع الفضيحة نحو مستنقع الخطاب الديني، والانجرار لمتاهة الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، والتساوق من حيث يدري او لا يدري إلى مجهول الخطاب والصراع الديني، وهو ما يتنافى مع طبيعة الصراع السياسي للمسألة الفلسطينية، وعلى أهمية ومكانة ورمزية الأديان، ألا انها تبقى جزئية ثانوية في ملف الصراع، وبغض النظر عن الخطاب والهدف الإسرائيلي من إسباغ الصفة الدينية على المعركة السياسية، الا ان الخطاب الفلسطيني يحتاج دوما إلى الرجاحة والعقلانية والالتزام بالخلفية السياسية القانونية التاريخية للصارع، وليس الركض في متاهة الحريديم الصهاينة. ويفترض ان يعلم السنوار وكل اقرانه في حماس، ان إسرائيل ليست اكثر من أداة وظيفية لخدمة المشروع الاستعماري الغربي، الذي يستهدف الامة العربية وشعوبها من المحيط الى الخليج؛ خامسا اطلاق تهديدات على مستويين في القدس العاصمة عموما والمسجد الاقصى خصوصا، وعلى جبهة البحر وفتح ممر آمن من والى شواطئ غزة، رغما عن الإسرائيليين وحلفائهم امر فاقع في جهالته، وتخلفه واستغبائه للناس وللذات والمنطق، وهو يعلم ان حركة حماس وتركيا جربا سابقا هذا الامر وفشلا فشلا ذريعا. وبالمنطق والعقل لا يملك السنوار وبحريته وقذائفه القدرة او القوة التي تسمح له بفرض أي شيء. كما ان تهديداته بشأن القدس تحمله اكثر مما يحتمل، وما هو فوق طاقته، اذا افترضت حسن النية والخلفية الإيجابية عند أبو إبراهيم؛ سادسا على أهمية وقوة وجدارة العمليات البطولية لكل من رعد فتحي حازم، وضياء حمارشة وغيرهم من الابطال، ولكن كان على السنوار ان لا يطلق العنان للعمل الفردي دون ضوابط وحطة وطنية عامة، ودون إقامة القيادة الوطنية الموحدة، التي لم يتطرق لها قائد حماس، وانما حصرها في فريق دون غيره، مع انه "تغنى " بدور ومكانة حركة فتح، لكنه تجاهلها في الحديث عن الجبهة الوطنية. كما لا تستقيم الدعوة لمواجهة الاستعمار الإسرائيلي الاجلائي الاحلالي بالعمل الفردي لوحده، على أهميته ودون الانتقاص من فعالياته في لحظات سياسية بعينها، وانما أولا وعاشر والف تحتاج المواجهة الى الوحدة الوطنية، وتعزيز عوامل الصمود لمواجهة التحديات، وليس التخندق في امارة غزة، واعتبارها المرجعية الوطنية؛ هذه خطيئة لا يجوز القفز عنها، او اعتبارها خروجا عن النص، لا بل هي في جوهر النص المكتوب، وعنوان ورسالة السنوار وحركة خماس للوطنيين جميعا وليس لفتح لوحدها. من يريد التحرير عليه العودة للوحدة الوطنية ولتعميق النسيج الوطني والاجتماعي والثقافي.

وهناك الكثير من النواقص شابت خطاب زعيم حماس، ومن بينها حصرا، اللغة العنترية المتشنجة والتشبيحية، وهذا الخطاب يضر اكثر مما يفيد، ولا يخدم بحال من الأحوال معركة الشعب العربي الفلسطيني، ولنا تجربة مريرة مع نماذج سابقة منها خطاب احمد سعيد، والشعارات القومجية الديماغوجية، التي رفعتا الحركات والفصائل والأحزاب القومية سابقا وأدت لنتائج عكسية واساءت لكفاح الشعب الفلسطيني والأمة العربية،

ومن يعتقد ان هكذا خطاب يصب في المصلحة الوطنية يكون جانب الصواب. نحن لسنا بينت ولا لبيد ولا نتنياهو ولا غليك ولا بن غفير وسموتييريتش ومن لف لفهم من الصهاينة الفاشيين، نحن الشعب العربي الفلسطيني صاحب الحق والتاريخ والتجربة الكفاحية العظيمة، ونملك المنطق والعقل البارد لمواجهة الغطرسة والعنصرية والفاشية الصهيونية بالشجاعة الفكرية والسياسية والكفاحية، وليس بمنطق "عليهم يا رجال"، هذا المنطق مردود على السنوار ومن لف لفه من المعجبين بخطاب الجعجعة.

مع ذلك يمكن للسنوار ان يراجع خطابه، ويدقق جيدا فيما يجوز ولا يجوز. وان كان يملك عقلا منفتحا وقابلا للنقد الموضوعي، فليراجع ذاته، ويعيد النظر في  ما ذهب اليه، وليعمل على تصويب ما شاب خطابه ليجد صداه على الأرض.

كلمات دلالية

اخر الأخبار