هل يتعامل الغرب بمكيالين تجاه القضايا المتشابهة

تابعنا على:   16:33 2022-04-27

صالح عوض

أمد/ عتابنا للغرب على سلوكه نحو قضايانا.. هل هو مبرر وماذا نريد من الغرب؟ من جديد تطل علينا أزمة الوعي بالآخر بل وحتى بالذات في معركة طاحنة بيننا والآخر.. ومن حين الى آخر وكلما استجدت قضية على المستوى الدولي والإقليمي تساءلنا لماذا يكيل الغرب بمكيالين لماذا لم يقبل الامريكان ان تمتلك كوبا الشيوعية سلاحا استراتيجيا في حين تريد لأوكرانيا ان تمتلك كل ما من شانه تهديد روسيا؟ غزو الجيش العراقي للكويت ولكنه يسكت عن غزو الصهاينة لفلسطين؟ وعندما أراد الصرب السيطرة على يوغسلافيا لما اصر الغرب على تفتيت البلاد وقمعوا الصرب بلا رحمة؟ وعندما اذاع الامريكان ان القاعدة دمرت برجين شنت جيوش أمريكا حربا استمرت عشرات السنين ضد أفغانستان وقتلت ودمرت وفعلت الأفاعيل فلماذا يرفض الغرب مقاومة الشعب الفلسطيني لمن يقتل ابناءه ويحتل بيوته ويدنس مقدساته؟ وعندما غزا الجيش الروسي أوكرانيا جاءت أمريكا من على بعد الاف الكيلومترات بسلاحها وتهديدها لتحشد قوى العالم ضد روسيا وتزود الاوكرانيين بشتى أنواع الأسلحة المتطورة.. ولماذا يظل الشعب الفلسطيني بلا عون دولي بل بمعاقبة كل من يحاول ان يمد له يد العون.. لقد فتح الغرب ابوابه لملايين الاوكران لاجئين بدرجة سياحية في خلال أسابيع قليلة فيما عانى ويعاني كثير من اللاجئين العرب السوريين والعراقيين خطر الموت غرقا ولا يصلون الى وجهتهم.. هذه أسئلة من مجموعة أسئلة متنوعة يسوقها كثير من ساستنا ومثقفينا كلما حدث تطور او موقف جديد للأمريكان والغربيين.
أبادر للإعراب عن يقيني بأن الغرب لا يتعامل بمكيالين بل بمكيال واحد دقيق وحساس تماما، وان كل الادعاء بان الغرب يكيل بمكيالين مجرد وهم قائم على رؤية ساذجة سطحية، وهنا اعرب عن دهشتي من منطق الساسة الفلسطينيين والعرب ومعهم رهط من المثقفين العلمانيين او السذج البسطاء الذين استغربوا تعامل اوربا وامريكا ضد الغزو الروسي بينما اصاب الغربيين البلم ازاء الاحتلال الصهيوني لفلسطين..
وحتى نجد عذرا لمن يقول هذا الكلام نتساوق مؤقتا مع القائل: قد يفيد مثل هذا الكلام في العمل الدبلوماسي والسياسي.. ولكن الا ترون انه يضرب راسه في حيط المصالح والقناعات الغربية التي لاتتردد في تجاوز أي اعتبار الا مصالحها.. وهكذا يتجلى لنا السر في ان السبب في دعم الغرب لاحتلال فلسطين هو نفسه السبب في التصدي لاحتلال اوكرانيا.. وهو السبب في تدمير يوغسلافيا واحتلال العراق وأفغانستان.. السبب نفسه والمكيال نفسه.
الغرب غير متناقض ولايزن بمكيالين ابدا.. انه يزن بمكيال واحد انه مكيال مصالحه الاستراتيجية وهيمنته على العالم لاسيما العالم المستضعف.. ولكن الخلل اصاب سياسيينا ومثقفينا الذين انصرفت اذهانهم لتصور ان هناك قيمة للقرارات الدولية والجمعية العامة للامم المتحدة وسواها من منظمات..
لاننا لم نعرف ان هذه المؤسسات فقط يمكن ان تتحرك عندما تكون مصالح الغرب مهددة بشكل مباشر وخطير.. عندها ترى العواصف والزلازل تجتاح المستهدف .. وهكذا نجد انفسنا من خلال رؤية ما هو خلف المواقف التي تبدو متناقشة نقف على حقيقة الموقف الغربي الذي لا يعتبر مرجعية له لا القانون الدولي ولا الأعراف الإنسانية انما المصلحة الاستعمارية.
طريقة واحدة للتعامل مع الغرب:
مرة أخرى يجب اعادة الاعتبار الى مفهوم القوة في التعامل مع القضايا لان اللصوص والانتهازيين لا يكترثون بمنطق الاستجداء والتذلل والتعيش الرخيص.. ففي العلاقات الدولية لا مكان للضعيف في رسم الخرائط وشروط التعامل.. في العلاقات الدولية لا شيء يراعى الا المصالح بكل أنواعها.. والقوة هنا لا تعني بالضرورة قوة عسكرية انما تعني منذ اللحظة الأولى قوة في الرؤية والمنهج والتمسك بالحقوق دون مواربة لان الغرب لن يرضى منا أي مستوى بل هو دوما يتجه للحديث عن الحدود الأدنى واضعا مقدساتنا وحقوقنا الشرعية تحت طائلة السمسرة والمزايدة.. وبمجرد قبولنا بالحد الأدنى يصبح بالنسبة له حدا اعلى يجب التنازل لحد ادنى اخر وهكذا من نصف فلسطين اصبحنا الان محاصرين بالمطالبة بخمسها وعندما وجد الاستعماريون اننا نحرجهم بتنازلاتنا غير المتوقعة ذهبوا للحديث عن ثقافاتنا وروايتنا الفلسطينية بمعنى يجب ان ننسى انفسنا وننكر ذاتنا.. وهنا يجب القطع بالقول اننا لو تنازلنا عن كل شيء مهما كان أساسيا لنا فان هناك مطالب جديدة سنكون مضطرين تبنيها..
لقد قدم السياسي الفلسطيني من اقصى يمينه الى اقصى يساره اكثر مما طلب منه فلئن كان مطلوبا منه التنازل عن 50 بالمائة من ارض فلسطين ليقام عليها الكيان الصهيوني مقابل الاعتراف له بالنصف الاخر ليقيم دولته وبالإضافة الى ذلك حق العودة والتعويض فهو- السياسي الفلسطيني- الآن يقر بوجود اسرائيل على 80 بالمائة من ارض فلسطين ويتكلم عن العودة بلغة باهتة فيما لم ينل ال20 بالمائة التي طالب بها ولايزال يعتبر المطالبة بها هي المشروع الوطني الفلسطيني.
مثل هذا الموقف يعبر مباشرة عن عدم ادراك لطبيعة العدو ومصالحه المقصود هنا من يدعم الكيان الصهيوني ويعبر بدقة عن عدم ادراك اي مرحلة من الصراع نحن ويعبر عن فوضى المفاهيم والقيم وعدم القدرة على ترتيب جملة مناسبة عن الواقع كما انه تنازل مجاني بلا مقابل..
مرة أخرى نحن مدعوين لإعادة بناء قاعدتنا الفكرية والسياسية بحقائق وعلم وليس بأوهام.. نحن بعد رحلة الفشل والخسران التي توجت باتفاقية أوسلو ومنذ التيه السياسي الذي أعقب تبنينا لمشروع النقاط العشر حسب البرنامج المرحلي في 1974 نستطيع القول أن مسيرة التسوية بالطريقة التي تقدمت بها إنما هي في الحقيقة كانت لتصفية القضية الفلسطينية بموافقة فلسطينية والا كيف نفهم ان تلجا اسرائيل الى التوسع الجغرافي في اراضي الضفة الغربية وتنشر المستوطنات لتجعل من المدن والقرى الفلسطينية جزءا من الكيان الصهيوني فيما نحن لا نملك التصدي والوقوف وهنا المقصود تحويلنا الى شهداء زور على ابشع جريمة ترتكب في حق شعب.
من جديد يجب اعادة النظر الى الغرب من هو وهنا لابد من معرفة تحيط بالغرب تكوينه الثقافي وتنوعه السياسي والنيوي فهنا يجب ان لاينفرط التوازن لدينا فالغرب المجتمعات فهي ككل المجتمعات البشرية ولعلها اكثرها نضجا وهي تسير بتطور نحو الانحياز لروايتنا ودحض الرواية الصهيونية وكذلك البرلمانات الغربية فهي تؤكد من حين الى اخر انها مع القضية الفلسطينية وتدين إجراءات العدوان الصهيوني وتؤكد على ضرورة الاعتراف بالدولة الفلسطينية.. لكن الشركات وراس المال ولوبيات السياسة الخفية والتي تقف خلف الحكومات والقرارات المصيرية فانها جميعا لم تجد نفسها مضطرة للتفاعل الإيجابي مع القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني ولا تجد نفسها في وارد التراجع ذلك لانها منذ ميلاد المشروع الصهيوني كانت المغذي له والحامي وهي من رعاه ورباه وغرسه في فلسطين فلا جديد بالنسبة لهذه الدوائر لكي تغير امرها لاسيما وان لاتهديد اقتصادي حقيقي يلوح في الأفق.. إعادة التفصيل في الموقف الغربي ضروري تماما وذلك واعادة تقييم خطابنا اتجاهه.. انه يرى في روايتنا المشروخة سببا في ارتباك الرؤية لدى مثقفيه وكثير من ساسته.. الغرب على صعيد الشعوب والنخب يرى في الحق الفلسطيني رمزية خاصة تستحق الاحترام ويندفع في التعبير عن مواقفه كلما سنحت الفرصة بل لعل المدن الاوربية والأمريكية كانت من انشط المظاهر تنديدا بالعدوان الصهيوني المتلاحق على غزة والشعب الفلسطيني في حين لايمكن تجد مظاهرة او مسيرة مؤيدة للعدوان الصهيوني او لإسرائيل.. واما الغرب على مستوى الحكومات فمصالحها لازالت في وجود الكيان العنصري في فلسطين تدعمه بالسلاح والسياسة والامن رغم ان الغرب على مستوى الكتل البرلمانية والمجالس التشريعية قد قرر الوقوف مع الفلسطينيين في نصالهم وحقهم في تقرير المصير.
من هنا بالضبط يجب اقفال المرحلة السابقة والاعلان عن فشل المناورات السياسية وان الموضوع يعود الى اصله فلسطين بلد الانسان بلا عنصرية ولا جريمة.. وان اي كيان على اساس العنصر الديني هو امر مرفوض قطعا وان ارض فلسطين تعود الى اصحابها الفلسطينيين بكل طوائفهم ومذاهبهم وانه لن يقبل دون ذلك حتى لو استمر الكفاح الف سنة حينذاك سنساعد الشعوب والنخب الاوربية في بلورة موقف حقيقي تجاهنا وحينها سنمثل الضغط المطلوب لاحقاق راي عام دولي محترم يتطهر من تورطه في الدفاع عن انصاف الحلول بل ارباعها وضياع الحقوق والجريمة بحق الانسانية

كلمات دلالية

اخر الأخبار