قراءة اولية في إخفاق استراتيجي

تابعنا على:   14:35 2022-04-08

أمير مخول

أمد/ أخفاق جهاز الأمن العام الشاباك يعني بالمفهوم الاسرائيلي تحوُّل حدثٍ موضعيّ الى حالة إرباك استراتيجي. إنه تصدّع في الردع وإرباك استراتيجي سياسي-أمني، ومؤشّر على التصعيد العدواني القادم في مسعىً لاستعادته، وربّما التقاط صورة انتصارٍ ما، ولن يكون مفاجئا اذا لجأت اسرائيل الى تصعيد عدواني شامل على الشعب الفلسطيني، او الى سياسة التصفيات، وغير ذلك.
في اعتبارات جهاز الامن العام وكما عبّر عنها رئيسه الأسبق يورام كوهين في مقابلة لبرنامج "عوفداه" مع ايلانا ديان يوم 31/3/2022 فإن اية نتيجة أقل من مائة بالمائة نجاح تعتبر فشلا واخفاقا، ونصح رئيس الشاباك الحالي بالاعتراف علناً بالاخفاق كمقدمة لمعالجته.
إنّ المشهد الليلي مساء الخميس 7 نيسان 2022، وتداخل الادوار وتعميق الإرباك الذي بثته شاشات التلفزة بين قوات الأمن بما فيها نخبة الأركان العامة، مع هرولة المراسلين الصحفيين، ومع حَمَلة السلاح الذين استجابوا لنداء بينيت "هذا اوان حمَلَة السلاح المرخص"، هذا المشهد هو حالة أخفاق وفشل للمنظومة وكذلك هزيمة معنوية على المستوى الشعبي، كما أنه لن ينقشع قريبا بل قد يتحوّل الى حالة دائمة تقوم فيها قطاعات واسعة من المجتمع الاسرائيلي بدور الميليشيات. إنه بثّ مباشر لحالة تخبّط وتعثّر غير مسبوقة كادت الناس تتمايل فيها يُمنةً ويُسرةً امام الشاشات وهي تشاهد "الاكشن" الذي لا يتقنه اي فيلم اكشن فيه اصطياد للسراب. في المقابل فإن المؤسسة الحاكمة لا تستطيع ان تسلّم بهذه الحالة المعنوية المتردية وفاقدة الاتجاه لجمهورها. وما ينتج عن مثل هذه الحالات، هو عدة مظاهر منها الدعوات للانتقام وبالذات من فلسطينيي الداخل، وكذلك اعتداءات دموية وأعمال لينش، وقد تشمل اعتداءات على المصلين في الأقصى وأماكن التعبّد وهناك من يدعو لذلك علناً، وليس مستبعداً السعيُ الى اقتحام مخيم جنين حتى ولو عملية اجتياح محدودة، في مسعى لتسديد ضربة للكتائب المقاوِمة بما فيها كتائب شهداء الاقصى والتي تعود الى المشهد بشكل جليّ في مواجهة الاحتلال، وهذا مؤشر ايضا لحالة احتقان فلسطيني داخلي لم يعد محتملا.
برغم الاختلاف فيما بينها ودون الدخول بالمواقف في هذا السياق، فإن العمليات في المدن الاسرائيلية في الشهر الاخير وحصريّاً في بني براك وتل ابيب، تشير الى تصدّع جوهري في الردع الاسرائيلي، وهو نتاج تصدّع في الحالة السياسية والاستراتيجية الاسرائيلية بعد أن اعتقدت المنظومة الصهيونية الحاكمة بأنها قد اطبقت على قضية فلسطين وأنهتها ببعض صور القمم غير العالية في دبي والمنامة والدوحة وشرم الشيخ وأخيرا في مستعمرة سديه بوكير. إنّ الحالة الفلسطينية تنعكس ايضا على الحالة العربية والسلوك العربي الرسمي، وتفرض ذاتها على جدول اعمال النظام العربي، وتعوّق الاستراتيجيات الاسرئيلية القائمة على الاستعاضة عن قضة فلسطين بالاستعمار الاقتصادي الذي يطلقون عليه "سلاما اقتصاديا" مٌهيناً.
إنّ عودة قضية فلسطين الى الواجهة تعني سياسيا تصدّعًا أعمق في الائتلاف الصهيوني الحاكم، وهو عامل حاسم في طبيعة الاصطفافات السياسية، والتي بات جدول اعمالها هو التفتيش الفاشي عن "الرجل القوي" الذي يستعيد الأمن والأمان، مقابل بينيت الذي فقد مصداقيته بين جمهور مصوّتيه الاستيطاني والصهيونية الدينية، وبات يبثّ الضعف والإخفاق امام المجتمع الاسرائيلي. في حال سقط الائتلاف الحاكم، ستبقى من بنييت بعد غروبه عن الساحة السياسية دعوته الهستيرية المذكورة الى حَمَلة السلاح بامتشاقه، والتي لن يدفع ثمنها بالدم سوى الفلسطيني في اللد ويافا والقدس والنقب والضفة الغربية وغزة وكل مكان.
اما استراتيجيّاً، فإن عقيدة اللا - حل السائدة والمهيمنة على الذهنية الاسرائيلية قد تدفع كما يحدث منذ الانتفاضة الثانية الى خطوات اسرائيلية أحادية الجانب، على شاكلة اجتياح او انفصال إضافي أحاديّ الجانب. ناهيك عن كون الجدار الاحتلالي الاستراتيجي قد تآكل مفعوله، ولن يكون ممكنا الاغلاق المطبق على جماهير الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية. 
لسنا بصدد مرحلة سهلة، بل من الطبيعي توقّع التصعيد سواء بالعدوان الشامل أم بسياسة التصفيات او في مجال ادوات الرقابة والضبط وتضييق الخناق على الفلسطينيين اينما كانوا. لكن لا مخرج من المعادلة القائمة ومن أنه لا مكان لتجاوز قضية فلسطين، بل في نهاية المطاف فإن الاخفاق الاسرائيلي هو استراتيجي سياسي، وما الأمني الا نتيجة له.

كلمات دلالية

اخر الأخبار