دلالات الحياد الإسرائيلي من العملية العسكرية الروسية ضد حلف الناتو وتداعياته

تابعنا على:   09:58 2022-03-27

أحمد عيسى

أمد/ دخلت العملية العسكرية الروسية ضد حلف الناتو (الأطلسي) في أوكرانيا شهرها الثاني، فيما لا زالت إسرائيل رسمياً تفضل الحياد وعدم التسرع في التموضع لجانب أي من طرفي الحرب، الأمر الذي جعل من هذا الموقف يبدو غريباً، خاصة وأنه كان من المتوقع أن تسارع إسرائيل بالوقوف إلى جانب واشنطن التي تعتبر الحليف الإستراتيجي لها في المنطقة، والتي تقود حلف شمال الأطلسي، وتهيمن على النظام العالمي منذ نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945.  

وفضلاً عن أن موقف الحياد هذا قد اثار موجة عارمة من الجدل داخل إسرائيل وخارجها، لتقديمه إسرائيل وكأنها غير وفية لمنظومة القيم الليبرالية التي لطالما إدعت أنها تجمعها مع حلفائها في الغرب، علاوة على توضيحه أن التحالف الإستراتيجي مع واشنطن الذي يعتبر أحد الركائز الأساسية التي تقوم عليها نظرية الأمن القومي للدولة ليس تحالف دائم وأبدي، والأهم أنه كشف أن إسرائيل، وعلى الرغم من قوتها الإقتصادية والعسكرية والتكتولوجية، إلا أنها تعيش حالة من الضعف والإنكشاف غير المسبوقة منذ قيامها العام 1948.

وهنا ينبغي التوضيح أن حالة الإنكشاف هذه تضيف تحدي جديد إلى جملة التهديدات التي تواجه إسرائيل في العام الجاري 2022، وفقاً للتقديرات السنوية الصادرة عن كل من الجيش ومعهد دراسات الأمن القومي (INSS) والتي كانت قد حددت مصادر التهديدات في كل من (إيران والفلسطينيين والداخل الإسرائيلي)، إذ يكمن هذا التحدي في  صعوبة الحفاظ على التحالف مع واشنطن الذي يعتبر من الركائز الأساسية التي تقوم عليها نظرية الأمن القومي الإسرائيلي، وفي نفس الوقت عدم المساس بالعلاقات التي طورتها إسرائيل مع خصوم أمريكا الرئيسيين روسيا والصين.

وللوقوف على دلالات هذا الحياد والتنبؤ بمسارات تطوره وتأثيره على تموضعها في النظامين الدولي والإقليمي ومنظومة الأمن القومي، هناك حاجة لفهم كيف تقرأ إسرائيل الحرب؟

أما من حيث كيف تقرأ إسرائيل الحرب في أوكرانيا فهناك حاجة للتفريق بين القراءة التي يعكسها الخطاب الإعلامي الذي تعيد إنتاجه وسائل الإعلام الإسرائيلية والذي دأب على شيطنة مبادرة موسكو العسكرية ضد أوكرانيا، وبين قراءة المستوىين السياسي والمهني ممثلين بالحكومة ومؤسسات التقدير الإستراتيجي في الدولة، إذ يرى هؤلاء أن الحرب لا تعكس إصرار موسكو على تحييد أوكرانيا ومنع إنضمامها لحف الناتو فحسب، بل تهدف إلى تغيير طبيعة النظام الدولي (الليبرالي) الذي يهمين عليه الغرب بزعامة واشنطن منذ نهاية الحرب العالمية الثانية العام 1945.

وعلى ضوء هذه القراءة يصبح من المشروع التساؤل من قبل مكونات ووحدات النظام الدولي بما في ذلك إسرائيل: هل ستنتصر واشنطن وحلفائها في هذه الحرب وتواصل هيمنتها على النظام العالمي، أم سيكون النصر لموسكو وحلقائها وينجحون في بناء نظام عالمي جديد ينتقل فيه مركز الثقل العالمي من شمال أمريكا وغرب أوروبا إلى شرق وغرب أسيا؟

تجدر الإشارة هنا إلى أنه فيما من المشروع للشعوب حول العالم طرح هكذا تساؤل في لحظات الصراع الكبرى في التاريخ، إلا أنه في حالة إسرائيل لا يبدو الأمر كذلك، لا سيما وأنها تعتبر المشروع الإستعماري الأبرز للغرب في منطقة الشرق الأوسط، كما أنها لطالما إدعىت أنها تنتمي للمنظومة الإقتصادية والإجتماعية والثقافية الغربية، علاوة على إنتمائها لمنظومة القيم (الديمقراطية والليبرالية وحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها) التي يتباهى بها الغرب على غيره من شعوب الأرض.

ومن حيث دلالات موقف الحياد هذا فتتجلى أولها في إنطواء هذا الموقف على عدم يقين صانع القرار في إسرائيل بأن النصر سيكون حليف شركائها في حلف الناتو، ويمكن الإستدلال على صحة هذا الإستنتاج في تخفيض مستوى تمثيل إسرائيل في الجمعية العامة للأمم المتحدة عند التصويت على قرار إدانة روسيا في بداية شهر مارس الجاري، علاوة على التصريح الغامض لوزير الخارجية (يائير لابيد) عندما صرح في بداية الحرب "أن إسرائيل ستكون في الجانب الصحيح من التاريخ".

كما يمكن الإستدلال عليه من كتابات (إفرايم إنبار)، الذي يعتبر من أهم الخبراء في قضايا الأمن القومي الإسرائيلي ورئيس معهد القدس للإستراتيجية والأمن، حيث كان أكثر وضوحاً في قرائته للحرب في أوكرانيا وتداعياتها على إسرائيل، كما كان أكثر جرأة في تفسير تصريح وزير الخارجية (لابيد) في مقالة له نشرت بتاريخ 21/3/2022، في كل من صحيفة جيروساليم بوست والموقع الإلكتروني للمعهد وحملت عنوان: السياسة الإسرائيلية نحو أوكرانيا: الجانب الصحيح من التاريخ مقابل المصلحة القومية".

حيث كتب إنبار في هذا المقال أنه لا يوجد جانب صحيح للتاريخ،  "فالتاريخ يكتبه عادة الطرف المنتصر في الحرب، كما أن التاريخ لا يقوم على القيم الأخلاقية".

واضاف إنبار أن موقف إسرائيل من العملية الروسية في أوكرانيا يجب أن يتحدد على ضوء المفاضلة بين القيم الأخلاقية التي تفرض من جهتها على الأمة عدم الإنتحار، وبين المحافظة على الوجود، حيث من غير المسموح للدولة الأمة أن تقامر بوجودها. 

وفي الشأن ذاته كتب السيد (يهود عيران) في مفالة له نشرها معهد ميتيفيم للسياسات الخارجية والإقليمية في شهر فبراير الماضي تحت عنوان: ماذا يعني تآكل قواعد النظام العالمي الليبرالي لإسرائيل؟

وفي نهاية مقالته كتب عيران أن الصراع في أوكرانيا يمثل قمة جبل الجليد الذي سيكون له تداعياته المهمة على حياتنا هنا في إسرائيل، لما ينطوي عليه من تحديات للنظام الدولي وفي المقدمة منه لإسرائيل.

أما من حيث تداعيات الحرب وموقف الحياد الإسرائيلي على نظرية الأمن القومي للدولة، فمن الواضح أن عدم يقين من قدرة النظام الدولي الليبرالي على الإنتصار في هذه الحرب تشير إلى أن  الركائز التي قامت عليها منظومة الأمن القومي الإسرائيلي في فترة ما قبل الحرب، لن تكون صالحة لفترة ما بعد الحرب، لا سيما وأنه من المعروف في الدراسات المتخصصة في مسائل الأمن القومي أن الدول تطور منظوماتها للأمن القومي بشكل يستند إلى مقوماتها وإمكاناتها الداخلية وتموضعها في النظام الدولي، ويعني ذلك أن ركيزة إعتماد مفهوم الأمن القومي الإسرائيلي على واشنطن ستصاب بخلل جوهري بعد الحرب، الأمر الذي يفرض على إسرائيل البحث عن حهة جديدة للإعتماد عليها كركيزة من ركائز الأمن القومي.  

ويبدو هنا أن جيران إسرائيل من  العرب هم الركيزة الجديدة التي ستحل محل الغرب، ويمكن الإستدلال على صحة هذا الإستنتاج من إنفتاح إسرائيل على دول الخليج مؤخراً، وأجادل هنا أن اقوى هذه الإستدلالات يكمن في صور إنضمام أربعة وزراء خارجية عرب إلى جانب وزير الخارجية الإسرائيلي في مؤتمر قمة النقب الذي إنعقد يوم الأحد الموافق 27/3/2022، إلى جانب قبر مؤسس الدولة (بن غوريون) وفي صورة قمة شرم الشيخ التي جمعت بين رئيس الوزراء بينت وكل من الرئيس المصري والحاكم الفعلي للإمارات بتاريخ 23/3/2022، حيث تعيد هذه الصور للذاكرة صورة إلتفاف ستة زعماء أوروبيين حول رئيس الوزراء أنذاك (يهود أولمرت) خلال المؤتمر الصحفي الذي عقده بتاريخ 18/1/2009، بعد إعلان وقف إطلاق النار مع فصائل المقاومة في غزة، إذ أريد من هذه الصور مجتمعة أن تقول أن إسرائيل لن تكون لوحدها، الفرق الوحيد أن االعرب القريبين يحلون محل الغرب البعيدين.

وفي الختام أؤكد في هذه المقالة أنه على الرغم مما تنطوي عليه صور الإلتفاف الغربي سابقاً والعربي الآن حول إسرائيل، إلا أن هذا الإلتفاف لن يغير من حقيقة أن إسرائيل تعيش حالة ضعف وانكشاف غير مسبوقة، كما أنه لا يغير من حقيقة أن إسرائيل هي مشروع إستعماري عنصري، وفقا للتقارير الصادرة عن مؤسسات إسرائيلية ودولية، بما في ذلك الأمم المتحدة التي انضمت مؤخراً لقائمة المؤسسات الإسرائيلية والدولية التي تعتبر إسرائيل دولة أبارتهايد، الأمر الذي يتطلب من النخب السياسية والفكرية والأكاديمية الفلسطينية والعربية عدم تجاهل هذه الحقيقة والبدء في التنقيب عن ما تنطوي عليه الحرب الدائرة في أوكرانيا من فرص للفلسطينيين والعرب، ثم تقديم توصياتهم حول كيفية تعزيز هذه الفرص؟ وأين يجب عليهم أن يتموضعوا في النظام العالمي الجديد؟ وماهو تعريفهم للجانب الصحيح من التاريخ؟ ومتى بالضبط عليهم الإنتقال لهذا الجانب؟         

كلمات دلالية

اخر الأخبار