في غزة.. أطفال يمتهنون "نبش" النفايات

تابعنا على:   14:43 2022-03-10

أمد/ غزة: في السابع والعشرين من شهر يناير 2022، عُثر على الطفل (أ.س، 13 عاما) من سكان حي الشجاعية بقطاع غزة مدفونا تحت أكوام النفايات في مكب منطقة جحر الديك جنوب شرق مدينة غزة.

ويقول الأب بحسب تقرير صادر عن حركة الدفاع عن الأطفال العالمية والذي وصل "أمد للإعلام" نسخةً منه، إن نجليه أ.س وشقيقه البالغ من العمر 11 عاما كانا يساعدانه خلال الإجازات والعطل المدرسية في عمله بجمع النحاس والألمونيوم والبلاستيك من داخل مكب للنفايات الصلبة بمنطقة جحر الديك، حيث تعيش الأسرة أوضاعا اقتصادية صعبة جدا حالها كحال الغالبية العظمى من أهالي القطاع.

ويفرض الاحتلال الإسرائيلي حصارا مشددا على قطاع غزة منذ عام 2006، يشمل منع أو تقنين دخول المحروقات والكهرباء والكثير من السلع للقطاع ومنع الصيد في عمق البحر، وغلق المعابر بين القطاع وإسرائيل، الأمر الذي أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة والفقر على حد سواء في القطاع.

ويضيف الأب إنه يعمل منذ حوالي 20 عاما في جمع النحاس والألمونيوم والبلاستيك من مكب النفايات بمنطقة جحر الديك، وفي صباح يوم الخميس الموافق 27/1/2022 ذهب للعمل كالمعتاد برفقة نجليه وقريبين لهم، حيث كانت الأجواء في ذلك اليوم ماطرة وعاصفة.

"لكن ماذا أفعل؟ إن لم أعمل لن أستطيع توفير قوت أولادي"، قال الأب.

ويتابع أنه في حوالي الساعة 12:00 من ظهر ذلك اليوم، لاحظ أن ابنه أ.س لم يكن بجواره خلال العمل فنادى عليه عدة مرات ولكنه لم يجب، وحينها بدأ بالبحث عنه في المكب الواسع والمليء بالقمامة، وقد تدخل جهازا الشرطة والدفاع المدني للبحث عن الطفل ليتم العثور عليه في حوالي الساعة الثامنة من مساء اليوم نفسه، مدفونا تحت أكوام النفايات. 

يقول والد الطفل: "ذهلت من مشهد الجثة، كان صدره مفتوحا ووجه محروقا وعظام رأسه خارجة من مكانها وأحشائه خارج بطنه وعظام جسده مهشمة بالكامل، بالكاد تعرفنا عليه".

حادثة وفاة الطفل أ.س أعادت إلى الواجهة قضية عمالة الأطفال في قطاع غزة، خاصة العمل في نبش النفايات، في سبيل الحصول على القليل من المال لعلهم يسدون به شيئا قليلا من جوعهم. 

فعمالة الأطفال تعتبر من أخطر الظواهر الاجتماعية والإنسانية في قطاع غزة، وهي ظاهرة سببها الرئيسي الظروف الاقتصادية الصعبة نتيجة الحصار المفروض على القطاع إضافة إلى الاعتداءات المتكررة التي شنها الاحتلال الإسرائيلي على هذه البقعة الجغرافية التي لا تتعدى مساحتها 360 كيلو مترا مربعا ويسكنها 2,106,745 نسمة (الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني- عدد السكان المقدر في فلسطين منتصف العام حسب المحافظة 1997-2021).

وجمع النفايات ونبشها أضحت مهنة في القطاع تأخذ شكلا عائليا، إذ يقوم مجموعة من أفراد الأسرة الواحدة (خاصة الأب وأبنائه) بالعمل داخل تلك المكبات لمواجهة الظروف المعيشية القاسية التي يمرون بها، غير مهتمين بالتداعيات الصحية الكارثية التي قد يتعرضون لها خلال عملهم في تلك المكبات.

ولا يقتصر عمل هؤلاء الأطفال على النبش في المكبات، بل يمتد للبحث في حاويات القمامة المنتشرة في أزقة الشوارع وأمام المنازل في مختلف أحياء القطاع، في مقابل مادي لا يتعدى بضعة شواقل باليوم، إلا أن انعدام فرص العمل لم تترك مجالا أمام الأطفال وأسرهم سوى العمل في هذا الواقع الخطر.

الطفل (ع.ع 14 عاما) من سكان حي الشجاعية، يعمل في البحث عن النحاس والألمونيوم والبلاستيك داخل مكب نفايات جحر الديك، والده يعاني حتى اليوم من آثار إصابة في رأسه جراء سقوط حجر عليه عام 2011، فهو لا يستطيع العمل بسبب ذلك، ويعتمد في حياته على مخصصات الشؤون الاجتماعية البالغة 700 شيقل وتصرف لهم كل 10 أشهر مرة، وفق ما أفاد به الطفل للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال.

ويضيف الطفل "ع.ع": "أوضاع أسرتي الصعبة دفعتني وأشقائي للبحث عن أي عمل، فعملنا في جمع النحاس والألمونيوم والبلاستيك من داخل مكب نفايات منطقة جحر الديك".
وعدد الطفل "ع.ع" جملة من المخاطر التي يتعرض لها هو وبقية الأطفال خلال عملهم في مكب النفايات بمنطقة جحر الديك منها: التعرض بشكل متكرر لعمليات إطلاق نار من قبل جنود الاحتلال المتمركزين على طول السياج الحدودي، الذي يبعد عن مكب النفايات حوالي 500 متر، وقال: "عندما نقترب من السياج الحدودي يطلق جنود الاحتلال النار بالهواء لإخافتنا ولكي نبتعد عن المنطقة، لقد تعرضت قبل شهر تقريبا أنا وعدد من النباشين لإطلاق نار وهربنا من المكان على الفور".

ومن المخاطر أيضا، التعرض للسقوط وسط أكوام النفايات نتيجة التدافع بين النباشين، ويضيف الطفل "ع.ع": "هناك مخاطر كبيرة نتعرض لها خلال عملنا في مكب النفايات بخلاف عمليات إطلاق النار من قبل جيش الاحتلال مثل سقوط أكوام النفايات فوقنا وعملية التدافع بين النباشين"، إضافة لإمكانية التعرض لدهس غير متعمد من الشاحنات و"الكباشات" الكبيرة التي تعمل في المكب، والتعرض لإصابات مختلفة من الحديد أو الزجاج المحطم الموجود داخل أكياس القمامة، أو لحروق، إضافة للروائح الكريهة.

ويقول الطفل: "كوننا نعمل داخل مكب النفايات منذ فترة فقد اعتدنا على الرائحة وأصبحت طبيعية بالنسبة لنا".

 كما تنتشر الحشرات والقوارض داخل المكب، ومئات الكلاب الضالة التي ممكن أن تهاجم أي واحد من النباشين خلال عمله، أضاف الطفل "ع.ع".
في أعقاب حادثة وفاة الطفل "أ.س" فتحت الشرطة في قطاع غزة تحقيقا بالحادثة، فيما أغلقت بلدية غزة المكب أمام النباشين، الذين بدورهم منعوا وصول الشاحنات المحملة بالنفايات إليه، الأمر الذي أدى لاضطراب العمل فيه.

"أمنيتي الآن أن يتم إعادة فتح مكب النفايات أمامنا، لأنه إحنا بنوكل لقمتنا من بين أكوام القمامة أو كما مثل ما بقولوا لقمة عيش مغمسة بدم"، قال الطفل "ع.ع".

وتبلغ نسبة عمالة الأطفال وفقا للإحصائيات الصادرة عام 2019 عن الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 1.3% من إجمالي عدد الأطفال في قطاع غزة، ويقدّر العدد بـ 13,594 طفلا عاملا من سن 10-17 سنة، وسط ازدياد معدلات الفقر والبطالة.
يذكر أن المادة 32 من اتفاقية حقوق الطفل تؤكد على أن الدول الأطراف تعترف بحق الطفل في حمايته من الاستغلال الاقتصادي ومن أداء أي عمل يرجح أن يكون خطيرا أو أن يمثل إعاقة لتعليم الطفل، أو أن يكون ضارا بصحة الطفل أو بنموه البدني، أو العقلي، أو الروحي، أو المعنوي، أو الاجتماعي، وأن تتخذ الدول الأطراف التدابير التشريعية والإدارية والاجتماعية والتربوية التي تكفل تنفيذ هذه المادة، ولهذا الغرض تقوم الدول الأطراف بتحديد عمر أدنى أو أعمار دنيا للالتحاق بالعمل، ووضع نظام مناسب لساعات العمل وظروفه، وفرض عقوبات أو جزاءات أخرى مناسبة لضمان إنفاذ هذه المادة بفعالية.

وعليه، ورغم الانقسام السياسي الفلسطيني الحاصل وآثاره السلبية على المجتمع الفلسطيني من النواحي كافة، إلا أن هناك مسؤولية تقع على الجهات المختصة في قطاع غزة بضمان سلامة الأطفال وتجنيبهم الأعمال الخطرة وتوفير- على الأقل- الحد الأدنى من مقومات الحياة لهم ولأسرهم.

كلمات دلالية

اخر الأخبار