الحرب الروسية الأوكرانية وبداية تشكل نظام دولي جديد

تابعنا على:   19:23 2022-03-04

محمد جبر الريفي

أمد/ في غضون الاجتياح الروسي لاوكرانيا يشهد العالم بداية تشكل نظام دولي جديد يبرز في السياسة الدولية على اساس تحقيق المصلحة الأمنية للدول المنضوية في إطاره

.. نظام دولي ينشأ بعيدا عن الصراع الطبقي الذي كان يقوم على التناقض السياسي والفكري بين معسكرين الرأسمالي الامبريالي والاشتراكي فروسيا الاتحادية الان التي تهاجم أوكرانيا ليست الاتحاد السوفييتي الاشتراكي السابق الذي تشكل من جمهربات أوروبية واسيوية على اساس الإنتماء الفكري للنظرية الاشتراكية العلمية اي ما تعرف بالماركسية الليينية وذلك رغم قوميات هذه الجمهوريات المتعددة واوكرانيا بعد تفكك هذا الاتحاد الذي كانت هي نفسها عضوا فيه بل كانت تعد الجمهورية الثانية في تعداده بعد روسيا أصبحت الان أقرب للغرب ليس لانه نظام رأسمالي بقدر ما هي رغبتها في الدفاع عن امنها واستقلالها من خلال الانضمام للاتحاد الأوروبي واكتساب عضوية حلف الناتو الأمر الذي ترى فيه روسيا الاتحادية تهديدا صارخا لامنها القومي لذلك كله

 فالصراع المسلح القائم حاليا بينهما هو صراع على الأمن القومي وليس على اي عامل آخر وارضيته هي القارة الأوروبية وليست اي منطقة جغرافية. أخرى ولهذا السبب اكتفت الولايات المتحدة الأمريكية حتى الآن بمساعدة أوكرانيا من بعيد..أي من خلال حلف الناتو والاتحاد الأوروبي وفرض عقوبات اقتصادية وذلك بسبب عدم وجود قواعد عسكرية لها في الأراضي الاوكرانية وهذا ما جاء على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه عشية بدأ الهجوم الروسي باعطاء إشارة البدء به من قبل الرئيس الروسي بوتين بعيدا عن العمل السياسي والدبلوماسي الذي مارسته بالفعل وزارة الخارجية الروسية قبل ذلك ولكن دون انصياع الحكومة اليمينية الاوكرانية للمطالب الأمنية الروسية..

وهكذا نجد انه بسبب المصلحة الأمنية نأت الإدارة الأمريكية نفسها عن اتخاذ قرار سياسي بالمشاركة فعليا بالحرب في مواجهة الدب الروسي... السؤال الان بعد مرحلة جديدة من التوتر الدولي يمر بها العالم الآن وتعد من أخطر المراحل السياسية التي يشهدها بعد انتهاء الحرب الباردة وهي مرحلة بما أحدثته من مواقف سياسية لاقطاب دوليين كبار تصيغ بالفعل بداية أولية لتشكل نظام دولي جديد قائم على اساس العامل الأمني وممكن الدفاع عنه بمنطق السيادة القومية والاستقلال الوطني الكامل البعيد عن التبعية السياسية والاقتصادية وليس على اساس اي عامل اخر كالعوامل الأخرى المحركة للتاريخ

 وقد يضم هذا النظام كل من روسيا الاتحادية والصين الشعبية وكوريا الشمالية وربما تلحق به إيران الجمهورية الإسلامية ودول أخرى معادية للسياسة الأمريكية العالمية وكل هذه الدول لا تربطها عوامل قومية او دينية أو عرقية أو اقتصادية بل توحد مواقفها السياسية المصلحة الأمنية التي مظهرها الأبرز هو علاقاتها العدائية مع الغرب وبشكل خاص الولايات المتحدة الأمريكية المنحازة دوما في مواقفها السياسية إلى الانظمة الرجعية والفاشية والعنصرية التي تصفها إيران في أجهزتها الإعلامية بالشيطان الأكبر في حين خلاف كوريا الشمالية الاشتراكية معها خلاف سياسي تاريخي

 منذ الحرب الكورية التي اندلعت في الخمسينات من القرن الماضي واسفرت عن تقسيم الجزيرة الكورية إلى دولتين أحدهما شمالية اشتراكية أكثر تطرفا في عدائها لأمريكا وأخرى جنوبية رأسمالية موالية للغرب بشكل عام و الصراع بينهما مازال محتدا إلى يومنا هذا اما الصين التي تتحين الفرصة السياسية الاقليمية والدولية المواتية لغزو تايوان بذريعة كونها في الأصل مقاطعة صينية وضمها إلى سيادتها الوطنية فالحرب التجارية قائمة بينها وبين الولايات المتحدة وارضيتها الفعلية السيطرة الاقتصادية على أسواق بلدان العالم الثالث التي غزتها السلع الاستهلاكية الصينية مما يفقد الخزينة المالية الأمريكية موردا ماليا هاما كان يساعد في حل ازمات النظام الرأسمالي الامبريالي الأمريكي التي تسبب بدورها ارتفاعا ملحوظا في قيمة الضرائب الاقتصادية التي تثقل عادة كاهل المواطن الأمريكي وبشكل خاص من الفئات الاجتماعية الشعبية محدودة الدخل ...

هكذا يتبين من تحت وطأة الأزمة والاضطراب التي يمر بها العالم حاليا بسبب الهجوم الروسي على أوكرانيا والتي ادانته الجمعية العامة للأمم المتحدة وطالبت بوقفه ان المصلحة الأمنية القومية هي التي سوف تشكل مواقف الدول في السياسة الدولية مستقبلا وقد يتأكد هذا الاستنتاج في الشرق الأوسط وبالخصوص في المنطقة العربية

وذلك فيما لو حققت روسيا الاتحادية كقطب أعظم في السياسة الدولية هدفها من الحرب في ردع الحكومة اليمينية الاوكرانية الموالية للغرب ومنعها من الانضمام لحلف الناتو وحيث ان تعاظم فاعليتها و مع حلفائها الجدد على خشبة المسرح السياسي الدولي بعد ذلك وفي وقت يشهد به العالم تراجع الهيمنة الأمريكية الكونية فهذا المتغير السياسي النوعي من شأنه أيضا أن يفتح الطريق لانضمام دول أخرى في العالم الثالث لهذا النظام الدولي الجديد عربية وغيرها معادية للسياسة الأمريكية كفنزويلا وكوبا في أمريكا اللاتينيه وفيتنام والهند وسوريا والعراق في اسيا والجزائر في أفريقيا

وهي دول وازنة في العالم وليمهد هذا الاصطفاف السياسي الدولي الجديد القائم على المصلحة الأمنية القومية بداية محاصرة الدول الرجعية والفاشية والعنصرية الموالية للنظام الرأسمالي الامبريالي العالمي وبالخصوص الكيان الصهيوني في الشرق الأوسط خلافا لما تخطط له السياسة الأمريكية بشرق أوسط جديد وهو كيان استيطاني دخيل صنيعة الغرب الاستعماري للقيام بدور وظيفة حماية مصالحه الحيوية والمدعوم حاليا وبشكل رئيسي من الولايات المتحدة الأمريكية حليفه السياسي الاستراتيجي .

كلمات دلالية

اخر الأخبار