
واقع الحماية الاجتماعية للمرأة في فلسطين

الباحثة: رواء حسن صالحة
أمد/ مقدمة
من الواضح تماماً بأن العنف ضد المرأة مشكلة متجذرة ومتعمقة في الثقافة الذكورية، وتنشأ مع التنشئة الاجتماعية لكل من الذكور والإناث بحيث تجعل من الأنثى تابعاً للذكر بحكم عملية التنشئة داخل الأسرة فتُبنى عليها كل التصورات الأخرى وتنعكس على كافة مجالات الحياة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية، مما ستوجب وضع تلك المخاطر على رأس أولوية المؤسسات النسوية لمحاربة تلك الظاهرة بكل الطرق الممكنة.
تتناول هذه الورقة إبراز الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في فلسطين وتوضح بالأرقام والمعطيات نسب العنف المبني على النوع الاجتماعي وأسباب ارتفاع حالات العنف وحوادث قتل النساء في المجتمع وخطورة هذا الأمر على النسيج الاجتماعي الفلسطيني.
أولاً: مؤشرات وأرقام حول واقع الحماية الاجتماعية في فلسطين
تبلغ نسبة النساء ضمن التركيبة السكنية في فلسطين حتى منتصف عام 2021 في فلسطين، حوالي 5.23 مليون فرد؛ منهم 2.66 مليون ذكر بنسبة 51% و2.57 مليون أنثى بنسبة 49%، فيما وصلت نسبة الجنس 103.4، أي أن هناك 103 ذكور لكل 100 أنثى.
أكثر من عُشر الأسر الفلسطينية ترأسها نساء وترأس النساء حوالي 11% من الأسر في فلسطين، بواقع 12% في الضفة الغربية و9% في قطاع غزة للعام 2020.
لا تزال النساء الفلسطينيات تعاني من عنف مجتمعي وتهميش داخلي يستند إلى موروث ثقافي أبوي يقوم على التمييز ضد النساء في مجمل جوانب الحياة ويجد هذا التمييز تجلياته في الثقافة الاجتماعية والقوانين والأنظمة السائدة.
أشار بيانات مسح العنف 2019، إلى أن نحو 29% من النساء المتزوجات أو سبق لهن الزواج (18-64 سنة) تعرضن لأحد أشكال العنف من قبل الزوج (نفسي، جسدي، جنسي، اجتماعي، اقتصادي) مرة واحدة على الأقل.
فيما يتعلق بالنساء اللواتي تعرضن للعنف من الزوج، بلغت نسبة العنف النفسي 76%، ونسبة العنف الجسدي 34%، أمّا العنف الجنسي فقد بلغت نسبته 14%.
فيما أظهر المسح أن حوالي 45% من النساء الغير متزوجات قد تعرضن إلى العنف النفسي من قبل أحد أفراد العائلة فيما 16% تعرضن للعنف الجسدي.
بين مسح العنف لعام 2019 الصادر عن الجهاز المركزي للإحصاء بأن مستويات العنف مرتفعة في قطاع غزة بالنسبة إلى غيره من المناطق، إذ بلغت نسبة العنف الاجتماعي في القطاع نحو 41% في مقابل 20% في الضفة الغربية.
ارتفعت نسبة العنف ضد النساء في عام 2020 بسبب جائحة كورونا حيث وصلت حوادث قتل النساء إلى 45 حالة لأسباب متنوعة، كما ارتفعت نسب العنف والتمييز تجاه النساء المهمشات من المطلقات وذوات الإعاقة التي تعاني معاناة مضاعفة تارة بسبب كونها امرأة وأخرى لأسباب الإعاقة أو الوضع الاجتماعي.
استقبل بيت الأمان 159 سيدة، خلال عام 2020 وفقا لتصريح وكيل وزارة التنمية الاجتماعية في قطاع غزة.
53 % من النساء التي تعرضن للعنف فضلن السكوت ولم يبلغن أحد.
تشير التقديرات العالمية المنشورة من منظمة الصحة العالمية أن واحدة من كل 3 نساء (30%) في أنحاء العالم كافة تتعرض في حياتها للعنف البدني أو العنف الجنسي على يد العشير أو غير الشريك.
تشير المعيطات المتوفرة لدي المؤسسات الحقوقية في فلسطين إلى أنه وصل عدد جرائم قتل النساء، في الضفة والقطاع، إلى 28 جريمة في العام 2014، و15 في العام 2015، و23 في العام 2016، و29 في العام 2017، و24 في العام 2018، و23 في العام 2019، فيما ارتفع العدد إلى 25 حالة خلال عام2020، وفي عام 2021، 29 حالة قتل للنساء، ومع بداية عام 2022 كانت هناك حالة وفاة واحدة لسيدة.
ثانيا: العنف والتميز ضد المرأة في ميزان القانون الفلسطيني والدولي
يشكل العنف ضد المرأة انتهاكاً جسيماً لكافة الضمانات التي كفلتها وثيقة الاستقلال والقانون الأساسي الفلسطيني وكذلك لمختلف معايير واتفاقيات القانون الدولي الخاص بحقوق الإنسان، لاسيما اتفاقية القضاء على كافة أشكال التمييز ضد المرأة وإعلان مناهضة العنف ضد النساء.
على الرغم من التطور في التشريعيات وتوقيع دولة فلسطين على جملة من الاتفاقيات الدولية إلا أنه نجد أن المشرع في عدد من المواد في قانون العقوبات والأحوال الشخصية قد منح الذكور ومرتكبي جرائم العنف والتزويج المبكر والتمييز وممارسة الحقوق على أساس النوع في الحقوق ضمن سيناريوهات مبنية على تباينات علاقات القوة الاجتماعية التي تميل كفتها نحو الرجال كامتداد السلطة الذكورية ، فيما لايزال الجدل واسعاً حول اتفاقية القضاء على كافة اشكال التمييز ضد المرأة واضافة إلى عدم تعديل قوانين العقوبات والأحوال الشخصية وتوحيدها في فلسطين إضافة إلى العجز عن إقرار قانون يجرم العنف ضد النساء أو قانون حماية الأسرة من العنف من جهة أخرى.
ثالثاً: تحليل أسباب وأبعاد غياب الحماية الاجتماعية للمرأة الفلسطينية
يظهر تحليل المعطيات من خلال الاحصائيات والمؤشرات السابقة على استمرار معاناة المرأة الفلسطينية من ضعف آليات الحماية الاجتماعية وارتفاع نسب التهميش والتمييز والعنف المجتمعي المستند إلى موروث ثقافي ذكوري يقوم على التمييز ضد النساء في مجمل جوانب الحياة.
تتعرض النساء في فلسطين لدرجات متفاوتة من الإيذاء أو العنف النفسي والجسدي والجنسي واللفظي والاقتصادي والاجتماعي الذي يتخطى حدود الفئات الاجتماعية أو المناطق الجغرافية، والذي قد يحدث في الحيز الخاص " العنف الأسري"، أو في الحيز العام، أو العنف البنيوي " القانوني". وعلى الرغم من اختلاف أشكال العنف المسلط على النساء ومظاهره والسياقات التي يرتكب فيها إلا أنه نتاج تفاعل مركب بين العوامل الفردية والعائلية والأطر البنيوية والاجتماعية والثقافية.
يمثل العنف والتهميش عقبة أساسية أمام تحقيق المساواة والتنمية في المجتمع، ويؤثر في النساء بطرق مختلفة وعلى موقعهن الاجتماعي والاقتصادي والثقافي، فالإخفاق في توفير الحماية الاجتماعية للنساء يضاعف من مستويات العنف والتمييز والتهميش الممارس ضد المرأة على أساس النوع الاجتماعي.
لا تزال معدلات العنف ضد النساء مرتفعة، وخاصة حوادث قتل النساء التي تنتهك أهم حقوق الإنسان وهو الحق في الحياة، إضافة إلى استمرار الاعتداءات من مختلف الأنواع ، ما يفتح النقاش واسعاً حوال كفاءة آليات الحماية في فلسطين ، رغم الأدوات المؤسسية التي تحفل بها فلسطين سواء على مستوى جهات إنفاذ القانون والخطة الوطنية لمناهضة العنف ضد النساء التي تشرف عليها وزارتي المرأة والتنمية الاجتماعية و رغم أنشطة ودور مؤسسات المجتمع المدني ذات العلاقة بالمرأة إلا أنه يسجل لغاية الان غياب دور حركة اجتماعية نسوية قادرة على بلورة وفرض استراتيجية وطنية لضمان الحماية للنساء وتعزيز دور ومكانة المرأة واحترام حقوقها وحمايتها من كل أشكال التهميش والتمييز والعنف .
رابعاً: خاتمة وتوصيات
يعد الاهتمام بتوفير الحماية الاجتماعية للمرأة عاملاً مهما في تعزيز دورها الوطني الاجتماعي، وعلى الرغم من أن المرأة الفلسطينية احتلت ولا زالت مكانة بارزة في كفاح الشعب الفلسطيني من أجل التحرر الوطني والاستقلال، وأثبتت حضوراً وكفاءة كبيرة في جميع مجالات العمل الوطني والاجتماعي في الداخل والخارج وفي شتى الميادين، وتحملت بحكم مكانتها ودورها في الأسرة الفلسطينية وفي ظروف الصراع مع الاحتلال، أعباء كبيرة في حماية ورعاية الأسرة الفلسطينية، وبعض النساء تحمل عبئ إعالة أسرتها بمفردها. وفي ضوء تزايد التحديات التي توجه النساء في فلسطين وزيادة نسب العنف والتمييز الموجه ضدها وضعف نسب مشاركتها في مواقع صنع القرار الأمر الذي يتطلب بلورة استراتيجية وطنية شاملة تقوم على توفير كل آليات الحماية القانونية والاجتماعية والتمكين الاقتصادي والثقافي بما يضمن تعزيز دور ومشاركة النساء في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وهذا يتطلب تعزيز التعاون الرسمي والمجتمعي في ضمان التصدي لكافة الانتهاكات التي تتعرض لها النساء في المجتمع، بما يضمن اتخاذ كافة التدابير القانونية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية بما في ذلك تفعيل آليات محاسبة مرتكبي جرائم العنف المجتمعي وتوفير الحماية والعدالة للنساء ضحايا العنف، ولعل ما سبق يتطلب تفعيل أدوار المؤسسات النسوية كي تتحول إلى حركة اجتماعية قادرة على فرض واعتماد نهج شامل باستراتيجيات متعددة الجوانب لمكافحة كافة اشكال العنف والتمييز والتهميش للنساء وبما يضمن التغيير في الصورة النمطية للنساء ويعزز من دور المرأة في المجتمع ويضمن لها العدالة والحماية الاجتماعية.
المراجع
مسح العنف في المجتمع الفلسطيني، الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني 2019، تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
التمييز والعنف ضد النساء ... تربة القتل الخصبة، مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي، 2019.
نتائج المسح السنوي عن أوضاع النساء في الأراضي الفلسطينية الجهاز المركزي للإحصاء، 2020.
غازي حمد، لقاء صحفي لاستعراض انجازات وزارة التنمية الاجتماعية خلال العام 2020.
مركز شؤون المرأة.
كلمات دلالية
أخبار محلية

وفد من "الاتحاد الأوروبي" يطلع على معاناة المواطنين في حوارة وبورين جراء اعتداءات المستعمرين
-
مجدلاني وممثل منظمة العمل الدولية يبحثان التعاون ببرنامح مشتركة بقطاع الحماية الاجتماعية
-
لجنة المتابعة تواصل مساعيها لكسر الحصار السياسي والملاحقات واضطهاد جماهيرنا الفلسطينية في الداخل
-
الهيئة 302: 74 سنة على تأسيس الأونروا: تحديات غير مسبوقة للاستمرارية
-
مركز "شمس" يطالب بإقرار آليات تنفيذية دولية ومحلية ملزمة لحماية المدافعين عن حقوق الإنسان