قراءة مختلفة مخرجات المجلس المركزي

تابعنا على:   15:11 2022-02-13

أحمد عيسى

أمد/ إختلف الفلسطينيون في قرائتهم لمخرجات الدورة الأخيرة للمجلس المركزي التي قاطعها عدد لا بأس به من المكونات السياسية الفلسطينية لأسباب تتعلق بعدم ثقتهم بأن المجلس سيوفر إجابات للتساؤلات المشروعة والمقلقة المهيمنة على المشهد الوطني منذ فترة طويلة.

ففيما يرى البعض من أصحاب الرأي الجدي الناقد للسياسة الفلسطينية العامة، سواء من حيث جوهرها أم من حيث أدوات تنفيذها، "أن المجلس لم يأتي بالجديد""، يرى آخرين أن البعد السياسي المتضمن في نص البيان الختامي هو "الأشمل والأدق والأفضل من كل ما سبقه من بيانات، لا سيما وأنه أجاب على كل قضايا النقاش الوطني العام، سواء لجهة العلاقة بين الدولة والسلطة، أم لجهة إنتهاء المرحلة الإنتقالية".

وعلى الرغم من الإختلاف في قراءة المخرجات، إلا أن الفريقين قد أعرب عن عدم ثقتهم بتنفيذ هذه المخرجات بشكل آمن، الأمر الذي سيساهم في مزيد من التيه الفلسطيني.

ودون التقليل من وجاهة الرأي الأول، ترى هذه المقالة أن المخرجات كانت حقاً هي الأفضل وربما الأهم من بين مخرجات الدورات السابقة للمجلس المركزي منذ إنقلاب إسرائيل على مسيرة التسوية السياسية للصراع، والتي بدأت بمقتل رئيس الوزاء رابين العام 1995، لا لجهة أنها وفرت إجابات للأسئلة المقلقة التي تشغل الكل الفلسطيني وحسب، بل لأنها حددت المسار والإتجاه الفلسطيني من بين خيارات ثلاثة كان الرئيس محمود عباس قد وضع المجتمع الدولي برمته أمامها في خطابه الأخير أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر سبتمبر/ايلول العام الماضي.

وكان الرئيس عباس قد أمهل المجتمع الدولي في خطابه مدة عام للإنتصار لأحد الخيارات الثلاثة المتاحة أمام الفلسطينيين والمجتمع الدولي الذي إستثمر كثيراً في مسيرة التسوية السياسية للصراع، والتي دارت ما بين مسارعة المجتمع الدولي إلى فرض إرادته على إسرائيل وإجبارها على الإلتزام بحل الدولتين، أو العودة لقرار التقسيم رقم 181 العام 1947،، أو الإستعداد للنضال ضد دولة نظام الفصل العنصري، الأبارتايد,

وحيث أن أصغر الفلسطينيين سناً لم يعد لديه أمل أن تنتصر مكونات المجتمع الدولي الذي ناداه الخطاب، لأي من الخيارات التي تضمنها، والمسارعة في لجم إسرائيل (التي يهيمن على عقلها السياسي غرور القوة) من إرتكاب مزيد من الجرائم ضد الفلسطينيين بشراً وممتلكات، يبدو واضحاً لكل صاحب بصيرة أن المجلس قد حسم أمره نحو الخيار الثالث دون إغلاق الأبواب أمام الخيارات الأخرى خاصة خيار حل الدولتين لتجنيب الشعب الفلسطيني أثمان تفوق قدرته على إحتمالها، وهو النضال ضد دولة الأبارتايد والفصل العنصري، لا سيما وأن القوى العظمي (أمريكا وبريطانية) المهيمنة على مؤسسات النظام الدولي لا زالت منحازة لصالح الرؤية الإسرائيلية، ولا زالت تستثني الفلسطيتي من المصير العام، تماماً كما فعلت وهي تعيد بناء النظام الدولي في أعقاب الحرب العالمية الثانية، وذلك على الرغم من تكرار إعلانها التمسك بخيار حل الدولتين، الأمر الذي يبدو واضحاً في عدم وفاء إدارة بايدن بأي من وعودها خاصة فيما يتعلق بفتح القنصلية في شرق القدس أو إعادة فتح مكتب الممثلية الفلسطينية في واشنطن.

قد يجادل البعض أن هذه القراءة لمخرجات المجلس المركزي هي قراءة رغبية أو أنها درب من دروب الخيال، إلا أنني أجادل هنا أن قراءة مخرجات الدورة الأخيرة للمجلس المركزي بمعزل عن خطاب الرئيس الفلسطيني المشار اليه، وبمعزل عن الإجتماع الأخير للمجلس الثوري لحركة فتح التي تقود منظمة التحرير الفلسطينية، والذي إعتبر الخطاب بمثابة خارطة طريق لحركة النضال الفلسطيني في المرحلة القادمة هي قراءة مجتزأة وعرجاء.

وفي هذا الشأن أرى هنا أن الإنحياز نحو هذا الخيار هو قرار صائب وحكيم، لا سيما وأن وسم إسرائيل بالأبارتايد أصبح حقيقة واقعة والأهم أنه آخذ في الإزدياد سواء داخل إسرائيل، أم من قبل الرأي العام العالمي، كما أن توحد الفلسطينيين حول خيار النضال ضد دولة الأبارتايد هو الخيار الأكثر نجاعة في تعظيم المكاسب الفلسطينية، كما أنه الخيار الإسرع في تعظيم الخسائر الإسرائيلية.

يضع ما تقدم حركة فتح بإعتبارها التنظيم الفلسطيني الأكبر الذي يقود المشروع الوطني الذي تقوده منظمة التحرير الفلسطينية أمام تحدي كبير في ما يتعلق بتجديد بنيتها ومفاصلها التنظيمية علاوة على تطوير محددات خطابها الداخلي والخارجي، لا سيما في ما يتعلق بالتعبئة الداخلية، أو في ما يتعلق بإقناع المجتمع الفلسطيني بأنها لا زالت مؤتمنة على الشعب الفلسطيني ومستقبله، الأمر الذي إستثمر أعداء الشعب الفلسطيني كثيراً على إضعافه وتشويهه.

وعلى ذلك آمل أن تكون مناقشة هذا الخيار على رأس جدول أعمال الحوار الوطني الذي دعت إليه فتح مؤخراً، كونه الخيار الذي ينقل الفلسطينين من المطالبة بالجزء الى المطالبة بالكل.

اخر الأخبار