حِوارُ الطُرشانِ حديثُ الجزائر

تابعنا على:   07:58 2022-01-18

عائد زقوت

أمد/ شكّل بدء توافد الفصائل الفلسطينية إلى العاصمة الجزائر استجابةً للدعوة التي أطلقها الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون برفقة الرئيس عباس ديسمبر الفائت مادةً إعلامية ساخنة تناولها السواد الأعظم من الكُتَّاب الفلسطينيين، وهم يحذوهم الأمل أن تتمكن الجزائر لما لها من تجربةٍ ثوريّة ناجحة، وكذلك نجاحها بالمرور من العِقد الأسود الذي تخلّلته حربٌ أهليّةٌ ضَروس في تسعينيات القرن الماضي، إضافةً إلى أنَّها تحتلّ ثِقلاً معنويًا كبيرًا لدى الفلسطينيين قيادةً وشعبًا.

 ولا نملك نحن الفلسطينيين إلا التمسّك بالأمل لعلّ شمس الوحدة تبزغُ من هناك، ولكنَّ حالة الانقسام الفلسطيني تخطّت الأماني والآمال، حيث أنَّ هذه الجولة سبقها عشرات الجوْلات في أماكنَ عديدة مختلفة، وفي مُقدّمتها مصر، والّتي بذلت جُهودًا مُضنيةً لأجل الوصول إلى اتّفاق يُنهي الامتداد الزمني والقِيَمِي للانقسام، والذي لم يجعل من الفلسطينيين لقمةً سائغةً للمحتل فحسب وإنَّما امتد أثره على أغلبية دول العالم العربي والإسلامي، ولا يفوتنا في هذا السياق استضافة دول كثيرة جولات للحوار، إلا أنَّه كان حوارًا أطرشًا أعمشًا، والذي لا يرى فيه ولا يسمع أي أحد من أطراف الحوار سوى نفسه دون الآخر، والمتابِع لتصريحات طرفي الانقسام قبل توجّههم إلى الجزائر يلحظ أنَّ كلًّا منهم يضع شروطه أمامه، بل هي التي تقوده، وهذا يشير إلى صعوبة حدوث انفراجةٍ حقيقية في هذا الملف، وكذلك يؤشّر إلى أنَّ مكان الحوار لا يؤثّر ولن يؤثر في نجاح الحوار من عدمه.

مما يقودنا إلى نتيجة مفادها أنَّ الفلسطينيين إِنْ لم يتفقوا مع بعضهم البعض أولًّا، فلن يستطيع أي طرف أَنْ يُحرّك مِقود السفينة للاتجاه الصحيح، وهذه الحالة تسوقُنا إلى معرفة الأسباب الحقيقية لفشل كافّة الجولات والاتّفاقيات المتعلّقة بإنهاء الانقسام، وفي تقديري بأنَّ جولات الحوار المختلفة كُرِّسَت من أجل التغلب على نتائج الانقسام وليس معالجة أسبابه والذي تتمثل في اختلاف المنطلقات الفكرية لفصائل منظمة التحرير الفلسطينية وفي طليعتها حركة فتح التي تتبنى قيام دولة وطنية تجمع الشتات الفلسطيني وفق مفهوم الدولة السياسية ذات الحدود الجغرافية، والبُعد القومي، حيث قَبِلت في هذا السياق إقامة الدولة على حدود الرابع من حزيران 1967، في الوقت الذي تنطلق فيه حركة حماس وفق مفاهيم ومصطلحات كبيرة كالخلافة والحاكميّة، وبالتالي فهي لا تتبنى مفهوم الدولة السياسية.

وتعتبر نفسها امتدادًا للرؤى الفكرية لجماعة الإخوان المسلمين، وهذان خطّان متوازيان لا يلتقيان، وعليه فقد أسّست هذه المعطيات لبروز قضايا خِلافيّة جوهريّة وفي مقدمتها إيمان حركة فتح بوحدانية تمثيل منظمة التحرير للشعب الفلسطيني، في ذات الحين الذي لا تؤمن فيه حركة حماس بوحدانيّة تمثيل المُنظمة بُغية تحقيق الانسجام مع رؤاها ومنطلقاتها الفكرية، وفي هذا السياق نؤكد أنَّ جماعة الاخوان المسلمين لم تعترف بوحدانية تمثيل المنظمة قبل ظهور حركة حماس ولازال موقفها والحركات المنتمية إليها فكريًا، حاضرًا حتى يوم الناس هذا، وهنا لا بدّ من التعريج إلى مسألة التّذرع بأن عدم الاعتراف بوحدانية تمثيل المنظمة قائم على أساس تخلي المنظمة عن الكفاح المسلح، وتعديل ميثاقها، وانخراطها في العمليّة السياسية السلمية، فهذا الطرح ليس دقيقًا حيث أنَّ المنظمة ومنذ نشأتها مارست الكفاح المسلح بكافة أشكاله وتبنّته ودعمته وفق أجندتها حتى بعد إعلان وثيقة الاستقلال عام 1988، وتعديل ميثاقها، ورغم ذلك لم يكن معترفًا بوحدانية تمثيل المنظمة من حركات الإسلام السياسي.

 وأيضًا لا بد من الإشارة بأنَّ الترهل الذي أصاب مؤسسات المنظمة، وفشلها في تحقيق النِّصاب السياسي لكل فصائل الشعب الفلسطيني لا يُعطي المبرر بالتنكّر لها، وتحويلها من مرتكز ثابت في الحركة السياسية الفلسطينية، إلى مُعطىً مُتغير جدلي سفسطائي يدُكّ أساسًا وثابتًا أصيلًا أنقذَ الشعب الفلسطيني وقضيته من التجاذبات العربية والإسلامية وفرَضَ الوصاية عليه، إنَّ القضية الفلسطينية أضحت لا تحتمل ربطها بمفاهيم ومصطلحات كبرى، أو أي محاولات لإنشاء جسم بديل يستدعي مزيدًا من السنين والدماء، أو إلغاء الاعتراف الدولي بها، أو أيًا من من متطلبات التمحور الإقليمي تحت أيّ شعار، فإذا أراد المتحاورون ورعاتهم الوصول إلى نتائج إيجابية لا مناصَ من الخوض في هذه الملفات وإحداث مكاشفة حقيقية كاشفة لتجاوز هذه المرحلة القاتمة، والتصدي للمحاولات الغاشمة لتصفيةِ القضية الفلسطينية، وإعادتها إلى الخيام وشعارها الطحين والسردين.

اخر الأخبار