براءة ليبرمان فيها نظر

تابعنا على:   00:15 2013-11-11

توفيق أبو شومر

أشرقتْ أنوار ليبرمان، بعد أن أعلنت المحكمة براءته، بعد أن عاش متهما سبع عشرة سنة بالتمام والكمال، فقد كان معظم الإسرائيليين متأكدين بأنه سيُدان على الأقل بتهمة (خيانة الأمانة) وأخلفَ النائبُ العام كلَّ الظنون، وأفتى ببراءته!

حصل في النهاية على براءة فيها نظر، وسوف يعود قريبا إلى وظيفته السابقة، وزيرا للخارجية. رحّب مسؤولُه الأولُ (نتنياهو) بعودته بريئا معافى، فقد عمل ليبرمان مديرا لمكتب نتنياهو، وسارع رئيس الدولة شمعون بيرس باقتفاء أثر نتنياهو فهنأه، وكذلك فعل يائير لابيد، وزعيم حزب البيت اليهودي نفتالي بينت.

 ليبرمان ليس شخصية عادية، بل هو –ربما- الوحيد الذي يشبه دولة إسرائيل، فهو اليساري الروسي الكادح، المولود في روسيا الشيوعية، وهو الجندي اليهودي الروسي المحارب برتبة عريف في سلاح المدفعية! وهو اليميني المتطرف، عدو كل الأغيار، وبخاصة العرب والفلسطينيين، وهو صاحب أفكار معظم مشاريع القوانين العنصرية ضد الفلسطينيين الصامدين في أرضهم، وهو مُذل السفراء بأحدث الطرق، وهو حاخام إسرائيلي يساري جديد، فقد احتفل بالبراءة وهو يصلي أمام حائط مبكاه!

كتبت عنه كثيرا، واعتبرته شخصية فريدة تجمع كل متناقضات إسرائيل، فهو يحمل أمراضها المزمنة، وهو يمثل خير تمثيل المغامر المهاجر حديثا، المنافس لجيل الرواد من الإسرائيليين في مجال السياسة، بعد أن ركب موجة أكبر هجرات اليهود الروس إلى إسرائيل في تسعينيات القرن الماضي، وألف حزب إسرائيل بيتنا!

هاجر لإسرائيل عام 1978 وعمل في أصعب المهن، من حمال إلى حارس ملهى ليلي إلى أن التقطه ساسةُ إسرائيل وجعلوه يكمل دراسته في الجامعة العبرية، وبرز وسط جاليته الروسية واتهم  بأنه من أنصار الحاخام العنصري مائير كاهانا، وظلّ ليبرمان محافظا على لكنته العبريه الغريبة، لكنةٍ عبرية بحبال صوتية روسية.

وبما أن الجمهور الإسرائيلي ما يزال حتى اليوم يشمئز من المتحدثين بالروسية، فإن ليبرمان ظل غريبا حتى اليوم، كما قال الكاتب في يديعوت أحرونوت (حانوخ دايوم) 7/11/2013 وهو يُشفق على ليبرمان معنونا مقاله" لأنه مختلف":

" المُعذَّب والشقي الروسي ليبرمان منذ سبعة عشر عاما، صبر على آلامه، واحتمل عشرات آلاف أوراق التحقيق، ومئات المحققين، ممن راقبوا هواتفه وكشفوا كل تفاصيل حياته، فصاحب اللكنة الروسية عند كثيرين مجرمٌ مطلوبٌ للعدالة، فهل يستحق البراءة فهو مختلفٌ عن الجميع؟!!"

ارتفع صوت اليسار ضد براءة ليبرمان فقد شككتْ رئيسُ حزب العمل، شيلي يحيومفتش في البراءة، وقالتْ اليسارية الثانية  رئيسُ حزب ميرتس زهافا غالؤون:

 "إن براءته نكسة لمفاوضات السلام مع الفلسطينيين ودليلٌ على أن إسرائيل لا تريد السلام!"

ظلَّ ليبرمان يحاول أن يثبت لكارهيه الإشكنازيم، بأنه أكثر منهم حرصا على إسرائيل، وأكثر منهم وطنية، فلم يجد طريقا لإثبات ذلك سوى[ التطرف اليميني]  فقد ظل يردد دائما الشعارات التالية، مع ملاحظة أنه كان يعاني من أعراض اتهامه بتبييض الأموال وخيانة الأمانة:

 [يجب ضرب السد العالي في مصر لتركيعها!، يجب نفي العرب إلى الدار الآخرة!

يجب مقايضة  حق عودة اللاجئين الفلسطينيين أو تعويضهم،بحق لاجئي الدول العربية اليهود! يجب ضرب المفاعلات النووية الإيرانية حتى تظلَّ إسرائيل هي الدولة النووية الوحيدة في الشرق الأوسط!،الرئيس محمود عباس، أسوأ من صواريخ حماس!]

فهل هذه التصريحات منحته صك البراءة؟ سؤال سيُجابُ عنه بعد نصف قرن عند إزاحة الستار عن الوثائق!فقد ألمحت صحيفة هارتس إلى أن هذه البراءة مسيسة، حتى أنها اتهمت النائب العام بالتواطؤ.

وإذا كان ليبرمان قد قال تلك الأقوال، وهو يعاني من أعراض التهم الخطيرة، فما بالكم اليوم بعد أن برَّأته المحكمة من التهم؟!!

وأخيرا ما أثر عودة فارس السياسة (ليبرمان) إلى حكومة نتنياهو كوزير للخارجية؟

إن عودته هي لكمة قوية لتسبي ليفني أولا، واليساريين ثانيا، فهي ستعيد عربة نتنياهو إلى طريقها المعتاد، التمسك بأورشليم بكاملها والاستيطان بأسره، ورفض عودة اللاجئين إلا بشروط ليبرمان، وتأسيس دولة فلسطينية هزيلة بحدود مؤقتة، وتبادل الأرض بشرط أن يوافق الفلسطينيون، على تبادل أراضٍٍ بساكنيها الفلسطينيين الصامدين في أرضهم منذ عام 1948 .

من الممكن أن تكون عودة ليبرمان أيضا سببا لتوحيد صفوف اليساريين، لوقف  (ليبرمانية الحكومة الإسرائيلية)، وذلك بأن يستعيد اليساريون المشتتون حزبَ ييش عتيد، بزعامة يائير لابيد، ليتمكنوا من تكوين جبهة يسارية جديدة في إسرائيل، يمكنها أن تكون مضادا حيويا لفايروس الليبرمانية الجديد في الانتخابات  القادمة!

إن اللعبة الحزبية في إسرائيل لعبةٌ غريبة شاذةٌ، فهي بركانٌ خامدٌ لا يعرف أحدٌ متى يثور ويتغير من النقيض إلى النقيض في غمضة عين!!

اخر الأخبار