أسباب الجوع بين العرب

تابعنا على:   07:47 2021-12-21

عمر حلمي الغول

أمد/ يمكن الجزم بان العالم العربي بات في العقد الأخير من اكثر شعوب الأرض معاناة من الفقر والجوع والبطالة والتشرذم والانقسام، وامسى ساحة حرب مفتوحة بعناوين متعددة، والأكثر ضخا للاجئين، حيث تجاوز عدد اللاجئين العرب العشرين مليونا من البشر، واصبح مأوى وملاذا لكل ظواهر الدعارة والفسق واللصوصية وتعاطي المخدرات والسموم الأخرى بمختلف مسمياتها، وغاب الامن والأمان والاستقرار في معظم دوله.

ووفق تقرير اممي جديد اصدرته منظمة "الفاو" للأغذية الزراعية يوم الخميس الماضي الموافق 16/12/2021 بعنوان "نظرة إقليمية عامة حول حالة الامن الغذائي والتغذية في الشرق الأوسط وشمال افريقيا لعام 2021"، ارتفع عدد الجياع في الوطن العربي إلى 69 مليون شخص، بزيادة تفوق ال91% مقارنة بالعام 2000 عن عام 2020.

نجم عن ذلك فقدان 141 مليون مواطن في المنظومة العربية الامن الغذائي بمستوياته المختلفة، وبزيادة متدحرجة سنويا قرابة العشرة ملايين شخص. وهذا الرقم قد يتضاعف فيما لو لم يتوقف الانهيار القائم، ولم تنته الحروب البينية، وان لم يعاد الاعتبار للروح الوطنية والقومية وفق معايير التنمية المستدامة وخططها قصير ومتوسطة وطويلة الاجال، والانفكاك من دوامة التبعية والركض في متاهة المشروع الصهيو أميركي المعادي، ووقف عجلة التطبيع المجاني المذل.

ولا اضيف جديدا للمواطن العربي البسيط، وليس للمختص والمتابع أسباب تلك الظواهر الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، التي تعود لجملة من العوامل الذاتية والموضوعية، ومنها: أولا شراكة الأنظمة السياسية مع أصحاب رؤوس المال العرب، واسقاط ركائز التنمية الإيجابية ؛ ثانيا غياب الرؤية البرنامجية الواضحة لتطور المجتمع والدولة الوطنية؛ ثالثا انتشار الفساد المالي والأخلاقي والثقافي، وفي الوقت نفسه عدم المحاسبة، وانتفاء مبدأ "من اين لك هذا"؛ رابعا التبعية شبه المطلقة للسوق الرأسمالي، والخضوع لاجندة البنك وصندوق النقد الدولي؛ خامسا التخلي المدروس والطوعي من قبل أنظمة الحكم عن التكامل بين فيما بينها، واسقاط مجمل اتفاقات ومعاهدات التعاون والتكافل العربية العربية؛ سادسا تناحر وحروب التصفيات العربية فيما بينها، والتساوق مع خيار انتفاء دور ومكانة الدولة الوطنية، وتمويل عمليات التخريب والتقسيم تنفيذا لاجندة العدو الصهيو أميركي؛ سابعا غياب المعارضة الوطنية المسؤولة، وتماهي الغالبية الساحقة من قوى حركة التحرر العربية مع اجندة الأنظمة؛ ثامنا  تنامي وتجذر قوة التيارات الاسلاموية بمختلف تلاوينها، وخاصة تيار الاخوان المسلمين، الذي تأسس اصلا ليكون رأس حربة لتمزيق وتفتيت وحدة النسيج الوطني والقومي العربي، تنفيذا لذات المخطط الاجرامي الرأسمالي الغربي؛ تاسعا تفشي وباء كوفيد 19 في العالم ككل، وانعكاس ذلك المباشر على اقتصادات الدول والاقطاب الدولية عموما، ومنها العالم العربي، وعدم اتخاذ الإجراءات الوقائية الحمائية المناسبة.

نعم لم تكن سنوات "الربيع العربي"، الذي مازال العرب يدفعون ضريبته غاليا، سنوات ثورات حقيقية، وان كانت الجماهير العربية انتفضت ضد أنظمة الفساد والتخلف والتبعية، لكن البساط سحب من تحت اقدامها. وعليه قامت النخب الحاكمة، والأكثر اندفاعا في التساوق مع الغرب الرأسمالي إلى قلب معادلات الصراع الاستراتيجية في العالم العربي والاقليم. فضلا عن حالة السيولة الهائلة، التي يعيشها العالم في ظل تراجع مكانة الولايات المنحدة عالميا، ونجم عنها استغوال اباطرة رأس المال المالي في العالم الغربي اجمع، وأميركا بشكل خاص لوقف عجلة التراجع والانكفاء وتراخي يدها عن قبضة السيطرة على العالم، والاستقواء على دول العالم الثالث عموما والعالم العربي خصوصا وفرض الاتوات عليها، واخضاعها لمشيئة الولايات المتحدة الأميركية. لا سيما وانها مازالت تقاوم ك"الأسد الجريح"، وتحاول اقناع نفسها والدول التابعة، بانها مازالت سيدة الأرض، والآمر الناهي في القرار الدولي. مع ان الحقيقة عكس ذلك، وعمليا وبالوقائع فاتها القطار، لذا ستلجأ اجلا ام عاجلا لفتح فوهة الحرب العالمية وفق معايير التطور الدراماتيكي في ثورة الاتصالات والمعلومات والاوبئة الجرثومية والسيبرانية والاسلحة النانوية دون التخلي عن الأسلحة الكلاسيكية الاستراتيجية.

وعمليا من يتابع الصراع بين الأقطاب الدولية: اميركا، أوروبا الغربية، الصين وروسيا الاتحادية يلاحظ ان الحرب العالمية قائمة بالوكالة على اراضي دول العالم الثالث وتحديدا في العالم العربي، وعلى حساب الشعوب العربية ومستقبل تطورها، وبالتالي الفاتورة التي يدفعها العرب، هي الاغلى، وعلى جسدهم، وتجفيف مواردهم ودورهم التاريخي، وعلى حساب موروثهم الحضاري والثقافي. ولكن هذه الحرب خلال زمن منظور وغير بعيد قد تنفجر على أراضي الأقطاب المتصارعة لاعادة النظر في التقاسم الوطيفي بينها، وعلى مكونات وتركيبة المنظومة العالمية الجديدة، التي لم تتبلور حتى اللحظة ملامحها، وان اتخذت في المرحلة الانتقالية التي يعيشها العالم طابع التعددية القطبية.

الامر ليس مفصولا عما يجري في العالم العربي، لا بل عميق الصلة بكل التداعيات الخطيرة، التي يعاني بها المواطن والنظام العربي على حد سواء، ولصالح دولة الاستعمار الإسرائيلية المارقة والخارجة على القانون وادواتها وأدوات اميركا المهزومة والايلة للسقوط.

وللخروج من نفق الجوع والفقر والفاقة والظواهر الخطيرة المذكورة سابقا، يحتاج العرب إلى ثورات جذرية او على اقل تقدير ثورات اصلاح حقيقية تنهض بواقع الحال، وتعيد الاعتبار للمواطن والدولة الوطنية وتعزيز التكامل الجدي والمسؤول بين دول الوطن العربي. دون ذلك سيتفاقم الجوع وتقسيم المقسم وتسيد إسرائيل على حساب العرب ومشروعهم القومي العربي النهضوي.

كلمات دلالية

اخر الأخبار