الشعبية وحصاد 54 عاما

تابعنا على:   07:27 2021-12-13

عمر حلمي الغول

أمد/ مرت اول امس السبت الموافق 11/12 الحالي الذكرى ال54 لتأسيس الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين من رحم حركة القوميين العرب، حيث لعبت هزيمة حزيران 1967 دورا أساسيا في نشوء وتأسيس اغلب فصائل العمل الوطني، كما اتاحت الظاهرة العلنية في دول الطوق وخاصة في الأردن وسوريا في البداية ثم لبنان مناخا ملائما لتعميم تلك الظاهرة كرد مباشر وفوري على هزيمة الجيوش العربية الكلاسيكية، مما فتح الطريق لشق طريق حرب التحرير الشعبية، التي كان نموذجها إكتسب زخما هاما في فيتنام والصين وأميركا اللاتينية وخاصة تجربة تشي جيفارا وغيرها من التجارب الثورية، مما عزز خيار الكفاح المسلح الوطني لتحرير الأرض الفلسطينية.

دون الخوض في الأسباب المساعدة والمؤثرة في اعلان تأسيس الجبهة، وبالتوقف امام ابرز عناوين الحصاد لخمسة عقود ونصف، يمكن الجزم ان الشعبية شكلت رافعة أساسية من روافع الثورة الفلسطينية المعاصرة، وتمكنت بخطابها الفكري السياسي اليساري، وباليات كفاحها، ونمطية ادواتها التنظيمية من تمييز نفسها عن باقي الفصائل، واحتلت لاعتبارات مختلفة مكانة الفصيل الثاني في فصائل منظمة التحرير، وهذا ليس لسواد عيون الحكيم جورج حبش، الأمين العام المؤسس، ولا كرم اخلاق من الفصائل وخاصة حركة فتح، وانما لانها فرضت نفسها وثقلها بوزنها وكفاحها وحضورها في كافة ساحات الكفاح دونما استثناء.

وكانت الجبهة الشعبية الصوت المعارض الأقوى والاهم في مواجهة سياسات قيادة منظمة التحرير، التي تمكنت حركة فتح من قيادتها، وفرض رؤيتها وخيارها على مسارها ومسيرة كفاحها حتى يوم الدنيا الحالي. وشكلت وقادت في السبعينيات من القرن الماضي جبهة الرفض رفضا للبرنامج المرحلي، انطلاقا من خلفيتها الفكرية السياسية، كما تميزت الشعبية بعدم انتظامها في عضوية اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير بسبب خلافاتها ورفضها سياسات الرئيس السابق لمنظمة التحرير، الرمز الراحل أبو عمار. ولكنها للتاريخ والتوثيق كانت حامية للمنظمة، ولم تفرط يوما بها ولا بمكانتها، ورفضت كل الاغراءات والحسابات التنظيمية الضيقة لتشكيل بديل عنها، وتصدت بقوة في اكثر من محطة تاريخية لانظمة عربية وقوى فلسطينية للدفاع عن المنظمة، وانحازات في لحظات حساسة لناصية الوحدة الوطنية، ولتصليب وتعزيز دور منظمة التحرير الفلسطينية.

وهناك الكثير من الإنجازات التنظيمية والوطنية تحسب للشعبية، ليس هنا مجال سردها، لكن الفصيل الثاني تراجع كثيرا بعد زلزال لبنان 1982 في الإمكانات، والدور والمكانة الوطنية، مع انها في انتفاضة كانون اول 1987 حصدت في الأعوام الأولى امتدادا واسعا، بيد انها لم تحافظ عليه، وبعد صعود الإسلام السياسي عموما، وتاسيس حركة حماس مع انطلاق الانتفاضة الكانونية مطلع 1988 تعمقت ازمتها العضوية الداخلية، وعانت من فقدانها الإمساك بالحلقة المركزية في المحطات السياسية المفصلية، ووقعت في دوامة التخبط الفكري السياسي بعد انهيار الاتحاد السوفييتي والمنظومة الاشتراكية. فلم يعد هناك وضوح ولا رؤية لخلفيتها الفكرية، وطابعها اليساري عانى من التشوش والارباك حتى يوم الدنيا هذا، وحتى أكون دقيق ليست لوحدها، بل كل قوى اليسار وقعت في ذلك التخبط. وانزلقت في متاهة تحالفات إقليمية ومحلية اساءت كثيرا لتجربتها الريادية، حتى ان بعض كوادرها السياسية والعسكرية لم يعد يميز بين التحالف التكتيكي والتحالف الاستراتيجي، ولم تفصل بين الدين والسياسة، وبين الحركات الدينية بتلاوينها المختلفة، ولم تفرز الغث من السمين في هذه المدارس والفرق الدينية، ولم تحدد مكانها الوطني الدقيق اثناء وبعد انقلاب حركة حماس على الشرعية الوطنية أواسط عام 2007 ليس هذا فحسب، انما تساوقت مع خيار الانقلابيين التخريبي، وضاعت في دهاليز الفوضى والارباك، مما اثر على مصداقيتها ودورها التاريخي، الذي يبدو ان القيادات الحالية للشعبية نسيته، ولم تعد تذكر اولويات القيادات التاريخية في اشد لحظات الصراع مع قيادة المنظمة وحركة فتح، مما اساء لتجربتها ومكانتها الوطنية والقومية.

مما لا شك فيه، ان التحالفات مشروعة في محطات الكفاح الوطني، ولكن هناك تحالفات مؤقتة وتكتيكية، وهناك تحالفات بعيدة المدى، وفي مطلق الأحوال واي كانت حدود التباين مع فصائل المنظمة عموما وحركة فتح خصوصا، يبقى التحالف معها ذات طبيعة استراتيجية، غير ان التحالف مع القوى الاسلاموية يبقى في النطاق التكتيكي. لان تلك القوى واي كانت شعاراتها ومواقفها المعلنة لا يمكن ان تكون حليفا استراتيجيا، ولا يمكن لإيران الفارسية مهما دفعت من أموال ان تكون حليفا للمقاومة، لانها شريكة اميركا في تدمير العراق، وادواتها التي تحكم حتى اللحظة هناك، وفي العديد من العواصم العربية، وعلى حساب المشروع الوطني والقومي العربي. واذا كان ولا بد من تدوير الزوايا ونسج علاقات تحالفية تكتيكية ارتباطا بشروط اللحظة السياسية، لا يجوز ان ينسى قادة وكوادر الشعبية من هي ايران الفارسية.

والان ومع اشتداد الهجمة الصهيو أميركية فان الضرورة تتطلب من المكتب السياسي واللجنة المركزية للشعبية ان تغلب البعد الوطني على الحسابات والشعارات الفضفاضة والكبيرة، والانشداد لتطوير وتعزيز مكانة منظمة التحرير من خلال الانخراط في هيئاتها المركزية والعمل من داخلها لاصلاح شؤون البيت الفلسطيني، ومواجهة قيادة المنظمة وحركة فتح من على أرضية مبدأ وحدة / صراع / وحدة، ومن داخل بيت المنظمة، لا بالتساوق مع فرع حركة الاخوان المسلمين في فلسطين (حماس)، التي حاولت مرات عدة لتقويض المنظمة وسحب البساط من تحت اقدامها.

بمناسبة الذكرى ال54 لانطلاقة الشعبية، التي ارجوها ان تكون محطة للتقييم والمراجعة للتجربة السابقة، ولاعادة النظر في السياسات الخاطئة، لحماية دور ومكانة الشعبية، واستعادة ثقلها التاريخي في صفوف الحركة الوطنية، ولتكريس والارتقاء بمكانة ودور منظمة التحرير. وكل عام والشعبية قيادة وكوادر وأعضاء وانصار بخير.

كلمات دلالية

اخر الأخبار