تربية الإنتاج وتغيير توصيف وزارة التّربية في سورية من خدميّ لإنتاجيّ

تابعنا على:   09:01 2021-12-08

نبيل أحمد صافية

أمد/ تعدّ وزارة التّربية من الوزارات المهمّة في أيّة دولة كونها تمثّل فلسفة الدّولة ورؤاها وتطلّعاتها ، والتّربية عماد الوطن ، وهي أساس الأخلاق فيه ، وسأتحدّث عن ربط التّربية بالإنتاج في سورية ، وتغيير توصيف وزارة التّربية من خدميّ لإنتاجيّ.

وقد سبق أن أشرت لذلك في مقالات ومقابلات عدّة ، تحدّثت فيها عن مضمون الدّراسة استراتيجيّة لتطوير وزارة التّربية في سورية التي تقدّمت بها لمقام رئاسة مجلس الوزراء ، وعنوانها : " آفاق تطوير وزارة التّربية في الجمهوريّة العربيّة السّوريّة " ، وهي الموجّهة لمقام رئاسة الوزراء والمحالة من رئاسة الوزراء للسّيّد وزير التّربية برقم 2025/ م. خ/ق تاريخ 8/8/2017 م ، وأتبعتُها بدراسة أخرى مسجّلة في رئاسة مجلس الوزراء برقم ( 2477م/خ/ق ) تاريخ 1/10 ، ومحالة لوزارة التّربية عن طريق رئاسة مجلس الوزراء لتطوير التّربية منذ أيّام الدّكتور هزوان الوز الوزير الأسبق ، وتأتي الدّراسة أو البحث ضمن سياق مشروع الإصلاح الإداريّ الذي دعا إليه السّيّد رئيس الجمهوريّة أمام السّادة الوزراء في اجتماعه بهم خلال الجلسة الأسبوعيّة الدّوريّة لمجلس الوزراء ، وتشرّفت بالتّكريم من السّيّد الوزير عماد العزب بناء لذلك بعد سلسلة لقاءات جمعت بيننا ، وكان التّكريم برقم : ( 2866/ م ) تاريخ 4/3/2019 لتقديمي تلك الدّراسة ، علماً أنّها مسجّلة بعنوان : " آراء تطويرية لبعض وزارات الدّولة في الإعلام والتّربية والمصالحة الوطنيّة في ضوء مشروع الإصلاح الإداريّ للسّيّد رئيس الجمهوريّة في سورية " ، برقم (3911 ) لعام 2018م  ، لدى مديرية حماية حقوق المؤلف والحقوق المجاورة في وزارة الثّقافة؟

 وحصلت بموجبها على شهادة إبداع حفاظاً عليها من السّرقة الفكريّة لمضمون دراساتي وإقراراً بحقّي فيها ، وعُقِد مؤتمر التّطوير التّربويّ في الفترة بين السّادس والعشرين والثّامن والعشرين من الشّهر التّاسع لعام ألفين وتسعة عشر ، وشرّفني السّيّد الوزير الأستاذ عماد العزب بالدّعوة لحضوره ، وتمّ نشر مضمونها ضمن سلسة " آراء تطويرية لوزارة التّربية في سورية " في موقع ( الحدث اليوم ) وغيره عام 2018 م ، وقدّمتُها في أكثرَ من مقابلة تلفزيونيّة في الإعلام الرّسميّ السّوريّ وفي مواقع إلكترونيّة وصحف عربيّة ، كما تمّ تقديمها أيضاً للمكتب الخاص بفخامة السّيّد الرّئيس وهي الآن برعايته ، وننتظر التّوجيه المناسب ، واستناداً لما سبق فقد تقدّمت بكتاب للمكتب الصّحفيّ في وزارة التّربية من أجل إجراء مقابلة تلفزيونيّة أيضاً في التّربويّة السّوريّة وطالبت بحضور مديرَي التعليم الثّانويّ والفنّيّ في الوزارة ، وقد اعتذر مدير التّعليم الثّانوي بحجّة عدم الاختصاص ، وهنا تمّت مراسلة السّيّد الوزير الدّكتور دارم طبّاع عن إمكانية التّوجيه وسألته إذا كان وجود مدير لا يستطيع تطوير مجال التّعليم في موقع المسؤوليّة عن مديريّته أي مديريّة التّعليم الثّانويّ ،  فكيف يمكن أن يكون مديراً ليسهم في عملية التّطوير ؟!، وتمّت مقابلة السّيّد مدير التّعليم الفنّيّ والمهنيّ في الوزارة وتمّت مناقشته في بعض نقاط الدّراسة ، وكذلك تمّ اللقاء بالسّيّد الوزير الحالي الدّكتور دارم الطّبّاع وجرت نقاشات حول مضمون البحث أيضاً بتاريخ العشرين من الشّهر الثّامن الماضي .

وأمّا الاستراتيجيّات التي وُضِعَت فقد شملت عمليّة التّطوير المطلوبة اثني عشر مجالاً ، منها : الأهداف التّربويّة والتّعليميّة , والمناهج وطرائق التّدريس , والبيئة الصّفّيّة والأبنية المدرسيّة والمكتبة والمختبرات أو المخابر العلميّة واللغويّة , التّعليم المِهْنيّ , والسّلوك المدرسيّ , والإرشاد النّفسيّ , ومشرف الأنشطة اللاصفّيّة , والتّوجيه التّربويّ والاختصاصيّ ، والامتحانات , والإدارة التّربويّة , والمناشط المختلفة ودور المعلّمين , والقوانين التّربويّة ..

وقد تناولت فيها جملة من الأهداف الاستراتيجيّة لتسليط الضّوء على واقع وزارة التّربية في سورية لتحقيق الأهداف الآتية :

الارتقاء بالعمل التّربويّ والتّدريسيّ وتطوير الأهداف التّربويّة والتّعليميّة وفق الواقع الرّاهن ، والارتقاء بالمناهج التي كانت من عام 2011 تدعو للثّورة وتحرّض عليها ، وإعادة النّظر في المناهج التي لم تُعدَّل بعد للارتقاء بالفكر الجمعي والفرديّ وتنمية الابتكار والإبداع التّربويّ والنتاج المعرفيّ للمتعلّمين ، والهدف الثّالث : تطوير نظام الامتحانات المعمول به في وزارة التّربية ، والهدف الرّابع وهو موضوع مقالتي الحاليّة : تغيير توصيف وزارة التّربية من خدميّ لإنتاجيّ ، وخامس الأهداف : إعادة قوننة وزارة التّربية وإعادة هيكليّتها وبنائها على أسس وقواعد استراتيجيّة صحيحة تتيح المجال لمشاركة مختلف الأحزاب الوطنيّة والفعاليات الشّعبيّة في العمل التّربويّ وتطويرها ودمج عدد من المديريّات ببعضها ، وسادسها : الاهتمام بالمعلّمين على اختلاف والارتقاء بالمستوى التّدريبيّ والتّربويّ .

وهنا يمكننا أن نتساءل عن الأنشطة التي يمكن أن تسهم في تحويل أو تغيير توصيف وزارة التّربية من خدميّ لإنتاجيّ ، وما دور التّعليم الفنّيّ والمهنيّ في ذلك ؟.

فمن المعلوم أنّه ينبغي الاعتماد على مفهوم التّربية التي تنمّي الإبداع ، وهي التي تستوجب التّركيز على الأنشطة الصّفّيّة واللاّصفّيّة في المدارس ، واتّباع طرائق التّدريس اللازمة والواجب توفرها لتحقيق الابتكار والإبداع ، ولابدّ من تنويع وظائف الأنشطة الصّفّيّة واللاّصفّيّة ليتكامل دورها في تطوير التّعليم ، ونشاطات البحوث العلميّة والابتكار في صنع الوسائل التّعليميّة والتّعليم المِهْنيّ ، والنّشاطات البيئيّة لتنمية القدرات الإبداعيّة للطّلاّب ومختلف أنواع المهارات كالمهارات اللغويّة أو الوظيفيّة أو الإبداعيّة وسواها ، وتمكين الأنشطة التّربويّة والعمليّة في مختلف المجالات التِّقْنيَّة والمِهنيّة والصّحّيّة والبيئيّة والاجتماعيّة كأنشطة التّدبير المنزليّ والأنشطة المحاسبيّة والتّجاريّة ، وأنشطة الصّناعات الكهربائيّة والالكترونيّة ، والأنشطة في مجال المعلوماتيّة ، والأنشطة الفنّيّة والموسيقيّة وسواها ، وتنمية التّفكير النّقديّ والإبداعيّ أو الابتكاري والحوار الهادف بين الطّلاّب لاكتشاف الدّقّة والملاحظة العلميّة العمليّة , والتّركيز على الأنشطة الاستكشافيّة العامّة ، وذلك عبر تنويع تلك الأنشطة ، وإشراك الطّلاّب في التّخطيط لبعض الأنشطة كي تلبّي رغباتهم وحاجاتهم وتنمّي ميولهم ، وتنفيذ الخطط التي صاغوها كي يكتسبوا نوعاً جديداً من المهارات اللازمة في حياتهم العمليّة ، وتعديل البيئة الصّفّيّة والأبنية المدرسيّة لتتوافق مع البرامج التّربويّة الحديثة عبر أساليب عديدة .

وأمّا التّعليم المِهْنيّ ودوره ، فمن الممكن أن يكون من مرحلة التّعليم الأساسيّ وفق معايير محدّدة من الصّف السّابع في حال ترفيع الطّالب ، وعدم تمكّنه من الاستمرار في التّعليم العام ، وضرورة الاهتمام بالتّعليم المهْنيّ بفئاته أو فروعه واختصاصاته المختلفة ضمن التّنمية المستدامة ، وتطوير التّعليم الفنّيّ وخريجيه وليس الاهتمام بالأوائل منهم لقبولهم في الجامعة ممّا يشكّل عزوفاً عن هذا النّوع من التّعليم ، وأن تكون هناك ضمانات للطّلّاب تشجيعيّة ، ومتابعة الأبحاث لوضع معاييرَ جديدة عادلة في التّعليم الفنّي دون أن يكون عدد المتفوّقين هو المعيار ، وأن يتمّ تغيير المنهاج المهنيّ ليكون متناسباً مع متطلّبات السّوق ، والتّركيز على الجانب العمليّ ، وأن يتمّ تغيير نظام القبول في التّعليم العام والمِهنيّ للاعتماد على الخريجين في النّهوض بالواقع المهنيّ والاقتصاديّ في المجتمع وضرورة متابعة الخريجين والاهتمام بهم وتعيينهم ، وأن تكون هناك ثانوية للمتفوّقين خاصة بهم .

ولو تساءلنا : هل يمكن للتّعليم العام والخاص أن يكون لهما دور في مجال ذلك التّغيير المنشود ؟ ، ممّا لا شكّ فيه أنّه بالإمكان أن يتمّ ذلك عبر تعديل القوانين النّاظمة للتّعليم الخاص في كلّ الصّفوف ، بحيث يمكن قبول طلّاب في المدارس العامّة للدّراسة الخاصة في المدارس الحكوميّة في مراحل التّعليم المختلفة أسوة بالتّعليم الجامعيّ كالتّعليم الموازيّ أو المفتوح ، كأن يتمّ افتتاح شعبة خاصة من كلّ صفّ ضمن منطقة تعليميّة ، ويعود ريعها للتّربية والمدرسة ، بصورة عامة وفق مبدأ النّسبة بينهما ضمن نسب محدّدة ، بما يعود بالمنفعة على المدرّسين جميعاً وليس للمعلّمين الذين يقومون بالتّعليم في تلك الشّعب ، وفق صيغة العمل التّعاوني بينهم جميعاً ، ممّا يجعل من وزارة التّربية منتجة أيضاً في المجال الاجتماعيّ والاقتصاديّ ، وتعود منفعتها لكلّ المعلّمين ممّا يحسّن الواقع المعيشيّ للمعلّمين جميعاً أسوة بالتّعليم العالي والصّحّة ، وهذا لا يلغي مجانية التّعليم ، بما أنّ الدّولة سمحت بالتّعليم الخاص والتّرخيص له .

وهنا يتبادر للأذهان السّؤال الآتي : ما المعايير التي يمكن أن يتمّ اعتمادها في إنتاجيّة التّربية ؟!، فلا بدّ بدايةً من مراعاة المعايير الوطنيّة ، وأن تلبّي تلك المعايير طموحات أبناء الوطن والاحتياجات الوطنيّة ، مع العلم أنّ لكلّ مجتمع خصوصيّته في أساليب التّربية واستراتيجيّاتها ، فما يصلح للخليج أو سواه لا يصحّ تطبيقه في سوريّة ، والعكس صحيح ، ولابدّ أن تكون المناهج متوافقة مع المجتمع وتوجّهاته ، وأن تكون ركيزة أساسية في إعداد مخرجات التّعليم وفق أفضل المواصفات العالمية لتمكين المتعلّمين من مهارات القرن الحادي والعشرين وتأهيلهم لمتطلّبات التّعليم العاليّ وسوق العمل بما يتوافق مع السّياسة التّعليميّة العامة في الدولة وأهدافها ، ومتطلّبات التّنمية المستدامة ، وهذه المعايير متعدّدة ويمكن اعتمادها ، ولا يتعلّق الأمر بالتّعليم المِهْنيّ فحسب ، بل في كلّ مجالات التّربية والتّعليم فيها ، ومن المعلوم أنّ المناهج تعكس السّياسة المخطّط لها من الدّولة ، وهي تبني العقول والدّول ، ولا بدّ من إعداد برنامجَ عملٍ وخارطةً معرفيّةً ونفسيّةً لقياس البعد النّفسيّ للمناهج ، ويؤسِّس خارطةَ مفاهيم تساهم في بناء الإنسان أو الجيل النّاشئ تنشئة تربويّة صحيحة وفق أسس واستراتيجيّات تربويّة ومعرفيّة وعلميّة دقيقة ، ويقوم بالإشراف على لجان تأليف الكتب المدرسيّة بصورة علميّة وتربويّة ونفسيّة صحيحة ، ويكون لها بعدها النّفسيّ المنسجم مع تطلّعات الفلسفة العامّة لسياسة الدّولة والأهداف العامّة المراد تحقيقها .

وإذا تساءلنا : هل هناك علاقة للقوانين التّربويّة الحاليّة المعمول بها في وزارة التّربية بتعيير التّوصيف ؟!، فمن الملاحظ في القوانين الحالية بأنّها لا تتماشى مع التّغيير المنشود ، لذلك لابدّ من تعديل بعض القوانين التّربويّة والاجتماعيّة والنّظر في البيئة التّربويّة والاجتماعيّة والاقتصاديّة ، ورفع معنويات المربّي من النّاحية المادّية والمعنويّة حتّى يكون قادراً على العطاء وعملية الإدارة التّربويّة داخل الصّف وخارجه ، وكي لا يضطر للعمل وممارسة أيّ عمل يسيء لمهنة التّدريس وقدسية العملية التّربويّة ويكون قادراً على التّفرغ الكامل للتّعليم والتّحضير ، ولا بدّ من تعديل القوانين التّربويّة النّاظمة لمختلف مراحل التّعليم ، ولعلّ الأمر الأهمّ ضرورة العمل على تغيير القوانين النّاظمة لعمل الوزارة لتغيير توصيف وزارة التّربية من خدميّ لإنتاجيّ ، وهناك معايير عديدة بمكن اعتمادها بما يلبّي ذلك الغرض .

وأودّ الإشارة ختاماً إلى ما قاله إمبراطور اليابان عندما  سُئل ذات يوم عن أسباب تقدّم دولته في هذا الوقت القصير، فأجاب :

" بدأنا من حيث انتهى الآخرون ، وتعلّمنا من أخطائهم ، ومنحنا المعلّم حصانة الدّبلوماسيّ وراتب الوزير  ."

كلمات دلالية

اخر الأخبار