«الإخوان» وشعبية الجيش

تابعنا على:   08:16 2013-11-10

حمد الماجد

كان أحد الأصدقاء السعوديين يقود سيارته في الرياض فاتجهت نحوه سيارة فتفادى الاحتكاك بها، لكن عجلات سيارته احتكت بالرصيف، توقف صاحبنا وفتح نافذة سيارته ليؤنب قائد المركبة الأخرى، فلاحظ من لهجته أنه مصري، عاتبه بسؤال ظريف ممزوج بالسياسة: «ثورة دي والا انقلاب»؟ انفجر المصري ضاحكا وقال: «انقلاب انقلاب»، وفي سبتمبر (أيلول) الماضي كنت أسير راجلا في أزقة قريتي «ثادق» (125 كم شمال الرياض)، فمررت بعامل مصري تجاوز الستين يعمل في مزرعة، مازحته وأنا أقصد جس نبضه السياسي، قلت: «إيه يا عم ما لك مكشر؟ والا عشان الإخوان طارت منهم رئاسة مصر»؟ التفت إلي وهو يتكئ على معوله مقطب الجبين مع ابتسامة المغضب وقال: «يغوروا في ستين داهية»!! موقفان ظريفان يختزلان حالة الاستقطاب في المشهد السياسي المصري.

لقد زرت مصر مرتين وذلك بعد حراك 30 يونيو (حزيران) وسيطرة الجيش على مقاليد الحكم في البلاد وعزل الرئيس السابق الدكتور محمد مرسي، وتجولت في القاهرة وخرجت للريف والنجوع، وانتهزت الحميمية الصادقة والتلقائية الرائعة التي يمنحها المصريون في تعاملهم الودي العفوي مع الزائر، كما التقيت الكثير منهم في السعودية، فانطلقت في تبادل الأحاديث الماتعة معهم حول الأوضاع وتقييمهم لها ونظرتهم الاستشرافية للمستقبل، إذ في تقديري أن الإعلام المصري بشقيه الرسمي والخاص، وكذلك الإعلام الإخواني، لا يعول عليهما كثيرا في الحصول على الحقائق كما هي على أرض الواقع من دون مبالغة أو تهميش، فالخصومة الشديدة بين قادة الجيش و«الإخوان» بعد أن أقصوا عن حكم مصر في نزال 3 يوليو (تموز) بعد انتظار دام أكثر من ثمانين عاما، جعل إعلامهما حبيس هذه المنازلة القاسية.

كانت حواراتي مع المصريين في السعودية ومصر ودية ومحض الصدفة حيث ألتقيهم، وأحسب أنها غطت شرائح المجتمع المختلفة، أكاديميين، طلابا، محامين، فلاحين، متعلمين، أميين، باعة، عمالا، سائقي أجرة، وقد لاحظت عددا من الحقائق التي لا تخطئها العين، منها أن الشعبية التي يحظى بها الفريق السيسي بين شريحة كبيرة في الشعب المصري هي أيضا منقسمة بين محبة للفريق وتأييد مطلق لكل قراراته وإجراءاته والدفاع عنه بطريقة:

«إذا قالت حذامِ فصدقوها

فإن القول ما قالت حذام».

وشريحة أخرى يحظى بشعبيته بينها، ولكنها لا تؤيد بالضرورة طريقة فض اعتصامي رابعة والنهضة، كما أنها أيضا لا توافقه على الإجراءات التي اتخذها، كحل مجلس الشورى وإعادة صياغة الدستور، وهذا ما يجب التنبه له، إذ إن الجموع الضخمة المحتشدة في 30 يونيو تكاد تجمع على المطالبة بانتخابات مبكرة أو تنحي مرسي، وكل الإضافات الأخرى لم تكن من صميم المطالب.

والحقيقة الأخرى أن «الإخوان» وإن كان لهم شعبية تاريخية أسفرت عن انتصارين في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، إلا أنها انتقصت من أطرافها بعد التجربة الصعبة في الحكم، بغض النظر عن أنها فشل أو إفشال أو مزيج بينهما، ومع أن هناك شريحة كبيرة من خارج «الإخوان» تساند «الإخوان» حتى ولو لم تشارك مع مظاهراتهم، فإن الملاحظ أن هناك أيضا شريحة كبيرة من المصريين من غير المنتمين حزبيا ولا آيديولوجيا تحمل حنقا شديدا تجاههم رغم النهاية المأساوية لفصل من فصول نشاطهم السياسي، هذه ظاهرة تستحق من «الإخوان» أن يتوقفوا عندها كثيرا تحقيقا ودراسة وتأملا، ولو أصروا على أن الإعلام وحده هو السبب فإنهم يقدمون تشخيصا خاطئا يؤدي بالضرورة إلى معالجة خاطئة.

عن الشرق الاوسط السعودية

اخر الأخبار