كان ياما كان في قديم الزمان "سينما في غزة"

تابعنا على:   08:03 2021-10-14

أشرف صالح

أمد/ رغم أن الأفلام العربية والأجنبية متوفرة على مواقع الإنترنت والفضائيات , سواء القديمة منها أو الحديثة والتي تشاهد لأول مرة بثمن مدفوع عبر بطاقة بكنية , وبالطبع كل أنواع الأفلام متوفرة وبسهولة بسبب التقدم التكنولوجي وتعدد وسائل العرض , ولكن تبقى المتعة الحقيقية في ذهن وخيال كل من عاصر السينما "دور العرض السينمائي"  في غزة قبل الإنتفاضة الأولى "الثمانينيات" وسواء كان شاباً أو طفلاً في ذلك الوقت , فهذه المتعة تبقى في الذاكرة , متعة أن تذهب مع أسرتك أو مع أصدقائك الى السينما لمشاهدة فيلم بين جمهور من الناس وتتفاعل معهم أثناء أحداث الفيلم , وتبكي معهم وتفرح معهم وتترقب معهم "البطل ورئيس العصابة" وتنتظر معهم النهاية وأنت تتسلى بالبزر والترمس والشيبسي والشاي والقهوة والكولا , فهذه الأوقات الجميلة في الزمن الجميل , قد تتحول وللأسف الى مشهد حزين في حياتك عندما تتجول كشاب في الأربعين من العمر , أو شيخ إقترب  من عمر الستين , لتشاهد السينما في غزة أصبحت عبارة عن مباني مهجورة , وعندها تتسائل , لماذا لا يوجد دور عرض سينمائي في غزة في ظل دولة العلم والثقافة الفن والمؤسسات؟  لماذا نفتقد الى الماضي الجميل؟ لماذا لا يكون حاضر أجمل؟ وكل هذه الأسئلة يطرحها شباب الأربعين وما فوق , وهم يعلمون جيداً أن الفساد السياسي أفسد الفن كما أفسد كل شيئ جميل في المجتمع , ولكن تبقى عدم معرفة التفاصيل حائلة بينهم وبين الإجاية , لأنه وبصراحة ليس الفساد السياسي وحده من قضى على الفن والسينما في غزة , ولكن المجتمع الفلسطيني والذي أصبح مجتمعاً مادياً بسبب الفساد السياسي , هو أيضاً مسؤولاً عن غياب الفن الحقيقي ودور العرض السينمائي في غزة .

من خلال حضوري للكثير من الندوات السينمائية والفنية , لاحظت أن غالب المخرجين والكتاب والمنتجين والفنانين في غزة يشكون من قلة الإنتاج السينمائي وقلة التمويل لهذا الإنتاج , ويحملون الجهات الرسمية ووزارة الثقافة المسؤولية عن هذا التقصير , ويناشدون المسؤولين وعلى رأسهم وزير الثقافة , والإتحادات والنقابات الفنية بأن يكون إهتمام ورعاية للسينما في غزة , سواء بما يخص الإنتاج السينمائي أو ما يخص إعادة فتح دور العرض السينمائي في غزة  , ورغم أن كل من ذكرتهم هم مسؤولون عن إنهيار السينما في غزة , إلا أن هناك مشكلة واضحة في مجتمعنا بما يتعلق بالفن والسينما تحديداً , وهي تنقسم الى قسمين..

أولاً : أن النخبة في مجال الفن والسينما يعتقدون أن حل المشكلة كاملة بيد المؤسسات الفلسطينية الرسمية وخاصة وزارة الثقافة , متناسين أن صناعة السينما وفتح دور العرض في كل الدول هي قطاع خاص , بمعنى أن كل شخص يمتلك رأس مال بإمكانه أن ينتج فيلم سينمائي , أو يكون صاحب شركة إنتاج سينمائي , وكل شخص يمتلك رأس مال بإمكانه أن يفتح سينما "دار عرض" ويعرض الأفلام بموجب إتفاق مع صاحب الفيلم أو صاحب شركة الإنتاج السينمائي , وذلك بمقابل أجر بمبلغ مالي , وبالطبع يتم العرض مقابل تذاكر مالية من الزوار , وبالتالي يستفيد صاحب الفيلم مادياً , ويستفيد صاحب دار العرض مادياً , بالإضافة الى إستفادة طاقم العمل سواء في السينما أو في دار العرض , وتصبح عملية الإنتاج السينمائي في غزة بمفهوم التجارة والصناعة كما متعارف عليه في مصر عاصمة السينما العربية , وأيضاً في كل دول العالم , وفي هذه الطريقة يصبح في غزة منظومة فنية وسينمائية كاملة لها أدواتها وكواردها وإيراداتها المادية , ويتجدد إنتاج الأفلام السينمائية , ويتجدد عرضها في دور العرض بشكل مستمر يتيح للمنتج العائد المادي , ويتيح للفنان والمخرج مصدر رزق مقابل فنهم , ويتيح للمواطن المتعة في المشاهدة , سواء بما يتعلق بالترفيه عن النفس أو بالرسالة السامية التي يقدمها الفن الراقي للمشاهد .

ثانياً : مشكلة السينما في غزة تقع أيضاً بالإضافة الى ما ذكرت أعلاه , على عاتق المنتج والمستهلك , فالمنتج هو مفترض أن يكون صاحب دار للعرض السينمائي , أو صاحب شركة إنتاج سينمائي , والمستهلك هو المواطن الذي من المفترض أن يذهب الى السينما ويدفع التذكرة على شباك التذاكر ليحضر الفيلم ويستمتع مع أصدقائه أو أسرته , فإذا التقيا المنتج السينمائي مع المستهلك سوياً , أنتجا منظومة سينمائية متكاملة , وبالطبع هذه المنظومة من المفترض أن تشمل جامعات وكليات متخصصة في تعليم كل ما يتعلق بالسينما والفن , مثال ذلك "المعهد العالي للسينما , قسم التصوير – قسم التمثيل – قسم الإخراج – قسم الموسيقى – قسم المونتاج – قسم السيناريو...إلخ" ولكن كل من ذكرتهم أعلاه , والذي من المفترض أن يجتمعون سوياً ليشكلون منظومة إنتاج سينمائي متكاملة , هم  بالأصل غير متفقين على هذه المنظومة , لأن غالبيتهم لا يعرفون هذه المنظومة من الأصل بسبب ضعفهم المهني وقلة خبرتهم في واقع السينما , وأيصاً هم جزء من الإنقسام والفساد السياسي على أرض الواقع , والذي يقف حاجزاً أمام أي إبداع سينمائي , وحتى أمام أي تجربة قد يكون محكوماً عليها بالفشل قبل أن تبدأ  , وهذا ما يقف حائلاً أمام أي مبادرة من شأنها إعادة عجلة الإنتاج السينمائي في غزة وعرضه في دور عرض سينمائي , بسبب أن رأس مالهم قد يكون في خطر نتيجة عدم موافقات وترخيص من الجهات المعنية , أو عدم إستيعاب المواطن المقهور لفكرة الذهاب الى السينما لقضاء وقت مسلي وممتع , لأنه كل همه أن يحصل على رغيف الخبر الذي أصبح صعباً في غزة بسبب الإنقسام والفساد السياسي , ولذلك تموت الفكرة قبل أن تولد , ويبقى الأمل حياً لدى عشاق السينما .

كان ياما كان في قديم الزمان سينما في غزة , فالزمان لم ولن يعود , ولكن الفكرة تبقى حية لدى كل عاشق للسينما والفن الجميل , لعل وعسى أن يعود إلينا زمن السينما  بحلته الجديدة , ومن هنا أناشد كل مسؤول في الدولة في هذا المجال , أن يلتقي مع أهل الخبرة والإختصاص , وذلك من أجل إحياء السينما والفن الجميل من جديد , وخلق روح التعاون مع الجهات المسؤولة والمنتج والمستهلك , عبر مبادرة جادة ومشتركة تتيح لكل من يعمل في قطاع السينما , أن تعود هذه المهنه والموهبة من جديد الى غزة , وذلك عبر توفير شبكة أمان حقيقية تحمي رأس مال المنتج وصاحب دار العرض السينمائي , وتشجع المستهلك بأن يعود من جديد كصاحب تذوق راقي يقدر الفن وصناع الفن , ويساهم في رقي الدولة بما يخص صناعة الثقافة والفن , ولا ينسى أن الفن قد ينسيه هموم الدنيا ويخفف من معاناته , ويوصل رسالته السامية وهويته الوطنية للعالم الخارجي , ويعلم جيداً أن الفن سفير الدولة , والموطن جزء من هذه الدولة .

كلمات دلالية

اخر الأخبار