قانون انتخاب مجلس النواب الليبي: الحيثيات، والمقاصد، والتداعيات

تابعنا على:   16:23 2021-10-13

أمد/ مقدمة

أقر مجلس النواب الليبي، المنعقد في مدينة طبرق شرق البلاد، في 5 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، القانون رقم 2 لسنة 2021 بشأن انتخاب مجلس النواب، بعد أقل من شهر واحد من إقرار القانون رقم 1 لسنة 2021 لانتخاب رئيس الدولة. ويأتي إقرار القانونين قبل شهرين ونصف من الموعد الذي حددته خريطة الطريق المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي الليبي لإجراء انتخابات عامة. وعلى غرار إقرار قانون انتخاب رئيس الدولة، أثار إقرار قانون انتخاب مجلس النواب تجاذبات واعتراضات لدى أطراف شتى، واعتُبرت بعض مواده مفصّلة على المقاس لتعزيز موقف أطراف وإضعاف حظوظ أخرى.

حيثيات القانون

تضمن قانون انتخاب مجلس النواب تسعة فصول وجدولًا ملحقًا؛ يتعلق بالدوائر الانتخابية والمراكز التابعة لها وتقسيم المقاعد عليها، وتضمنت الفصول التسعة 40 مادة.

ورد الفصل الثاني من القانون تحت مسمى "أحكام تمهيدية" وتضمّن مادتين؛ حددت الأولى عدد أعضاء مجلس النواب بـ 200 عضو، في حين نصت الثانية على أن الانتخاب "حر، مباشر، سري، وشفاف". أما الفصلان الثالث والرابع فقد تعلّقا بحق الانتخاب والشروط الواجب توافرها في كل من الناخب والمرشح، ونصَّا، بالخصوص، على تحديد السن الدنيا للناخب بـ 18 سنة وللمرشح بـ 25 سنة، وعلى أن يكون المرشح "حاصلًا على مؤهل جامعي أو ما يعادله"، وأن "لا يكون حاملًا لجنسية دولة أخرى ما لم يكن مأذونًا له بذلك من الجهات المختصة حسب القوانين واللوائح المعمول بها".

وبخصوص الدعاية الانتخابية، شددت المادة 11 من الفصل الخامس من القانون على عدم جواز قيام المرشحين بـ "التحريض أو الطعن في المرشحين الآخرين أو إثارة النعرات القبلية أو العشائرية أو الجهوية أو العرقية"، في حين حظرت المادة 12 من الفصل ذاته "الدعاية الانتخابية في المساجد والجامعات والمعاهد العلمية والمدارس الحكومية والخاصة والأبنية التي تشغلها الوزارات والدوائر والمؤسسات العامة أو الخاضعة لإشراف الدولة"، كما حظرت "تقديم الهدايا العينية أو النقدية أو غير ذلك من المنافع لغرض شراء الأصوات أو التأثير في الناخبين".

أما الفصل السادس فقد خُصص لـ "نظام الاقتراع وإجراءاته"، ونصت المادة 18 منه على اعتماد "النظام الانتخابي الفردي وفقًا لنظام التصويت الواحد غير المتحول"، وعلى تخصيص نسبة 16 في المئة من المقاعد لترشح النساء فقط. أما المادة 20 فقد حددت موعد التصويت لانتخاب أعضاء مجلس النواب بـ 30 يومًا من تاريخ انتخاب رئيس الدولة. وتعود المادة 21 إلى توضيح ما ورد في المادة 18 بالتأكيد على أن انتخاب أعضاء مجلس النواب "يتم من خلال إدلاء كل ناخب بصوت واحد لصالح مرشح واحد"، حيث يفوز المرشح الحاصل على أعلى أصوات المرشحين الصحيحة في الدائرة الانتخابية.

ردات الفعل على إقرار القانون

كما تقدّم، أتى إقرار قانون انتخاب مجلس النواب الليبي بعد أقل من شهر واحد من إقرار قانون انتخاب رئيس الدولة؛ الذي أثار بالمثل جدلًا وتجاذبات بين مختلف الفرقاء في ليبيا، وعُدّت بعض مواده مفصّلةً على مقاس شخصياتٍ بعينها لتمهيد الطريق أمامها لخوض الاستحقاق الانتخابي.

أعلن المجلس الأعلى للدولة في ليبيا، ومقره في طرابلس، "رفض خروقات مجلس النوّاب المستمرّة للاتفاق السياسي المضمّن في الإعلان الدستوري، آخرها إصداره ما أسماه ’قانون انتخاب البرلمان‘، دون الالتزام بنصِّ المادّة 23 من الاتفاق السياسي، والتي تُلزم مجلس النوّاب بالاتفاق مع المجلس الأعلى للدولة حول هذا القانون"، مؤكدًا "دعمه والتزامه بموعد الانتخابات في 24 من ديسمبر القادم"، ومحمّلًا مجلس النواب وأعضاءه "المسؤوليّة في حال حدوث أيّ تأجيل أو تعطيل لموعد الانتخابات، بسبب التصرفات أحاديّة الجانب، وعدم الاستناد على مواد الاتفاق السياسي لإنجاز القوانين الانتخابيّة".

أما المجلس الرئاسي الليبي، فقد ظل موقفه من التجاذبات موسومًا بقدر من الغموض، ولم يصدر عنه أي بيان، واكتفى رئيسه محمد المنفي باستقبال رئيس المفوضية الوطنية العليا للانتخابات في ليبيا لـ "مناقشة آليات تنفيذ العملية الانتخابية المقررة في 24 ديسمبر القادم، وتهيئة أفضل السبل الفنية والأمنية لإنجاحها"، والتأكيد على "ضرورة صياغة إطار قانوني ودستوري للعملية الانتخابية المقبلة، يتوافق عليه الجميع، حتى يساهم في إقامة انتخابات حرة، وتقبل بنتائجها كل الأطراف المشاركة في العملية السياسية"، في حين لم يصدر موقف واضح عن رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، الذي سحب البرلمان الثقة من فريقه الحكومي قبل أيام.

أما وزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني السابقة، فتحي باشاغا؛ الذي يُتوقع ترشحه للانتخابات الرئاسية القادمة، فقد "بارك إصدار مجلس النواب لقانون الانتخابات التشريعية المقبلة"، ودعا إلى "تمكين الليبيين من ممارسة حقهم بالتوجه نحو صناديق الاقتراع في 24 ديسمبر المقبل".

وعلى مستوى الأحزاب، أعرب حزب التغيير عن "رفضه الشديد لقانون الانتخابات البرلمانية الذي مرّره مجلس النواب بلا نصاب قانوني، لما فيه من إقصاء لمشاركة الأحزاب والكيانات السياسية من خلال الترشح بنظام القائمة"، معتبرًا أنّ هذا القانون "سيكرّس القبلية والجهوية على حساب المشاريع والبرامج السياسية التي تطرحها الأحزاب السياسية". أما حزب العدالة والبناء، فقد "رفض إصدار القوانين واعتمادها دون أساس قانوني صحيح، لا سيما تلك القوانين التي تحدد وترسم ملامح المرحلة المقبلة"، مشيرًا إلى "إغفال القانون لنظام القائمة الحزبية واقتصاره على النظام الفردي كأساس وحيد تُجرى عليه الانتخابات، في خطوة تتعارض مع أساسيات النظام الديمقراطي".

قانون على المقاس؟

ترتكز جلّ الاعتراضات التي قوبل بها إصدار قانون انتخاب مجلس النواب الليبي على أربع نقاط رئيسة، هي؛ طريقة إصداره، وتاريخ الاستحقاق الانتخابي، ونظام التصويت على الأفراد، وتوزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية.

أكد المجلس الأعلى للدولة وأطراف أخرى أن قانون انتخاب مجلس النواب، وقبله قانون انتخاب الرئيس، لم يُعرضا على الجلسة العامة، وأنّ النصاب القانوني لم يتوافر لتمريرهما، وأنهما صدرا وأُحيلا إلى المفوضية الوطنية العليا للانتخابات والجهات ذات العلاقة كأنهما أمر واقع، في حين لم يُجر مجلس النواب، برئاسة عقيلة صالح، أي مشاورات للتوافق حولهما؛ ما يُعدّ ذلك تنكرًا لمقتضيات الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات وخريطة الطريق المنبثقة من ملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف. وفي الآن ذاته، يُعدّ تقرير إجراء الانتخابات البرلمانية بعد 30 يومًا من إجراء الانتخابات الرئاسية مساسًا بخريطة الطريق التي تنص على إجراء انتخابات عامة متزامنة في 24 كانون الأول/ ديسمبر 2021؛ وهو تأجيل من شأنه فتح الباب أمام تجاوزات أخرى قد تهدد العملية الانتخابية برمتها.

وكان المتحدث باسم مجلس النواب قد برر تأخير موعد الانتخابات البرلمانية بـ "حرص مجلس النواب على إجراء انتخاب الرئيس بشكل مباشر من الشعب وعدم تجاوز ذلك، نظرًا لما مرت به البلاد خلال السنوات الماضية في ظل عدم وجود رئيس منتخب من الشعب"، غير أن التصريح لا يقدم أي تفسير متماسك بشأن الموانع التي تحول دون انتخاب الرئيس في حال إجراء الانتخابات بالتزامن، في حين أن الأمر يبدو على صلة بترشح شخصيات محددة للاستحقاق الرئاسي؛ على رأسها اللواء المتقاعد خليفة حفتر، إذ من شأن فوزه في الانتخابات الرئاسية فرض أمر واقع يساعد على توجيه المزاج الانتخابي، وعلى التأثير في نتائج انتخابات مجلس النواب، والتدخل في سيرها.

وفي السياق ذاته، يُعدّ إقرار نظام التصويت القائم على الأفراد عاملًا آخر لإضعاف التصويت السياسي القائم على البرامج. ورغم أن المتحدث باسم مجلس النواب أكد أنه "بإمكان الأحزاب السياسية المشاركة بالنظام الفردي وليس القوائم"، فإن التصويت على الأفراد في الانتخابات البرلمانية، في جوهره، إقصاء للمشاريع والبرامج السياسية، وفتح للباب أمام التصويت القائم على اعتبارات قبلية وجهوية وطبقية مثلما أثبتت التجربة في دول أخرى؛ خصوصًا في مرحلة انتقالية تشهد ضعفًا لمظاهر الدولة وارتدادًا إلى الانتماءات التقليدية.

وإضافة إلى ذلك، يمثّل توزيع المقاعد على الدوائر الانتخابية أحد الأسباب الرئيسة للتجاذب الحاصل حول قانون انتخاب مجلس النواب، إذ يرى معارضوه أنه لم يخضع لمعايير موضوعية، حيث من المتعارف عليه أن يجري تقسيم المقاعد على الدوائر الانتخابية على قاعدة التناسب مع عدد السكان، وهو الأمر الذي يبدو غائبًا في قانون انتخاب مجلس النواب المذكور. وقد مُنحت الدوائر الواقعة تحت سلطة حفتر والمناطق التي تقطنها مكونات قبلية قريبة من النظام السابق، في المنطقتين الشرقية والجنوبية خصوصًا، مقاعد تزيد على ثقلها السكاني، على حساب الدوائر الخارجة عن سلطة حفتر أو المعروفة بعدائها له في المنطقة الغربية. ويبدو ذلك جليًا بإجراء مقارنات بين مراكز من قبيل بنغازي ومصراتة وطبرق والزاوية وسبها وغريان. فعلى سبيل المثال، خُصص لمدينة بنغازي، الواقعة تحت سلطة حفتر، البالغ عدد سكانها 807255 نسمة، 20 مقعدًا، في حين خصص لمدينة مصراتة التي يبلغ عدد سكانها 663853 نسمة، 8 مقاعد، فيكون التناسب مقعدًا واحدًا لكل 40362 مواطنًا في بنغازي، ومقعدًا واحدًا لكل 82981 في مصراتة. أما مدينة سبها، التي يبلغ عدد سكانها 153454 نسمة فقد خصصت لها 9 مقاعد، بمعدل مقعد واحد لكل 17050 مواطنًا، في حين خصصت لمدينة الزاوية، التي يبلغ عدد سكانها 351306 نسمة، 8 مقاعد؛ بمعدل مقعد واحد لكل 43913 مواطنًا.

تدفع هذه التفاصيل إلى الاعتقاد أنّ قانون انتخاب مجلس النواب، وقبله قانون انتخاب الرئيس، أُعدّا على المقاس لتمهيد الطريق لمشهد سياسي ومؤسساتي قادم؛ تتشكل فيه أغلبية برلمانية من خارج الأطراف السياسية المعارضة للمشروع الذي يمثله حفتر، وتستمد مشروعيتها من حواضنها القبلية والاجتماعية، ولا يجمع بينها أي مشروع سياسي أو تنظيمي، ويسهل تطويعها لإرادة رئيس الدولة والقوى الإقليمية التي تدعمه؛ وهو ما يلقى رفضًا من المعسكر المعارض لحفتر.

وتبدو بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا والقوى الإقليمية والدولية ذات العلاقة بالمشهد الليبي حريصة على إجراء الانتخابات في مواعيدها المحددة أكثر من حرصها على ضمان مناخ من التوافق الوطني حولها؛ ما يُنذر بحصول أزمة كبيرة خلال المرحلة القادمة في ظل تصاعد خطاب التقسيم وفرض الأمر الواقع.

خاتمة

قوبل إصدار قانون انتخاب مجلس النواب، وقبله قانون انتخاب الرئيس، بمعارضة المجلس الأعلى للدولة وجلّ الطيف السياسي والحزبي، ومع أن تشريع القانونين تناقض إجرائيًا ومضمونًا مع روح الاتفاقيات التي توصل إليها ملتقى الحوار السياسي الليبي، فقد حافظت الأطراف الدولية والإقليمية ذات العلاقة على تأكيداتها السابقة بضرورة تنظيم الاستحقاق الانتخابي في موعده المحدد في خريطة الطريق المنبثقة من الملتقى. وتدفع التفاصيل المتعلقة بتأجيل موعد انتخابات مجلس النواب، واعتماد نظام التصويت على الأفراد، وتوزيع المقاعد على الدوائر والمراكز الانتخابية على نحوٍ لا يتفق مع ثقلها السكاني، إلى ترجيح الرأي القائل بهندسة القاعدة التشريعية للانتخابات على مقاس حفتر، وبما يضمن مشهدًا برلمانيًا قادمًا لا يخرج عن طوعه؛ وهي مؤشرات قد تدفع إلى نسف المسار برمته، خاصة في ظل تصاعد حدة الخطاب التعبوي الجهوي والتهديد بخيارات أخرى تصل حد العودة إلى ما قبل ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي أفرز خريطة الطريق المؤدية إلى الانتخابات.

اخر الأخبار