رغم انهيار الرواية الصهيونية لايزال المسؤول الفلسطيني مغرقا في معارك الماضي

تابعنا على:   14:52 2021-10-12

صالح عوض

أمد/ لم يمر المشروع الصهيوني بارتباك وقلق كما هو حاصل هذه الايام، فلقد اصبح واضحا من خلال المتابعات لكل مايصدر عن الكيان الصهيوني من تحليلات او قراءات او مواقف ان فيروس الفوضى دخل على العقل الصهيوني بعد ان اصابه الجمود نتيجة ذهوله مما حصل في المنطقة العربية من انهيارات على مستوى نظام الحكم واحتمال تغييرات دراماتيكية في المجتمعات العربية والاسلامية واحتمالات دخولها على خط الاشتباك بشكل او اخر في ساحات يحاول المشروع الصهيوني اقتحامها.. الا ان الصدمة التي يحاول العقل الصهيوني اخفاءها تلك المتعلقة بعقم التجربة وفشلها الذريع وعدم امكانية استمرارها في التعيش على المعوانات والدعم الغربي والامريكي الى مالانهاية والى اخر احلام المشروع الصهيوني..فهل يدرك الفلسطينيون حساسية المرحلة ودقة المعطيات فتصبح خطواتهم بناء على رؤية عميقة.

فوضى النظام العربي:
في المشهد المرأي يبدو أن النظام العربي يترنح غير قادر أن يستوي على قدمين تتناوشه المشكلات الاجتماعية والاوضاع الاقتصادية والتوترات السياسية ويجد نفسه لتحقيق بعض الاستقرار والشرعية يقدم على تنازلات مجانية للامريكان والصهاينة العاجزين اصلا عن حل مايواجهون من تحديات محلية واقليمية ودولية.. حتى عادت الادارة الامريكية والكيان الصهيوني في حالة زهد من كسب ركوع النظام العربي المثقل بهمومه ولم يعد ضروريا لهما ان يقدم النظام العربي على خطوات رسمية تنازلية اكثر..
ان ضعف النظام العربي يعني بوضوح ان احتمالات الفوضى للمرحلة القادمة وارد تماما قبل ان يستطيع المجتمع العربي الوصول الى اخراج ما في وجدانه ومصلحته لنظام سياسي اجتماعي واقتصادي يلبي حاجاته الماسة.
لقد أصبح النظام العربي والكيان الصهيوني في قارب واحد.. لقد فشلت تجربة الديمقراطية في المنطقة العربية لانها كانت مبتسرة في جزء منها له علاقة بالانتخابات وصندوقها وكأن الديمقراطية هي حصيلة اصوات الناخبين بعيدا عن مقدماتها في تنمية العمل الحزبي والتنوع السياسي والتشجيع على اعلاء صوت المعارضة وقمع الفساد السياسي والاداري والمالي وبناء مؤسسات حقيقية في البلاد.. فكان الفشل الرهيب لتجربة العمل السياسي كما يتجلى في الحالة التونسية التي ارهقت بكثرة لفها ودورانها بعد عشر سنوات من الثورة لتدخل من جديد دائرة الديكتاتورية.

والكيان الصهيوني في حالة ارتباك لانه على غير يقين من مآلات التحولات في المجتمعات العربية والاسلامية وكان مثال افغانستان صارخا امام قادة الكيان الصهيوني فهاهو بلد كبير ومؤثر وفي موقع استراتيجي يخرج من دائرة الصداقة والتعاون مع المؤسسة الامنية الصهيونية وكذلك في المنطقة العربية فهاهو العراق بعد تدميره يسير حثيثا نحو لفظ معوقاته من طائفية وتبعية ولن يطول به الوقت حتى يعود عراقا قويا.. وكذلك كثير من العواصم العربية حين النظر الى عمقها الوجداني والمعرفي نجد انها شيئا فشيئا تسير نحو الرفضية المطلقة لوجود الكيان الصهيوني.. ومثال مصر والاردن والبحرين والسودان ساطع بان الشعوب العربية يتعمق فيها الوعي برفض التطبيع واثارة الغضب ضد العلاقات مع الكيان الصهيوني..

لم يستطع الكيان الصهيوني الاستثمار في هزال النظام العربي وفوضاه وانهياراته لعدة اسباب منها يقين الكيان الصهيوني ان ذلك حقول الغام متشابكة وهكذا يبدو ان هزال النظام العربي يمثل خطرا على الكيان الصهيوني اكثر من قوته لان هزاله يحمل احتمالات تحمل داخلها مخاطر حقيقية غير متوقعة.

صحيح ان النظام العربي فشل في كل ما طرحه من شعارات فشل في الوحدة فلا مغرب عربي موحد ولا مجلس دول خليج موحد ولا تنمية ولا اقتصاد ولا حل لمشلاكت البطالة والجوع.. و كان فشله الفاقع يتمثل في عجزه عن تطبيع الشعوب مع حالة الخضوع للمشروع الصهيوني.. وعند اي مواجهة فلسطينية صهيونية يتجلى الموقف الشعبي كل مرة اقوى من سابقتها لاسيما في الدول التي طبع حكامها مع الكيان الصهيوني.

سراب امام المشروع الصهيوني:

صحيح ان المشروع الصهيوني حقق وجود الكيان على الارض بقوة وخبث وعلاقات متشعبة.. ولكن يعرف قادة المشروع الصهيوني منذ لحظة انطلاقه ان البقاء داخل الكيان سينتهي الى الانهيار والموت والانفجار حيث ان هذا الكيان لاسباب عديدة غير قابل ان يكون بوتقة لصهر الشخصية الصهيونية وايجاد دولة مستندة على قوتها وتنطلق لمهماتها من خلال قدراتها.. فكل عنوان من هذه العناوين يعاني من اسئلة وجودية ملحة تكبر مع الزمن.. لذا كان قادة المشروع الصهيوني منذ لحظات البدء ينظرون الى ميادين عمل اخرى وساحات ضرورية فكانت افريقيا طموحهم الاستراتيجي وكما كان تطبيعهم مع الدول العربية لاسيما المحيطة اهم هدف استراتيجي امامهم وذلك ليس من اجل اقامة علاقات طبيعية تطبيعية تنافعية انما من اجل الانطلاق نحو الخطوة التالية لتفسيخ الدولة العربية الى اثنياتها وتكوين بؤر فيروسية داخل كل دولة او طائفة او عرق لتحويل كل الموجود من ثروات الى دولاب المؤسسات الاقتصادية الصهيونية مستخدمة في ذلك كل الوسائل الامنية والاعلامية والسياسية.

فشلت القيادة الصهيونية في اختراق المنطقة العربية وقد اعلن التطبيع عن عجز اصحابه المذل وعدم قدرتهم على اختراق الوعي العربي والاسلامي.. وفي محاولات قادة المشروع الصهيوني التوسع في افريقيا كان الفشل الاستراتيجي بعد ان تمكنت الاجهزة الامنية والمؤسسات الاقتصادية من احداث اختراقات في اكثر من مكان فبلغ الطمع مداه بانه بالامكان ان يصبح الكيان الصهيوني عضوا مراقبا في الاتحاد الافريقي.. وكان تصدي الدول العربية مصر والجزائر وتونس وليبيا وموريتانيا حاسما بان احرق الحلم الصهيوني.. والامر اصبح ليس فقط مرهونا برفض المقترح بعضوية الكيان الصهيوني بل استتبع ذلك بمواقف عديدة لتحصين الوجود العربي في الاتحاد الافريقي.

على المستوى العالمي فلقد اصبح واضحا ان هناك سياسة تحمل تحولات استراتيجية على الرؤية والتصور لدى الامريكان- وهم الاكثر دعما للكيان الصهيوني- مما يعني ان وجود الكيان الصهيوني لم يعد بذات الموقع في الاستراتيجية الامريكية الحالية ولا المستقبلية.. صحيح ان ادارة الولايات المتحدة الامريكية لن تتخلى تمام عن الكيان الصهيوني لكن بالتأكيد سوف تستغني عن كثير من خدماته لاسيما المكلفة والتي تتطلب وجودا امريكيا قويا في المنطقة.. فوجود الكيان الصهيوني سيظل محل اهتمام امريكي اما وظيفة الكيان الصهيوني فسوف يجري عليها تعديلات.. وهنا الخطورة ان الكيان الصهيوني لايتمكن من الاستمرار بدون وظائف متنوعة متجددة في المنطقة والاقليم والعالم وهو في ذلك كله كان يجد التأييد والدعم من قبل الادارات الامريكية بلا تردد وهنا يبدأ الكيان الصهيوني في لجم نفسه عن عدة مشاريع او دخولها بلا دعم امريكي.. وهنا يصبح من الضروري ان تحاول الاداراة الامريكية ضبط السلوك الصهيوني لكي تستطيع التفرغ لخصومها الاستراتيجيين في الصين وروسيا وكوريا الشمالية ومشاريعهم التي تهدد الاقتصاد الامريكي و النفوذ الامريكي.. وهذه القراءة السريعة لطبيعة العلاقة بين الكيان الصهيوني وجودا ووظائف مع الادارات الامريكية يعطي تصورا لما يمكن ان يحدث قريبا في المنطقة.. والحديث عن علاقة الادارة الامريكية بالكيان الصهيوني تكفي للتدليل على ان العلاقة باوربا اقل حماسة واقل دعما للكيان الصهيوني حيث تصر اوربا على الحل الاوربي-اوسلو- باقامة دولتين متجاورتين ورفضها الاعتراف بشرعية المستوطنات و رفضها القبول باجراءات الامر الواقع الصهيونية.

في الكيان الصهيوني قلق واضطراب حقيقي عميق يبدو احيانا في تمظهر سياسي او اجتماعي كما نلاحظ في حلقات مسلسل الانتخابات وما نتابعه من فساد مستشري في دوليب الحكم ولكنه اعمق من ذلك انه يمس الوجدان والرعب من المجهول فليس هناك ضامن لاستمرار الكيان الصهيوني وليس هناك ضامن لبقاء المنطقة العربية في ظل نظام عربي عاجز خائر القوى وليس هناك ضامن لبقاء الدعم غير المشروط من قبل الادارات الغربية للكيان الصهيوني.

المسئول الفلسطيني في غيبوبة:
من اوضح سمات الفعل الفلسطيني المعاصر انه يتحرك بعيدا عن قراءات الواقع السياسي وبعيدا عن معطيات واقعية ويظل اسيرا لادوات الفعل في مراحل صنعته ودفعت اليه.. واهم ملاحظة يمكن تسجيلها على الفعل الفلسطيني انه دون قناعات الشعب الفلسطيني وانه دون معطيات اقليمية ودولية.. ففي حين يسجل الكيان الصهيوني اكثر حالات الانهيار النفسي والوجداني والقلق والتقييد لوظائفه وفي حين يزداد الفعل الانساني المؤيد للقضية الفلسطينية والمحاصر للاقتصاد الصهيوني في العالم وفي حين تخف سطوة النظام العربي التعيس يظل الفعل الفلسطيني كأن شيئا لم يتغير.

لم تمر مرحلة تاريخية متعاونة متعاطفة مع القضية الفلسطينية كالتي نعيش فلقد انكسرت حدة الاعلام الاستعماري الغربي والاشاعات الفاسدة والروايات الباطلة.. وتنامت في العالم كما في الامة العربية والاسلامية وحتى في بعض قطاعات المثقفين اليهود عناصر الرواية الفلسطينية وصحتها وحقانيتها.. ولم يكن الشعب الفلسطيني حاضرا في الوجود والفعل كما هو الان فلقد احدث الحضور الديمغرافي الفلسطيني سطوة وسلطانا بالغا اصبح تجاوزه من باب الجنون.

سلطة مصرة على مفاوضات عبثية في غياب المقاومة المسلحة استمرت اكثر من ثلاثين عاما بشكل رسمي لم تحقق شيئا على الارض بل منحت الاحتلال فرصا مؤقتة للتوسع في الاستيطان ونهب ثروات الشعب الفلسطيني وامواله..

وحركات معارضة لم تحسن تطوير اداتها المقاومة بل اتجهت الى محاصرة نفسها في جغرافيا محددة مكتظة محصورة في قطاع غزة في حين تم تعطيل المقاومة حيث يتواجد الفلسطينيون في اماكن كثيرة اخرى وكانها تبني دولة في جيب من الوطن اصبح من السهل على العدو استهدافها وتوجيه ضربات عنيفة للشعب لارهاقه واحداث الفصل بينه والمقاومة.. حركات معارضة لا تدري بالضبط اي المراحل تعيش فيها هل هي مرحلة مقاومة ام هي مرحلة بناء دولة..؟ وهنا تبرز ازمة العقل السياسي من جديد لانه سلم باحتمالية اقامة دولة قبل ان يتحقق ارهاق الكيان الصهيوني او اكنه ممكن اقامة دولة بجوار كيان عنصري صهيوني..

اما قضية الانشقاق السياسي الفلسطيني فهذه واحدة من معرات العقل السياسي الرسمي الذي يقود المرحلة وكوارثه.. ولا منجي من هذه الكارثة الا وعي الشعب الفلسطيني وايمانه الرافض بكل قوة الانشقاق والانقسام.

المسؤول الفلسطيني يعيش مرحلة غيبوبة عما يجب فعله الان في هذه المرحلة بالذات وعلى الارض الفلسطينية وخارج الارض الفلسطينية.. فهو قد تحول الى اداري مهمته منصبة على توفير الاموال والحضور في جلسات المفاوضات والتحكم بالقرار الفلسطيني و اصراره على ان لاتمر اي مبادرة مصالحة او تقارب الا حسب مزاجه ورأيه.

الفعل الفلسطيني الان خارج سياقه الطبيعي لان عقل المسئول السياسي الفلسطيني خارج سياق التطورات الحاصلة في المنطقة والاقليم والعالم.. وهذا سيكون المبرر القوي لميلاد تيار فلسطيني حرر عقله من الغيبوبة وعزيمته من الوهن والله غالب على امره

اخر الأخبار