نعمان شحرور في رحيلك تفقد الثقافة نجمها المضيء

تابعنا على:   20:48 2021-10-08

محمد علوش

أمد/ قبل أيام كنا مع لحظة فارقة وحزينة ، في حالة موجوعة برحيل الصديق الأستاذ والمثقف الموسوعي نعمان شحرور ، الذي ظل على الدوام وفياً للثقافة التاريخية التي حملها في عقله وفي قلبه بإخلاص لا مثيل له . 

عرفنا الأستاذ نعمان شحرور أستاذاً ومحاضراً مميزاً ، يبحر عميقاً في كتب التاريخ القديم والحديث ، فما من مسألة أو محطة أو ذكرى أو منعطف تاريخي الا وله فيه صولات وجولات ، فلم أشهد ولم أعايش في حياتي أستاذاً بمثل هذا الالمام والاهتمام بمادة التاريخ . 

خلال السنوات الماضية رافقت صديقي الراحل في مسيرة ثقافية مميزة ، فكنا ننظم لقاءًا أسبوعياً يحضره العشرات من المهتمين والمثقفين ، وكانت ندوات الأستاذ نعمان شحرور الأسبوعية شديدة التأثير على كل من يشارك فيها ، فكان كل من يشارك يأتي متهيباً متحفراً وجاهزاً للإصغاء التام لكل كلمة أو همسة يمكن أن يقدمها المؤرخ الضيف . 

كان مشاركاً فاعلاً في الحياة الفكرية والثقافية وفي النشاطات الوطنية العامة دون أي تعصب حزبي ، فكان انتماءه لفلسطين الأرض والشعب والهوية ، وصديقاً ورفيقاً مخلصاً لكل الوطنيين والديمقراطيين والتقدميين التنويريين . 

كنا نلتقي أسبوعياً في مكاتب جبهة النضال بطولكرم ، ويلتف حوله الرفاق والأصدقاء وكان سعيداً جداً بأن يجد مشروعاً ثقافياً واعداً يمكن أن تكون له أهدافه وتطلعاته ومخرجاته إذا استثمر في اطاره الصحيح ، ولطالما أسهم معنا في التحضير للفعاليات الثقافية والندوات الفكرية والتاريخية ، وفي طرح القضايا الجدلية والعميقة ، فكان محاوراً لبقاً وجريئاً ، لا يعرف المساومة على الحقيقة التاريخية . 

وخلال السنوات السابقة عقدنا أكثر من أربعة وخمسون ندوة ثقافية ، كان الاستاذ نعمان شحرور نجمها المضيء بوعيه الانساني والقومي والوطني وبذخيرته المعلوماتية التي تشبه " ذاكرة جوجل" . 

 فكم سنفتقدك يا صديقي البهي . 

ان رحيل الاصدقاء الاستثنائيين يترك فراغاً عميقاً في قلوبنا وفي حياتنا التي تزداد فيها عوامل القهر والفجيعة يوماً بعد يوم ، ودائماً كان الأستاذ نعمان مسكوناً بالأمل ويعيش اللحظة التاريخية ، ويؤمن بأن الغد سيكون أجمل .. فمن أين أتيت بكل هذا التفاؤل يا صديقي . 

ليس من السهل أن نتعود مثل هذا الغياب ، فقد عشنا خلال العامين الماضيين بمسلسل تراجيدي كبير،  حفل بخسارات جسيمة من ثلة طليعية من الأصدقاء الرحلين – الباقين فينا وفي قلوبنا وفي ضمائرنا . 

لن نتعود بعد على غيابك ، فأنت معنا يومياً في كل لحظة من لحظات هذه الأسئلة والتأملات الوجودية والوجدانية والمشاعرية ، وستبقى فينا لسنوات طويلة ، ننهل من ذكريات عطرة حفرت في ذاكرة كل واحد فينا ، كونك تركت بصمة مضيئة ، وتركت ارثاً غنياً من ثقافتك ومن بساتين أرضك الخصبة بالعطاء والجمال والتواضع والصدق والمبدئية . 

كل الصفات الجميلة كانت فيك ، فكنت بالنسبة لي ، مثل أبي تماماً الذي عزيتني فيه ، وكنت أستاذي الذي أعيش معه أصدق الحالات ، وكنت صديقي الوفيّ المخلص الحريص . 

كنت داعماً ومشجعاً وقارئاً وكاتباً وناقداً ومؤرخاً وباحثاً متأملاً ، وكنا معك دائماً في ملكوت الحكمة التي تتجلى فيك قولاً وفعلاً . 

أعاهدك أن أواصل المشوار ، وأن يبقى اسمك ( نعمان شحرور ) خالداً فينا ، وأن نستمر بمشروعك الذي لم يكتمل بمواصلة الاشتباك الثقافي ومجابهة رواية الآخر - النقيض المزعومة ورفع راية الحرية والعقلانية الحضارية والتقدم عالية . 

كلمات دلالية

اخر الأخبار