لا أربعين ولا خمسين في الدِّيِن

تابعنا على:   16:35 2021-10-06

 جمال عبد الناصر أبو نحل

أمد/ الحَسَن أن نتعلم قبل أن نتكلم، ويبقي الانسان عالمًا مادام يقول أنا أتعلم، "فإن قال قد علمت فقد جَهِّلْ"؛ والأحسن، والحُسني أن يسأل الانسان الذي لا يَعَلم مَن يَعَلم، قبل أن يُفتي عن جَهَلَ، ويتكلم، ويتلعثم، فَيُنَتَقَّدَ، ويُلام على كلامهِ مادام تكلم بالخطأ فَيَّتَألم ويندم عما تكلم، ويتمني حينئذٍ ليثهُ ما تكلم بما لا يعلم قبل أن يسأل ويَتَعَلم فيعَلم!. إن أسرعكُم للفتوي أسرعكُم للنار!؛ ويجب على المرء منا أن يحسب ألف حساب قبل أن يتحدث بكلام خاصة بِما يتعلق في أمور الدين، وقَد يندم على ما قالهُ العُمر كُلَه!؛ ورُبََّ كلمة يتكلم بها الانسان "من سخط الله تُلقيه في النار سبعين خريفًا"!؛ وما أكثر المفُذَلَكِينَ، والمتُفَحَلين اليوم والمتُفَيَّقُهُون، الذين يفتُون بِما لا يعلمون!؛ وخاصة في مجتمعنا العربي، وعالمنا الإسلامي،

ومثال ذلك ما نري، ونسمع عن بعض العادات السيئة، والتي ليست من العبادات، ومنها ما يُسَمي: " أربعينية الميت"!؛ وهو الاجتماع بعد مرور اليوم الأربعون من وفاة الميت، والقول بحُرمة قيام أي فرح أو مناسبة عند أهل الميت قبل مضي أربعون يومًا!؛ وفي الواقع أنه ليس في ذلك شيء من الدِين الاسلامي، سوى تجديدٍ للحزن على أهل الميت، وأما الأربعون فَحُكمها في الإسلام كعدد للأيام أو الليالي فقد ورد ذكره في مناسبات عدة في نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المشرفة، ومن أمثلة ذلك: قوله تعالى: ﴿وَوَاعَدْنَا مُوسَى ثَلَاثِينَ لَيْلَةً وَأَتْمَمْنَاهَا بِعَشْرٍ فَتَمَّ مِيقَاتُ رَبِّهِ أَرْبَعِينَ لَيْلَةً﴾ وقول النبي صلى الله عليه وسلم في تكوين الخلق الإنساني في رحم المرأة: إِنَّ أَحَدَكُمْ يُجْمَعُ خَلْقُهُ فِي بَطْنِ أُمِّهِ أَرْبَعِينَ يَوْمًا"؛ فَلم يتطرق القرآن الكريم ولا السنة النبوية الشريفة إلى تشريع أربعينية الميت، أو الحث عليه أو بيان فضلها، وليس ذلك فحسب؛ بل إن في نصوص الشرع ما يخالف هذه الظاهرة، وينقضها ويحُرمهَا تماماً فعَنْ أُمِّ عَطِيَّةَ رضي الله عنها قَالَتْ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "لا يُحَدُّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاثٍ، إِلا الْمَرْأَةُ، فَإِنَّهَا تُحِدُّ عَلَى زَوْجِهَا أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا"،

ففي الحديث صريحُ نهيٍ عن الحداد فوق ثلاثة أيام إلا للزوجة على زوجها، وهذه حالة خاصة بها، وللعلماء في تعزية أهل الميت بعد ثلاثة أيام أقوال كثيرة تركتها اختصاراً، والراجح من أقوالهم جميعًا أنه لا تعزية بعد ثلاثة أيام، وأصل هذه العادة السيئة التي شبه طُمست وطويت صفحتها عند عامة المسلمين إلا بعض الجاهلين" أربعينية الميت"!؛ كما يقول العلامة "خير الدين الأسدي"، في الموسوعة: "ولعل هذه الظاهرة الجاهلية مستمدة من فِعل الفراعنة القدامى الذين كانوا يحنطون الجثة مدة أربعين يوماً"!؛

والحقيقة أن هذه العادة السيئة، وأمثالها؛ في طريقها إلى الاندثار، والاندِحاَر، وخلاصة ذلك أن إقامة الأربعين للميت هي عادة منهيٌ عنها شرعًا، وليست عبادة، بل وفيها تعارض مع النصوص الشرعية في هيأتها وأحوالهِا؛ حيثُ يقول العلامة الشيخ الفقيه الامام الدكتور/ ابن باز رحمه الله: "ما يسميه بعض المسلمين: "أربعينية الميت" فَهذا لا يجوز شرعًا، وهذا من المأتم، ومن أفعال الجاهلية، ولا يجوز لا في الأربعين, ولا في اليوم الأول ولا في الأسبوع الثاني, ولا على رأس السنة, فكل ذلك من البدع المُحرمة، والخرافات ومن أعمال الجاهلية التي لا تجوز".

ولكن ما يجوز شرعًا والمُستحب هو الدعاء للميت في كل وقت، وأن تتصدق عنه فهذا جميلٌ، وطيب، أما إقامة ذكري  على رأس الأربعين أو على رأس الأسبوع, أو رأس الشهر, أو رأس السنة كل هذا لا أصل له"، ويقول الصحابي الجليل: جرير بن عبد الله البجلي رضي الله عنهُ"، كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت وصناعة الطعام بعد الدفن من النياحة المحرمة شرعًا"؛ ولما توفي جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه شهيداً في سبيل الله وجاء نعيه إلى النبي ﷺ لم يتخذ مأتماً لا على رأس أسبوع, ولا في أول يوم, ولا في رأس الأربعين,

وهكذا الصحابة لم يفعلوا ذلك لنبيهم ﷺ ولا للصديق, ولا عمر, ولا عثمان, ولا علي ولا غيرهم، فالواجب ترك ذلك؛ لأنه من عمل الجاهلية؛ فلا تحولوا العادات المحرمة الجاهلية وكأنها عبادات!!؛؛ قال تعالى: وما كان لمؤمنٍ ولا لمؤمنة إذا قضي الله ورسوله أمرًا أن يكون لهم الخيرةُ من أَمرِهِّمْ"، قال الشيخين: "إن الاجتماع في بيت الميت للأكل، والشرب ولقراءة القرآن، واجتماعهم يصلون ويدعون بشكل جماعي فكل ذلك بِدعة مُحرمة ولا تجوز، ومن البدع قراءة القرآن على الميت أو عند قبر الميت وليس لذلك أصل في الشرع بل كلهُ غير مشروع"؛ وهذا القول الفصل لخيرة عُلماء أهل السنة الأجلاء، وليس قول الجُهلاء.

كلمات دلالية

اخر الأخبار