التطرف والتصلب الفكري والديني لا ينتج حضارة

تابعنا على:   16:03 2021-09-23

نضال خضرة

أمد/ في إطار الصراع الحضاري حركة التاريخ أثبتت فشل الدول التي تعتمد على الأفكار والمعتقدات الصلبة المتطرفة في سباق الصراع الحضاري، برغم كل ما تمتلكه
من مقومات القوة، مثل العلمانية الصلبة التي أثبتت فشلها، والشيوعية الصلبة التي إنهارت وأصبحت نظام رأس مالي مع الحفاظ علي بعض الديباجات الإشتراكية والمناصرة الإستعراضية للبروليتارية، والنظام الغربي الرأس مالي المهدد بالإنهيار بحسب إستشراف عدد كبير من الفلاسفة الغربيين المعاصرين.

كما أن الدول الدينية أثبتت فشلها عبر التاريخ قديماً وحديثاً، لايمكن لاي دولة أن تنهض حضارياً وأخلاقياً ويطول أمدها لطالما أنها تجاهلت إرثها وموروثها ومعتقداتها الدينية بشكل مطلق،دون معالجة للأخطاء التي جائت بفعل الإستغلال و التوظيف السلطوي والسياسي
الذي أنتج الإستبداد من قبل الأنظمة ورجال الدين، فلا يصح شطب الموروث والدين لأن الأمثل العمل على إصلاحه وترميمه من الشوائب والعوالق التي أصابته.فلا يوجد دين متجرد من القيم الأخلاقية لا يحترم الأنسان، وكل ما حرمته الأديان يتناقض مع الفطرة الإنسانية فهذا ما أشار اليه (باروخ سبينوزا )(وجان جاك روسوا) ، وبسبب هذا العبث في الأديان من قبل رجال الدين، نتجت حالة الصدام بين الفلاسفة الغربيين ورجال الدين.

الإصلاح الديني فشلت المنظومة الغربية في تحقيقه بعد قيام الثورة الفرنسية، الموروث والمعتقد السليم المبني علي منظومة القيم الأخلاقية جزء أصيل من تشكيل وتعريف الهوية لأي أمة،والذي يؤدي تباعاً للبناء الانساني والحضاري، لكن الخطأ الكبير الذي إرتكبته المنظومة الغربية هو شطب الدين والموروث،وإستحضاره عند الحاجة من خلال ممارسة الإستحمار بغرض الإستعمار والإستبداد، مما يعني إستحمار بدباجات ديمقراطية زائفة، وإستعمار وإستبداد بشياكة أنيقة خاوية من الأخلاق.

هذا اللبس الذي أصاب المنظومة الغربية سيكون له مآلاته وإنعكاسات أن آجلاً أم عاجلاً، فلا يمكن لك أن تقول بأن الولايات المتحدة الأمريكية التي تعتبر النموذج الأمثل في الديمقراطية في العالم، بأنها ليس مسيحية! وبريطانيا العظمي ليس مسيحية! لكنهم يستحضروا الدين بحسب الطلب ويعملوا علي توظيفه ويمارسوا التقية بأبشع أشكالها، وهذا ما يعزز اللتباس الهوية وهذا ما سيدفع ثمنه الغربيون أمام شعوبهم وأمام العالم أجلاً أم عاجلاً.برغم كل إمكانياتهم وتفوقهم العلمي والمعرفي، والحضاري، لاشك بأن الحرية في الإعتقاد الديني والسياسي مدخل للديمقراطية الشمولية، وتمثل احد أهم ركائز البناء الإنساني والحضاري،
لكن شرط عدم تجاهل الموروث والمعتقد الديني الذي يشكل هوية الدولة وثقافتها الأخلاقية ويضمن بقائها في سباق الحضارة، فلا قيمة ولا آمد لحضارة متجردة من الأخلاق،لا تراعي المتغيرات، كما المنظومة الشيوعبة التي إنهارت بفعل صلابتها وتطرفها والنظام العلماني الصلب الذي أثبت فشله في تركيا.

والمنظومة الغربية الزأس مالية المهددة بالإنهيار بسبب صلابتها وتطرفها المطلق باتجاه العلمانية، بحسب إستشراف العديد من الفلاسفة الغربيين، الذين قالوا بأن الفلسفة السياسية للنظم الحاكمة في الغرب بعد النهضة، أصبحت متطرفة وصلبة بإتجاه العلمانية،
متجاهلة الموروث ومحتقرة للدين بسبب ما أنتجه هذا الدين من كوارث علي الغرب الأوروبي،
وجاء هذا التطرف بردة فعل قوية معاكسة شطبت الدين والموروث بدلاً من أن تعمل علي إصلاحه وترميمه، ومارست سياسية (البايوبوليتيكس) هذا المصطلح الذي أنتجه الفيلسوف الفرنسي المعاصر (مشيل فوكوا) والذي يصلح للإسقاط علي توصيف سياسات الغرب الاوروبي. والذي يعني بث الأفكار والتدجين والسياسة التي تمارسها الدولة وسلطتها على عقول وأجساد السكان هم أحياء وهم أموات..

إضافةً للتشريعات والقوانين والقرارات السياسية التي فرضها الغرب على السكان. والتي أنتجت هذه النظم، الملتبسة البائدة آجلاً ام عاجلاً والتي ستكون مألات سياساتها
وخيمة علي الغرب الأوروبي، لأنها متطرفة وصلبة بإنجاه العلمانية ومتجردة من منظومة القيم الأخلاقية والإنسانية لدرجة أنها تشرع كل ما حرمته الإديان وكل ما يتناقض مع الفطرة الإنسانية بإدعائها الديمقراطية،وتدعم مؤسسات حقوق الإنسان جهراً وإستحماراً من جانب، وتدعم الحروب الأهلية بهدف الإستعمار الحضاري سراً، من جانب أخر.

كما أن المجتمع الغربي بحسب وصف الفلاسفة الغربيين مازال يعاني من أركيولوجية المعرفة واثارها، سلوكياً كالحمار الذي يحمل اسفاراً.

ختاماً" التطرف المطلق بإتجاه الأفكار والمعتقدات الدينية عائق كبير أمام النهضة، كما أن
الإصلاح الديني والتحرر المتوازي الذي يراعي القيم الأخلاقية والموروث والمعتقدات الصالحة السليمة.

والتناغم مع الحداثة، وصفة ناجحة وصادقة بإتجاه بناء الهوية وإحداث النهضة الحضارية والأخلاقيةطويلة الأمد، لاشك بان هذا حلم"لكن من الممكن ان يتحقق لأي امة محترمة مثل أمتنا التي تمتلك مقومات هذا الحلم، من تاريخ وحضارة ودين منطقي عقلاني وانساني،
بعيداً عن العابثين الذين ساهموا في تخريب وتشويه هذا الدين .

اخر الأخبار