خطة لابيد الإقتصادية نحو غزة.. محاولة إسرائيلية بائسة للخروج من المأزق

تابعنا على:   23:07 2021-09-18

أحمد عيسى

أمد/ تعيش إسرائيل مأزق يصفه المتخصصون في الجيوبولتيك خاصة الأمريكيون منهم بأنه لم يعد قابل للحل، وبضيفون أنه حتى وإن كانت إسرائيل حقاً أو تظاهرت: بأنها الدولة الأقوى عسكرياُ وثقافياً وتكنولوجياً في المنطقة، وأن المسافة التي تفصلها عن أكثر الدول المجاورة لها تطوراً غير قابلة للقياس، وأن الديبلوماسية التي وظفتها بمساعدة واشنطن وغيرها من العواصم الغربية طوال سنوات الصراع الماضية قد نجحت في فرض القبول بها على العرب في المنطقة، بمعنى آخر حتى وإن إدعت بأنها "الفيلا الوحيدة في الغابة"، فهي يقيناً قد دخلت مأزق لا يبدو أنه قابل للحل في المدى المنظور.

فهي وفقاً لهؤلاء المتخصصون قد أصبحت محاطة بالتهديدات الوجودية وغير الوجودية، العسكرية وغير العسكرية، الداخلية والخارجية، وأصبح مواطنوها يضعون كثير من الشكوك على مستقبل وجدودها علناً، كما أصبح مفكروها يعترفون أنها مصابة بداء التفكك والإنقسام الإجتماعي والديني، علاوة على أن أكثر من ثلت جيل الشباب اليهودي حول العالم خاصة في الولايات المتحدة الأمريكية يصرح علناً أن إسرائيل هي دولة تفرقة عنصرية (أبارتايد) ولذلك إنخرط أكثر من 20% منهم في حركة مقاطعة إسرائيل (BDS) الآخذ إنتشارها في التمدد والإتساع حول العالم، كما أنها أصبحت في نظر مؤسسات حقوق الإنسان العالمية والإسرائيلية دولة أبارتايد، الأمر الذي جعل منها عبئاً على رؤساء الدول الذين يتحيزون لصالح مواقفها، نتيجة الضغوط الهائلة التي يتعرضون لها من داخل أحزابهم، لا سيما الرئيس الأمريكي بايدن.

ماذا جرى؟

أعلن وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد مساء يوم الإثنين الموافق 12/9/2021، خلال كلمته أمام المؤتمر الدولي السنوي لمكافحة الإرهاب، الذي ينظمه سنوياً المعهد الدولي لمكافحة الإرهاب التابع لجامعة رايخمان في هرتسيليا، الأمر الذي بحد ذاته لا يخلو من دلالة، عن خطة تتكون من مرحلتين سماها (الإقتصاد مقابل الأمن) لإعادة إعمار قطاع غزة، الذي يخضع للحصار منذ العام 2007، ودمرته الحروب الأربعة التي شنها الجيش الإسرائيلي منذ العام 2008، والتي كان آخرها معركة سيف القدس في شهر مايو/أيار الماضي من العام الجاري، والتي كانت حلقة من حلقات هبة القدس التي إنخرط فيها الشعب الفلسطيني برمته داخل وخارج فلسطين، لا سيما داخل مناطق العام 1948، والتي ما زالت متواصلة في باحات المسجد الأقصى والشيخ جراح وسلوان.

وفي معرض كلمته أكد لابيد أن الخطة لا تأتي في سياق الحل السياسي القائم على حل الدولتين، كاشفاً في الوقت نفسه عن أحد أهم مقاصد طرحه للخطة الآن، حين قال: دعونا نستمع إلى ماذا ستقول حماس للمواطنين في قطاع غزة؟ الأمر الذي ينطوي على دعوة مباشرة للشعب الفلسطيني بالتمرد على حركة حماس (الإرهابية) على حد وصف لابيد، بإعتبارها الموجب للحصار والحروب وتردي الوضع المعيشي والإنساني لسكان غزة! الأمر الذي يتفق مع موقف ررئيس الوزراء بينت الرافض لمبدأ قيام دولة فلسطينية والذي كان قد عبر عته عشية زيارته لواشنطن في شهر آب/أغسطس الماضي.

لماذا الخطة بائسة؟

يدرك لابيد أن الشعب الفلسطيني منقسم على ذاته منذ أكثر من عقد ونصف العقد تقريباً حول من يمتلك الصواب من المكونات السياسية الفلسطينية: هل هي حركة فتح أم حركة حماس؟ ويدرك كذلك أن هناك نسبة عالية من الشعب الفلسطيني تًحمل حركة حماس مسؤولية الدماء التي سالت في غزة في صيف العام 2007، عندما سيطرت على غزة بالقوة العسكرية وقتلت معارضيها حتى من خارج صفوف حركة فتح والسلطة الفلسطينية بشكل يرفضه القانون، كحالة الشيخ عبد اللطيف موسى ورفاقه في مسجد بن تيمية بمدينة رفح العام 2009.

لكنه مقابل ذلك يدرك ومعه كل مؤسسات التقدير الإستراتيجي في إسرائيل أن الفلسطينيين شعباً وسلطة لا ينظرون لحركة حماس كحركة إرهابية ولا يمكنهم أن يفعلوا ذلك أبداً في يوم من الأيام، الأمر الذي يجعل من محاولة لابيد اللعب على وتر الإرهاب محاولة بائسة، كما أنه يدرك أن الراي العام العالمي لم يعد كما كان في السابق يصدق خطاب إسرائيل الإعلامي بأنها الدولة المنخرطة حتى أذنيها في حرب ضروس ضد (المخربين والإرهابيين الفلسطينيين).

وتجدر الإشارة في هذا الشأن أن مكافحة الإرهاب لم تعد أولوية عليا لإستراتيجية الأمن القومي الأمريكي كما كانت بعد هجمات الحادي عشر من سبتمبر العام 2001، حيث حل مكانها أولوية مواجهة التنافس مع الصين وروسيا، الأمر الذي يضعف من قدرة إسرائيل على توظيف مفهوم مكافحة الإرهاب لخدمة مصالحها في صراعها مع الفلسطينيين.

الموقف الفلسطيني من الخطة

من جهته رفض الشعب الفلسطيني السياق الذي طرح فيه لابيد خطته رغم أنها بدت وكأنها تنطوي على إستجابات لحاجات الشعب الإنسانية والمعيشية في غزة، هذه الإحتياجات التي تعتبر في الواقع حقوق لا يوظفها في المساومة إلا جهة معجونة بثقافة العنصرية، حيث صرح رئيس الوزراء الفلسطيني محمد إشتية أن مشكلة الشعب الفلسطيني هي مشكلة سياسية وليست إنسانية فقط، وكذلك فعل الناطق الرسمي بإسم حركة حماس في قطاع غزة.

لماذا الآن؟

أجبرت هبة القدس الأخيرة لا سيما معركة سيف القدس واشنطن ومعها القوى الغربية المتحالفة معها في كل ما يتعلق بإسرائيل، على الإسراع في الإعلان عن عزمها تقديم الدعم  للسلطة الفلسطينية في محاولة منهم لقطع الطريق أمام صعود مستوى التأييد الشعبي لحركة حماس وفقاً لنتائج إستطلاعات الرأي التي أجريت في المناطق الفلسطينية بعد المعركة، ومن جهة أخرى الإسراع في تجريف نشوة الشعب الفلسطيني المعنوية التي أعقبت هذه المعركة.

وكانت واشنطن قد أوكلت مهمة تقوية السلطة أو ما أطلق عليها البعض من الفلسطينيين إسعاف السلطة لإسرائيل، الأمر الذي يفسر زيارة وزير الدفاع جانتس للمقاطعة في رام الله بعد تجاهل طويل، ويفسر كذلك مبادرة لابيد لطرح خطته، إذ لا يمكن لتل أبيب الإشارة للغرب ولواشنطن أنها قد شرعت في تنفيذ المهمة  الموكلة لها دون تقديم مبادرة على شاكلة خطة لابيد.

ومن جهة أخرى تشير مبادرة لابيد لطرح خطة في هذه اللحظة من الزمن، إلى بدء إسرائيل بتنفيذ خطة تهدف إلى وقف الإتجاه المتنامي حول العالم بإعتبارها دولة فصل عنصري، لا سيما من قبل الرأي العام اليهودي، وتشير كذلك الى بدئها بتنفيذ خطة لرأب الصدع بينها وبين الجالية اليهودية الأمريكية التي تشير إستطلاعات الرأي المتواترة أن هذا الصدع آخذ في الإتساع يومياً، الأمر الذي دفع بينت في زيارته الأخيرة لواشنطن للقول خلال لقائه مع زعماء المنظمات اليهودية في أمريكا يوم الجمعة الموافق27/9/2021، أنه سيعمل على تخفيف التوتر مع الفلسطينيين.

الخلاصة

إذاً فخطة لابيد يبدو أنها ظاهرياً موجهة للفلسطينيين، إلا أن باطنها موجه للرأي العام العالمي خاصة للرأي العام اليهودي الذي بدأ يرى إسرائيل دولة فصل عنصري حقيقي، الأمر الذي من جهة يثبت للفلسطينيين أن الدولة الفلسطينية المستقلة بالرؤية الفلسطينية لها غير قابلة للتحقق في المدى المنظور، ومن جهة أخرى يثبت أن إسرائيل في مأزق حقيقي وتحاول الخروج منه بمواصلة التحايل والإلتفاف على الواقع، ولكن تظهر حقائق الواقع أنها محاولة دون جدوى.

في النهاية تأمل هذه المقالة أن يكون نصيبها من الصواب أكثر من الخطأ، وأي كان الحال فهناك حاجة لرؤية فلسطينية جديدة تقوم على حقيقة أن الفرص التي تنطوي عليها البيئة الإستراتيجية الإسرائيلية، يبدو أنها أكثر مما تنطوي عليه من تهديدات.

اخر الأخبار