الأسرى الفلسطينيون .. الهروب المشروع والقضية الغائبة

تابعنا على:   16:56 2021-09-12

د. أماني القرم

أمد/ أسبوع يخطف الانفاس .. فلم يكن  اجتياز نفق الملعقة حصريًّا على الابطال الستة الذين حفروه، إنما كان عبوراً لفلسطين كلها الى سماء الحرية .. فطوبى لبطولتهم التي غمرتنا وجدّدت فينا هذا الشعور الغريب  بأننا مازلنا أحياء!

 تابعت ردود الأفعال في الصحف العالمية على قضية هروب الأسرى الستة . عنوان واحد ورواية واحدة والكاتب نفسه في معظم الأحيان : " فرار ستة سجناء من سجن شديد الحراسة في إسرائيل". والتركيز كان باقتضاب حول أمرين: اختراق الأمن الاسرائيلي والكيفية التي تمت بها عملية الهروب. 

لم أجد صحيفة واحدة تتحدث  عن القصص الغير مروية للأسرى الستة ومحكوميتهم وسنواتهم  اللانهائية من العذاب الهائل خلف جدران السجن أو أسرهم التي تركوها خلفهم حين اعتقلوا ، حتى تلك التي تعد متعاطفة مع القضية الفلسطينية . بدا الأمر عالميا  وكأن القصة تدور حول سجناء جنائيون أو أمنيون /لا فرق/ يقضون فترة عقابية تحت نظام قضائي عادل لدولة شرعية  بسبب سرقة أو قتل ، نجحوا في الهرب من السجن على طريقة الافلام الهوليوودية .. الحقيقة أن الواقع مغاير تماماً لما توحي هذه الرواية المأخوذة عن صحف اسرائيلية .. 

فمنذ نشوء الصراع ، تشهد القضية الفلسطينية  في أسلوب التغطية  العالمية لسياق الاحداث تلاعباً  في الالفاظ والكلمات لصالح اسرائيل التي تعتمد تكتيكاً التفافيًّا للرواية يركز على النتيجة دون ذكر الأسباب، ويفتت محاور القصة فلا يستطيع القارئ العادي ربط النقاط ببعضها البعض ، أو كما قال عالم السياسة الامريكي " شانتو يانغار"  طرح "سياق بلا سياق" .

بحيث يصل من يقرأ في النهاية الى خلاصة تبعد الادانة عن اسرائيل وتساوي بين الضحية والجلاد . فمثلا في قضية دفع رواتب الاسرى والشهداء ظهرت القضية عالميا  في النهاية بأسلوب (الدفع مقابل القتل) ، وفي قضية التهجير القسري لملاّك حي الشيخ جراح بدا الأمر وكأنه نزاع قضائي حول أحقية حكومة اسرائيل في إخلاء سكان المنطقة  . أما في الحروب على غزة فمجال الرواية المزورة أشدّ اتساعًا، والنتيجة  صواريخ حماس تقصف المدنيين مقابل رد اسرائيلي بقصف انفاق حماس تحت المنازل الفلسطينية !! 

أمّا معاناة الاسرى الفلسطينيين وظروفهم المأساوية وأحكامهم الجائرة وأسلوب الاعتقال اللا انساني سواء أطفال كانوا أم نساء أم رجال غائبة تماما عن الصحافة العالمية، ففي أحسن الاحوال هم أرقام .

معظم الغرب يعرف عن مناضل ايرلندي اسمه بوب ساندز ورفاقه الذين ماتوا في السجن البريطاني إثر إضرابهم عن الطعام من اجل استقلال ايرلندا.. لكن هل يوجد في الغرب من يعلم اسماء أسرى فلسطينيون قادوا معركة الامعاء الخاوية  ومازالوا؟ أو أسرى محكومين مؤبدات متتالية تحرمهم حتى من مجرد الحلم بالحرية.. الغرب لا يعرف أو لا يريد أن يعترف بأن اسرائيل تحاكم الاطفال في محاكم عسكرية.

الغرب لا يعلم أن عدداً من الاسرى يموت بعد خروجه من السجن الاسرائيلي  أو يفقد عقله بسبب مضاعفات التعذيب المستمر ..والغرب لا يعرف أيضا عن اسرى استشهدوا بسبب ظروف الاعتقال الجسدية والنفسية في ظل غياب تغطية اعلامية ومحاسبة قانونية ..

هروب مساجين من سجن شديد الحراسة على طريقة مسلسل Prison break  أو فيلم (الخلاص من شاوشانك) ليس العنوان الحقيقي ولا التشبيه الملائم لقضية الابطال الستة .

فهم ليسوا جنائيين ولا مؤبداتهم عقابية وإنما أصحاب قضية وأي قضية  صبر ومعاناة ونضال وإيمان أن فلسطين أغلى من الولد والأهل .  ومن حقهم الطبيعي الفعل الاستباقي واجتياز اسوار السجن الذي يشبه خط بارليف دون استئذان من السجان. هذا ما يجب أن يعرفه الغرب .. 

تحية للأسرى جميعهم ممثلي المقاومة التي لا تهدأ أبدا ولا مزايدة فيها وتحية للأبطال الستة الذين أخذونا معهم الى فضاء الحرية في رحلة العبور ولو لأيام قليلة .

كلمات دلالية

اخر الأخبار