لصوص هذا الزمان !

تابعنا على:   21:37 2021-08-30

فادي أبوبكر

أمد/ قال نجيب محفوظ وكتب: “أعرف الكثير من اللصوص يضعون على مكاتبهم (هذا من فضل ربي)”،ولكن  لصوص الزمن الحاضر لا يهدفون من وراء هذه العبارة إلى إبعاد الشبهة عنهم، كما كانوا في زمن محفوظ، وإنما هم على قناعة بأن موهبتهم في السرقة هي هبة من الله .. وهذه هي المصيبة الأعظم.

ولا يقف الأمر عند أولئك ممّن ارتكبوا جرائم اقتصادية في حق الشعب; يحملون صفة رجل أعمال وهم في الواقع سماسرة استولوا على أموال شعبهم. فقد برز كماً هائلاً من الشخصيات الهلاميَّة والكرتونية - إذا صحَّ التعبير - في الساحة وطفت على السطح، وتصدّرت المشهد، بل ووصلت إلى مراكز قيادية أحياناً، مسطرين تاريخهم بالدراما الوطنية الكاذبة التي نراهم يمثلونها أمام عدسات كاميرات الإعلام، ونجاحهم في استقطاب تعاطف الرأي العام أحياناً لم يأتِ إلا من باب الفراغ الذي تركه تقصيرنا بحق أولئك الذين سطروا تاريخهم من زهرات أعمارهم ودمائهم وصمودهم الأسطوري في ساحات النزال المختلفة.  وأولئك يمثّلون صنفاً جديداً من أصناف اللصوص الذين يسرقون صورة البطل والوطني الحقيقي من مخيّلة العامة.

ولعلّ أولئك هم أخطر أنواع اللصوص،  إلا أن لصوص الفكر ومدّعي الدين هم  أشدّهم كفراً، فهم يعملون على الوصول إلى غايتهم من خلال الدين كوسيلة، فيفسّرونه بحسب أهوائهم ورغباتهم، ويسرقون عقول العامّة والجماهير، ليضعونها في أماكن ونواحي أخرى، نتاجها دمار المجتمعات وهلاكها الحتمي.

إن لصوص هذا الزمان يا محفوظ، ينامون الليل الطويل، وهم يُقنعون أنفسهم بحججٍ تجعل ضمائرهم مرتاحة.. فيخاطب الواحد فيهم نفسه بقوله: "أنا لست لصاً؛ أنا شخص عادي جداً أقوم بما يقوم به الجميع". وكل هذا مردّه إلى تحوّل مفهوم القائد العظيم في زماننا هذا، ليصبح هو ذاك من يخلق حوله أتباعاً وليس قادة !.

 وهكذا أصبحت اللصوصية نهجاً قويماً في هذا الزمان، وهناك مثقفين من أتباع هذا النهج الذين لا يفصلون بين (التكريم) و(التدجين)، فأصبحوا لصوصاً للثقافة، يمتدحون السلطة ويكرّرون ما تقوله في قالب ثقافي، دون الانغماس في مشاكل المجتمع ومعضلات الجماهير، وهناك ضبّاط أمن أيضاً ينظرون إلى جثث ال المغدورين على أيدي "مجهولين" ويقولون: لو ظللنا نبحث طوال حياتنا فلن يمكننا من القبض على من فعل ذلك .. فهم في ذمة الله!.

هؤلاء لصوص الثقافة والعدالة، ينامون بضميرٍ مرتاح!، وهم يردّدون لأنفسهم ما قاله جلال الدين الرومي :" في نهاية المطاف ، ستأتي الأشياء من تلقاء نفسها دون أي جهد..".

إن صاحب الأداء الحكومي السيء لهو لص، وصاحب الاختيارات الخاطئة للمؤديين السيئين هو لصٌ أيضاً، ولن يندثر نهج اللصوصية إلا عندما تقتنع المنظومة السلطوية بنجاعة منهج تغيير العقول لا الوجوه.

وبعد تصحيح هذا المسار فقط يمكن خلق جيل متجدّد، وتحوّلات جذرية، ونناقش آليات حماية المجتمع من الفساد والجريمة وغيرها من الآفات، وإذا تعذّر ذلك، يبقى الأمل فيما قاله نجيب محفوظ " من لا يؤدبه الضمير ... تؤدّبهُ الحياة حين تدور....!".

كلمات دلالية

اخر الأخبار